إذن وصلت إسرائيل إلى أمين عام “حزب الله” حسن نصرالله وقتلته. لم تحمه الأنفاق كما لم تفعل إيران، وكأنه زلزال ضرب بيروت فصوت الانفجار وقوته لم يكونا كالأصوات التي اعتدنا عليها مؤخرا. من أخبر الإسرائيليين عن وصول نصرالله إلى بيروت وعن مكان وموعد الاجتماع يبقى في إطار التكهنات. ولكن الرأي اليوم والذي كان مرفوضا في الشهور الأخيرة هو الاعتراف بأن إسرائيل اخترقت بيئة “حزب الله” حتى النخاع.
قد يكون الوقت غير ملائم للحديث عن أفعال حسن نصرالله وحزبه، لكن ذلك لا يعني أن تجبرنا “حرمة الموت” على المشاركة في حفلات التكاذب التي لم تؤد يوما لا إلى مصالحة ولا إلى سلم أهلي حقيقي وعيش مشترك.
المفترق الذي يعيشه اليوم “حزب الله” يعيش لبنان مفترقا أخطر منه، فحدث اغتيال نصرالله ليس حدثا عابرا، وخصوصا مع كل ما سبق ولحق ولا زال يلحق من عمليات استهداف لقيادات في الحزب ومستودعات ومخازن للأسلحة. فمهما كابر البعض فإن الضربات الإسرائيلية أضعفت “حزب الله” وبقوة.
اليوم يبدو لبنان وحيدا وبالإمكان القول إن حكومات لبنان هي من جعلت لبنان وحيدا، لا هي وقفت بوجه مغامرات “الحزب” الداخلية ولا ذهبت أبعد من إصدار البيانات رفضا لمغامرات “الحزب” الخارجية، بل حتى إن البعض ذهب أبعد من ذلك، فمن ينسى موقف وزير خارجية لبنان السابق جبران باسيل يوم استهدفت الميليشيات الإيرانية “أرامكو” والأراضي السعودية؟
قد يكون الوقت غير ملائم للحديث عن أفعال حسن نصرالله وحزبه، لكن ذلك لا يعني أن تجبرنا “حرمة الموت” على المشاركة في حفلات التكاذب
أكثر من مليون نازح لبناني. حكومة نجيب ميقاتي عاجزة وغائبة. لم يهرع العالم العربي والغربي لمساعدة لبنان كما كان يفعل سابقا. والمصارحة هي الأساس، لبنان يدفع اليوم ثمن سياسات ومواقف “حزب الله” لسنوات مع الدول العربية، ولكن رغم كل ذلك أمام لبنان فرصة اليوم. بل أمام بيئة “حزب الله” اليوم فرصة ذهبية، لكي تخرج من الصدمة ولكي تعي أنها جزء من اللبنانيين وأن الدولة وحدها هي القادرة على حمايتها، وأن المئة ألف صاروخ لم تحم طفلا واحدا، لم تحم حتى حسن نصرالله ورفاقه، وأن غزة بريئة من “معركة الإسناد” تلك، فـ”معركة الإسناد” لم تكن سوى ورقة ضغط في المفاوضات الإيرانية.
المطلوب اليوم من رئيس مجلس النواب نبيه بري أولا، ومن رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ثانيا، وبتأييد من جميع المسؤولين السياسيين، إعلان وقف إطلاق النار من جانب واحد والالتزام بتطبيق القرار 1701، وانتشار الجيش اللبناني على الحدود، كل الحدود، ومن ثم الدعوة إلى انتخاب رئيس للجمهورية.
المطلوب من بري مصارحة الشيعة أولا، وخصوصا جمهور “حزب الله”، ودعوتهم إلى العودة إلى لبنان، وأول شروط هذه العودة هو تسليم السلاح إلى الدولة، فالسلاح لم يحمهم بل خُزن تحت منازلهم وتسبب في قتل أطفالهم، وأتى بالويلات عليهم كما على لبنان.
فشلت طاولة الحوار في عام 2006 وكانت “حرب تموز” وما تلاها، وقد تكون الحرب اليوم مع بشاعتها فرصة للعودة إلى حوار صادق هذه المرة ينقذ لبنان واللبنانيين جميعا من حروب داخلية وخارجية، ويوقف نزف الدماء من أجل الآخرين، وأولهم دماء بيئة “حزب الله”، فلا “سوريا الأسد” ردت لهم “الجميل” ولا إيران حمتهم.
على الجميع أن يدرك أن مستقبل اللبنانيين يُصنع في بيروت، لا في طهران أو دمشق أو تل أبيب أو غزة، ولا في أي مكان آخر.
Sorry Comments are closed