عائشة صبري – حرية برس
يحذر قانونيون سوريون ولبنانيون من خطورة عملية استكمال التغيير الديموغرافي، في أعقاب لجوء لبنانيين إلى سوريا منذ بدء التصعيد الإسرائيلي على الضاحية الجنوبية، خاصة مع تسهيلات أعلنتها حكومة النظام السوري.
هذه التسهيلات لدخول اللبنانيين من حاضنة حزب الله إلى سوريا، والتي كانت بتوجيهات من بشار الأسد إلى محافظي دمشق وريف دمشق وحمص وحماة وطرطوس، قد تكون استكمالاً لمشروع التغيير الديموغرافي الذي بدأه النظام وإيران عندما هجّروا السوريين قسراً خلال سنوات الثورة السورية الماضية.
مخاوف من توطين نازحي لبنان في سوريا
قد يستغل النظام السوري حرب جنوب لبنان، ويقدم لعائلات حزب الله تسهيلات الإقامة في منازل المهجرين السوريين، من أجل توطينهم وتعزيز تواجد الحزب العسكري في سوريا لإكمال مشروع التغيير الديموغرافي، حسبما قال عضو الهيئة السياسية في الائتلاف الوطني السوري محمد سليم الخطيب في تصريح صحفي في 25 سبتمبر/أيلول الماضي، مضيفاً: “ما يفرض أمراً واقعاً جديداً يمنع اللاجئين السوريين من العودة في المستقبل، ويُعقد مسألة تطبيق القرارات الدولية الخاصة بالشأن السوري والوصول إلى حل سياسي وفقها”.
وفي سياق متصل، أعرب عدد من مهجّري حمص ودمشق وريفها لـ”حرية برس” عن مخاوفهم من خسارة أملاكهم التي تعتبر خاوية والكثير منها غير صالح للسكن، مع توافد اللبنانيين التابعين لحزب الله إلى المناطق المهجّر أصحابها والسكن في منازلهم والاستيلاء عليها أو شرائها عبر وسطاء.
وقالت الصيدلانية غادة حمدون المنحدرة من حمص لـ”حرية برس”: إنّ مهجّري حمص يتخوفون من أن يستولي النظام على ما تبقى من منازلهم الفارغة ويؤوي بها اللاجئين اللبنانيين بخطة ماكرة لتغيير ديمغرافي للمدينة، التي استقبل أهلها اللبنانيين في عام 2006 وفتحوا لهم بيوتهم مثلما استقبلوا قبلهم العراقيين والفلسطينيين.
اقرأ أيضاً: نازحون من جنوب لبنان يستولون على منازل مهجرين في حمص
بدوره الصحافي المهجر من منطقة السيدة زينب في دمشق، ضياء محمد، أشار إلى أنّ عملية الاستيلاء على منازل المهجرين في المنطقة قائمة من قبل حرب غزة لكن حرب لبنان حالياً ستزيد من وتيرة شراء المنازل للميليشيات العراقية واللبنانية والأفغانية، وتوزيع المنازل المصادرة من أصحابها المطلوبين للنظام، مضيفاً لـ”حرية برس” أنّ منطقة “علي الوحش” شهدت أكثر عمليات بيع ممتلكات لعناصر حزب الله عبر مكاتب عقارية، بالتالي عملية التغيير الديمغرافي مستمرة.
من جهتها، تنسيقية الحراك الثوري بدير الزور، أعلنت في بيان في 25 سبتمبر/أيلول الماضي رفض استقبال أي نازح من حاضنة حزب الله في سوريا، لأنّهم وقفوا إلى جانب القاتل بشار الأسد وساهموا في مأساة السوريين المستمرة، مؤكدة على أنّ أبواب السوريين ستظل مفتوحة لكل لبناني لم تتلطخ يداه بدماء الشعب السوري، ولم يشارك في أي انتهاك ضد اللاجئين السوريين في لبنان.
