منذ تولي حافظ الأسد السلطة في سوريا عام 1970 عبر انقلابٍ عسكريٍ، عاشت البلاد تحت قبضةِ حكمٍ عائليٍ قائمٍ على الاستبدادِ والقمعِ. ورث بشار الأسد الحكم عام 2000، ليواصل نهج والده، ولكن بوسائلٍ أكثر دمويةٍ مع اندلاع الثورة السورية عام 2011. خلال أكثر من عقدٍ من الزمن، تحولت سوريا إلى ساحةٍ حربٍ مدمرةٍ، تخللها قمعٌ شرسٌ للحراكِ الشعبيِّ، وارتكابُ مجازرٍ مروعةٍ بحقِّ المدنيينَ، ليصبح اسم الأسد مرادفاً للاستبداد والدمار.
الشعب يريد إسقاط النظام: شعار الثورة وإرادة لا تنكسر
شعار “الشعب يريد إسقاط النظام” لم يكن مجرد هتافٍ عابرٍ في المظاهرات، بل كان تعبيراً مكثفاً عن مطالب السوريين بإحداث قطيعةٍ تامةٍ مع عقودٍ من الظلم والفساد والاستبداد. لم يكن النظام بالنسبة للشعب محصوراً في شخص بشار الأسد وحده، بل كان منظومةً مترابطةً من الفساد، وأجهزة القمع، ومؤسساتٍ خاضعةٍ لسيطرة العائلة الحاكمة وشبكات مصالحها.
إن إسقاط النظام يعني أكثر من إسقاط رأس السلطة؛ يعني تفكيك هذه المنظومة التي جعلت من الدولة أداةً لخدمة الاستبداد، وتحقيق العدالة الانتقالية، وإعادة بناء دولةٍ تقوم على الحرية والكرامة والمساواة.
والإصرار على هذا الشعار جاء نتيجةً لمعاناةٍ طويلةٍ من القمع والتهميش، حيث جُرد الشعب السوري من حقوقه الأساسية، وسُلبت ثرواته، وتعرض لأبشع أنواع الإذلال. لذلك، فإن المطالبة بإسقاط النظام ليست مجرد رغبة في التغيير، بل هي مطلبٌ للعدالة واستعادة كرامة الإنسان السوري التي أهدرها النظام على مدار عقود.
الأزمة الراهنة: سقوط النظام وارتباك أتباعه
اليوم، مع انهيار نظام بشار الأسد وفراره من البلاد، يقف رموز النظام الباقون في حالةٍ من التخبط. مجلس الشعب، الذي كان طوال السنوات الماضية أداةً بيد النظام، يحاول الآن إعادة تقديم نفسه على أنه داعمٌ لتطلعات الشعب. البيان الذي أصدره هذا المجلس، والذي يؤيد فيه “إرادة الشعب”، ليس سوى محاولةٍ مكشوفةٍ لتأمين موقعٍ لهؤلاء الأعضاء في المستقبل السياسي للبلاد. لكن الشعب الذي أسقط رأس النظام لن يقبل بإعادة إنتاج النظام بوجوهٍ جديدةٍ أو بقاء أيٍ من رموزه.
ازدواجية المواقف: هل يجرؤون على الاعتراف؟
إذا كان أعضاء مجلس الشعب يحترمون حقاً إرادة الشعب السوري الذي خرج إلى الشوارع للمطالبة بحريته وكرامته، فإن أول خطوةٍ يجب عليهم اتخاذها هي تقديم استقالاتهم والاعتراف بدورهم في دعم نظام الأسد والمشاركة في ترسيخ استبداده. هذا المجلس، الذي صفق لكل قرارات النظام وشرعن جرائمه، يتحمل جزءاً كبيراً من المسؤولية عن المعاناة التي عاشها السوريون.
محاسبة كل من شارك في قمع الشعب
إن إسقاط النظام يعني أيضاً محاسبة جميع من شغل المناصب السيادية وساهم في تقوية حكم الأسد، سواء بالصمت أو بالتواطؤ. لا يمكن بناء دولةٍ جديدة دون تحقيق العدالة الانتقالية التي تكشف الحقائق وتحاسب المذنبين وتضمن تعويض الضحايا.
مستقبل سوريا: لا مكان لأي بقايا من النظام البائد
إن الشعب الذي أسقط نظام بشار الأسد لن يتنازل عن أصغر تفصيلٍ يذكره بالنظام البائد. لن يسمح السوريون بإعادة إنتاج الاستبداد بأي شكلٍ من الأشكال، ولن يقبلوا ببقاء أيٍ من رموز النظام أو سياساته التي أهلكت البلاد.
الثورة السورية لم تكن مجرد احتجاجٍ على شخص الأسد، بل كانت ثورةً ضد كل ما مثله نظامه من ظلمٍ وقمعٍ وفساد. من خرج مطالباً بالحرية ودفع أثماناً باهظةً لن يتنازل عن بناء دولةٍ تقوم على احترام حقوقه وكرامته.
سوريا الجديدة ستبنى على أنقاض النظام البائد، ولن يكون فيها مكانٌ لأي إرثٍ من ممارسات الاستبداد، فالشعب الذي قال كلمته لن يسمح بإعادة عقارب الساعة إلى الوراء، وسيناضل حتى يرى أحلامه تتحقق بالكامل.