منذ اندلاع الثورة السورية، قدّم الثوار نموذجاً فريداً في العالم العربي والعالمي على حد سواء، حيث أثبتوا أن إرادة الشعوب وحدها قادرة على التحرر دون الحاجة إلى تدخلات خارجية أو التبعية للقوى الكبرى.
ففي حين شهدت تجارب أخرى في المنطقة قيام أنظمة أو حركات معارضة باستقدام قوى أجنبية عبر “دبابات أمريكية أو روسية”، اختار الثوار السوريون طريقاً مختلفاً، يعتمد على الإمكانيات الداخلية والموارد الذاتية في سعيهم لتحرير أرضهم من نظام جثم على صدورهم لعقود.
هذا الخيار الوطني الصادق يحمل في طياته أبعاداً استراتيجية تتجاوز اللحظة الراهنة، فعندما يبني الثوار تحركاتهم على إمكانياتهم الذاتية، فإنهم لا يكتفون بتحقيق التحرير، بل يؤسسون لعقيدة سياسية واجتماعية تقوم على رفض أي وصاية خارجية على مستقبل سوريا.
هذا النهج يعزز الروح الوطنية لدى الشعب السوري، ويزرع الثقة بقدرة السوريين على بناء دولة تتجاوز الانقسامات السياسية والطائفية التي حاول النظام تكريسها على مدى سنوات.
فرصة لبناء سوريا جديدة
لقد أثبت الشعب السوري في الأيام الأخيرة أنه قادر على تحقيق إنجازات كانت تبدو مستحيلة قبل بضعة أيام، هذه التجربة الملهمة يجب أن تُستثمر من قبل السياسيين المعارضين وأبناء الشعب على حد سواء، فالحفاظ على استقلالية القرار السوري ليس مجرد هدف آنٍ، بل هو شرط أساسي لبناء دولة على أسس جامعة وقوية، قادرة على استعادة ريادتها في المنطقة.
سوريا، التي كانت يوماً قلب العالم العربي، يمكنها أن تعود لتكون نموذجاً يُحتذى به في النهضة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. الشعب السوري، بروحه الحية وتضحياته العظيمة، يمتلك المقومات التي تمكنه من قيادة هذه المرحلة الجديدة، شريطة أن تتوحد الجهود حول مشروع وطني جامع يتجاوز الحسابات الضيقة.
تحديات وفرص
لا شك أن الطريق أمام الثوار والشعب السوري مليء بالتحديات، لكن التجربة الحالية تؤكد أن الحلول لا تأتي من الخارج، بل من الداخل فهذه الروح الوطنية، إذا ما استُغلت بشكل صحيح، يمكن أن تكون بداية لمسار جديد يجعل من سوريا دولة ذات سيادة حقيقية، دولة تلعب دوراً محورياً في المنطقة وتعيد للشعب السوري مكانته المستحقة في العالم.
إن ما نشهده اليوم ليس فقط ثورة ضد الظلم، بل هو إعلان عن ميلاد أمة حية قادرة على استعادة زمام المبادرة. ولما لا؟ أليس الشعب السوري هو الذي قدّم للعالم أعظم نماذج الصمود والإبداع رغم كل محاولات الإبادة والتشويه؟
الثورة السورية ليست مجرد انتفاضة على نظام مستبد، بل هي قصة أمة تسعى لاستعادة كرامتها واستقلالها، بعيداً عن أي وصاية أجنبية، وإذا ما استمر هذا النهج، فإن سوريا الجديدة ستكون شاهدة على قدرة الشعوب على تغيير مصيرها بإرادتها وإيمانها بحقها في الحرية والكرامة.