أخطار الهجرة العكسية في سوريا
قال المحامي اللبناني نبيل الحلبي، الرئيس التنفيذي لمنتدى الشرق الأوسط للسياسات، لـ”حرية برس”: إنّ أخطار الهجرة العكسية في سوريا تتثمل بـ “عدم إمكان النازحين من العودة إلى قراهم المدمرة في جنوب لبنان، وتثبيت استيطانهم في المناطق التي تحتلها الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران في سوريا، ما يؤدي إلى تثبيت الهندسة الديمغرافية”.
وأشار الحلبي إلى أنّ النازحين اللبنانيين إلى سوريا يتواجدون في مناطق سيطرة النظام ومناطق الميليشيات الإيرانية، وهم من بيئة حزب الله يستفيدون يومياً من مساعدات يقدمها الحزب لهم من خلال عائدات التجارات الممنوعة والاقتصاد الأسود الموازي الذي يديره، وبالتالي وضعهم المادي أفضل من اللاجئ السوري العائد، أو السوري المقيم في سوريا تحت ظروف اقتصادية ضاغطة.
من جهته، المحامي عبد الناصر حوشان، عضو هيئة القانونيين السوريين، حذّر من خطر احتمالية توطين النازحين من جنوب لبنان في سوريا، وذلك حسب الجرائم الواقعة على حقوق الملكية في سوريا والتي قال لـ”حرية برس” إنّه شارك في توثيقها مع لجنة التحقيق الدولية المستقلة الخاصة بسوريا.
ومن جملة إجراءات التغيير الديموغرافي في سوريا: “اتفاقيات الهدنة والتهجير إلى إدلب، عمليات الاستيلاء والنهب بالقوة على الأراضي والممتلكات، عمليات التنظيم العمراني ومشاريع التطوير العقاري، مشاريع إعادة تنظيم المدن والقرى التي تعرّضت للتدمير، قرارات الحجز والبيع بالمزاد العلني، تعديل قانون تملك الأجانب، تعديل قانون تملك الشركات الأجنبية”.
وأوضح حوشان أنّ هذه الإجراءات نتج عنها تملك الشركات والأفراد الأجانب عقارات في سوريا وفقاً لمخطط التغيير الديموغرافي في محافظات دمشق وريف دمشق، حمص، حماة، حلب، دير الزور، والرقة، حيث ينتشر نشاط الإيرانيين في عملية التشييع للسكان.
ويعتقد حوشان أنّ المناطق التي ستشهد توطين جماعة حزب الله هي مدينة القصير التي تجري فيها عمليات بيع لأراضي وعقارات للبنانيين، ثم مدينة حمص وبعض القرى في ريفها الغربي، ومنطقة جنوب دمشق التي تم الاستيلاء عليها من قبل الشركات ورجال الأعمال الشيعة اللبنانيين والإيرانيين عبر المرسوم رقم 66 لعام 2012 والقانون رقم 10 لعام 2012.
وتابع، ومراسيم إعادة تنظيم أحياء جوبر، القابون، برزة، جرمانا في دمشق، وتوسيع المخطط التنظيمي لبلدة السيدة زينب إلى جعلها مدينة، وتنظيم منطقة التضامن ومخيمي اليرموك وفلسطين جنوب دمشق. إضافة إلى مشاريع باسيليا سيتي والسكن البديل التي أصبح قسم كبير منها جاهزًا للسكن.
وأضاف حوشان أنّ مراحل التوطين التي تؤدي إلى التغيير الديموغرافي، تبدأ في مراكز الإيواء المعدة مسبقاً، ثم النقل إلى المساكن أو المخيمات، يتبعها الاندماج بالمجتمعات، والتزاوج، ثم التمكين من الحصول على البطاقة الشخصية القانونية، وهذا يتطلب التسجيل في السجلات الرسمية إما كمواطنين إذا كانوا لا يحملون وثائق رسمية تثبت جنسيتهم عديمي الجنسية أو مكتومي القيد، وإما بمنحهم المواطنة عبر تجنيسهم.
