رغم عودة الهدوء إلى مدينة البوكمال وأطرافها في ريف دير الزور شرقي سوريا، على خلفية توقيع اتفاق تهدئة بين عشيرة “الحسون” وعشيرة “المشاهدة” وتحديداً عناصرها المنضوية في “الفوج 47″ التابع لـ”الحرس الثوري” الإيراني عقب اشتباكات امتدت لأسبوع، لا تزال هناك مخاوف من اندلاع مواجهات جديدة، في ظل التوترات التي تشهدها المنطقة.
المدينة شهدت أوائل تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، اشتباكات عنيفة بين أبناء من عشيرة “الحسون” التابعة لقبيلة العيكدات، وآخرين من عشيرة “المشاهدة” منخرطين في صفوف “الفوج 46″، على خلفية تسلل خمسة منهم إلى منزل أيمن دحام الدندل شيخ “الحسون” وإحراق سيارته، لرفضه التفتيش على أحد الحواجز، قبل أن يتم إلقاء القبض عليهم من قبل أبناء العشيرة.
أعقب ذلك، مهاجمة أقارب الشيخ الدندل منازل لأنباء عشيرة المشاهدة المنخرطين في “الفوج 47″، وإحراق أحدها، وإلقاء القبض على حمد عبود الفريج الملقب “دحلوس” أحد قياديي “الفوج 47″، لتندلع على إثر ذلك اشتباكات بين الجانبين، ويتدخل شيوخ ووجهاء من عشائر أخرى للتهدئة والجلوس للصلح.
مخاوف من تجدد النزاعات العشائرية بالبوكمال
وكشفت مصادر محلية لموقع “963+”، أنه “خلال اجتماع الصلح الذي انعقد في المربع الأمني التابع للقوات الحكومية في 12 نوفمبر الجاري، وجه أحد قادة الفوج 47 من أبناء عشيرة المشاهدة تهديداً مبطناً للشيخ أيمن الدندل، طالبه خلاله بالعودة إلى دمشق، أو سيتم محاربته بالعناصر الأفغانية”.
ونشرت الأجهزة الأمنية التابعة للحكومة حواجز عند مدخل بلدة السكرية التي ينحدر منها معظم عناصر “الفوج47، ومدينة البوكمال، كما قدمت تسهيلات لأبناء عشيرة “الحسون” ولم يتم إيقاف أي مسلح منهم” بحسب المصدر، ما فهم على أنه محاولة من القوات الحكومية استغلال الأوضاع لإعادة التموضع في منطقة البوكمال التي تعتبر منطقة نفوذ إيراني.
ويأتي ذلك في ظل الحديث عن توجه الحكومة السورية للحد من نفوذ إيران بعد تزايد الغارات الإسرائيلية على سوريا، لمنع نقل الأسلحة من إيران عبر العراق إلى سوريا ومن ثم إلى “حزب الله” اللبناني.
وذكرت المصادر، أن اجتماع الصلح عمل عليه شيوخ العشائر كوسطاء للحل، وممن وردت أسمائهم في التوقيع على ورقة الصلح: “عبد الكريم أحمد الهفل، حمد باشا النجرس، لؤي محمد أمين اللويس، بدر خليف الحمود”، موضحةً أن قيادة “الفوج47” سلمت 5 عناصر لوجهاء من عشيرة المشاهدة الذين قاموا بدورهم بتسليمهم للأجهزة الأمنية السورية، وذلك بناء على اتفاقية الصلح بين الطرفين.
ومن أهم نتائج الاشتباكات والصلح، هي استطاعة أبناء العشائر وضع حد لانتهاكات حقوق الإنسان التي يمارسها أبناء “عشيرة المشاهدة” في مدينة البوكمال باسم “الحرس الثوري” الإيراني، حيث سجّلت العشائر العربية موقفاً لها وأصبح هناك رادع نوعاً ما لتلك الانتهاكات، حسب المصادر.
وتتحدث تقارير عن انتهاكات يرتكبها عناصر “الفوج 47″، من بينها “سرقات وجباية وإتاوات وتهديدات تصل إلى التحرش اللفظي بحق أهل البوكمال خصوصاً العوائل المعارضة للحكومة”، كما انضم لعشيرة “الحسون” التي يقودها أيمن الدندل المعروف بولائه للحكومة السورية عدد من أبناء البوكمال بشكل غير معلن نتيجة الخوف من الفصائل الإيرانية والتبعات اللاحقة، وفقاً للمصادر.
كيف تستثمر إيران العشائر؟
ابن عشيرة المشاهدة في البوكمال، خالد الحماد، المشرف العام على “مركز وسط للبحوث والدراسات الفكرية”، قال لموقع “963+”: إن الحرس الثوري الإيراني يستغل أبناء العشائر بالانتساب إليه عبر “الفوج 47” مستنداً إلى جانبين، “الفقر والبطالة، وسماح الجيش السوري للمطلوبين إليه بالخدمة ضمن الفصائل الإيرانية”.
وأكد الحماد، أن السيطرة الفعلية في البوكمال لإيران، رغم وجود الأجهزة السورية في المنطقة، والتي تمت المصالحة عبرها في المربع الأمني في البوكمال، محذراً من احتمالية أن يعود التوتر العشائري في حال تم احتكاك بين أبناء المنطقة، وإيران في هذه المرحلة لا ترغب بأي احتكاك أو فوضى حتى لا تؤثر على وجودها.
وأوضح الحماد، أن المكون العشائري ليس ملكاً لأحد منذ مئات السنين، ويتوجب على شيوخ العشائر أن تعي حجم المخاطر القادمة كون المنطقة غير مستقرة، وأي خلاف يجب أن يحل بالطرق السلمية بعيداً عن أجهزة الحكومة السورية وإيران.
بدوره، الباحث في “مركز الحوار للدراسات في واشنطن” عمار جلّو، لفت في تصريحات لـ“963+”، إلى “أهمية المنطقة إيرانياً، كجسر بري لا يمكن للمشروع الإيراني الظرفي وطويل الأمد أن ينتعش بدونه، حيث سارعت إيران لفرض سيطرتها على منطقة البوكمال خلال العمليات ضد تنظيم “داعش” عام 2017، وتراجعت خلالها روسيا إثر اشتباكها مع الإيرانيين بعد تأكدها من أهمية المنطقة لدى طهران”.
وأشار جلّو إلى “جهود إيران لاستقطاب المجتمع المحلي عبر المساعدات والإغاثة، إلى جانب جهود المركز الثقافي الإيراني في البوكمال ونشاطاته المثيرة والمخيفة على مكونات المجتمع بمن فيهم وجهاء ومشايخ العشائر”.
وتشكل محافظة ديرالزور وريفها، أهمية استراتيجية كبيرة بالنسبة إلى إيران، فهي تربط بين سوريا والعراق، وكانت طهران تحاول منذ تسعينات القرن الماضي أن تعزز نفوذها في هذه المنطقة عبر دعم رجال الدين مادّياً ومعنوياً قبل اندلاع الحرب السورية بعد احتجاجات العام 2011 والتي سمحت لطهران لبسط سيطرتها على هذه المنطقة عسكرياً.
عذراً التعليقات مغلقة