وما يتبعها من التملك العقاري سواء كمواطنين مجنسين أو كأجانب، والتجمع في مناطق بحيث يشكلون بؤر استيطانية، ثم تمكين هذه البؤر من التمدد من خلال شراء أحياء بكاملها أو الاستحواذ على قطاعات اقتصادية معينة، طرد السكان الأصليين، توفير الحماية القانونية لهم كأقليات عرقية أو دينية أو اثنية، حسب حوشان.
وسبق أن تم توطين العراقيين في دمشق وجرمانا والسيدة زينب، وبلغ عددهم وفق المحامي حوشان، أكثر من مليون شيعي في هذه المناطق نصفهم من شيعة إيران، ومثلهم في مناطق أخرى من المحافظات السورية، لدرجة أنّ الرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي طالب بحماية مليوني إيراني باعتبارهم جالية إيرانية في سوريا وأن وجودهم يمتد لأكثر من 200 سنة.
تسهيلات استقبال اللبنانيين دون السوريين
شملت تسهيلات النظام السوري لدخول الوافدين من لبنان، تأمين مراكز إيواء في معظم المحافظات السورية، وتوفير كل الخدمات اللوجستية والإغاثية والصحية والخدمية، بالإضافة إلى تأمين وسائط النقل اللازمة لنقل المهجرين من النقاط الحدودية إلى مراكز الإيواء والإقامة، بإشراف رئيس الوزراء محمد غازي الجلالي، وبقية الوزراء والمحافظين.
وذكر مصدر في الجمارك لـ”الوطن” في 7 الشهر الحالي، أنّه من أهم الإجراءات منح الوافدين اللبنانيين بطاقة دخول مؤقتة (بطاقة طوارئ) تسمح لهم بالإقامة في سوريا لمدة شهر على أن تجدد كل 15 يوماً، وذلك لعدم قدرة معظمهم الحصول على دفتر دخول من الجمارك اللبنانية الذي كان على المواطن اللبناني امتلاكه للدخول بموجبه للأراضي السورية لمدة 120 يوماً يجدد كل 15 يوماً، بحيث يحصل بموجبه على إعفاء من تسديد رسوم الدخول خلال هذه المدة.
في وقت، حكومة النظام لا تمنح السوريين التسهيلات التي تقدمها للبنانيين، فكل سوري مجبراً على تصريف 100 دولار أو ما يعادله بإحدى العملات الأجنبية التي يقبل بها مصرف سورية المركزي إلى الليرة السورية لدخول البلد، ما تسبب بعرقلة دخولهم.
وبعد أن أعلن رئيس الحكومة اللبناني نجيب ميقاتي في 29 سبتمبر/أيلول الماضي أنّه سيوجه الأمن العام اللبناني لمتابعة الموضوع مع وزارة الداخلية السورية، علّقت رئاسة مجلس الوزراء القرار رقم (46) م لعام 2020 وتعديلاته في المعابر مع لبنان لمدة أسبوع واحد، وفي 5 أكتوبر/ تشرين الأول الحالي، أعلنت رئاسة مجلس الوزراء تمديده إلى 15 الشهر الحالي، ثم تمديده حتى نهاية الشهر الحالي.
اقرأ أيضاً: أثناء عودتهم من لبنان.. نظام الأسد يعتقل 4 شبان من أبناء السويداء
وتشهد المعابر الستة الحدودية الرسمية بين سوريا ولبنان ازدحاماً للدخول إلى سوريا، وبحسب آخر إحصائية غير نهائية، نشرتها إذاعة شام إف أم التابعة للنظام فقد بلغ عدد الوافدين اللبنانيين 128.697 وافداً، على حين بلغ عدد العائدين السوريين 264.128 عائداً، منذ تصاعد غارات الاحتلال الإسرائيلي جنوب لبنان في 23 سبتمبر/أيلول الماضي إلى 16 أكتوبر/تشرين الأول الحالي.
وتبقى هذه المخاوف والتحذيرات من استكمال عملية التغيير الديمغرافي رهينة التطورات المتسارعة التي تشهدها سوريا، وسط تعدّد التحليلات السياسية عن علاقة بشار الأسد بإيران، واحتمالية توغل إسرائيلي لإخراج الميليشيات الإيرانية من البلاد.
عذراً التعليقات مغلقة