من العراق إلى أفغانستان… أسئلة ملحة

عالية منصور21 أغسطس 2024آخر تحديث :
عالية منصور
عالية منصور

أعلنت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “اليونيسكو” أن نحو مليون و400 ألف فتاة في أفغانستان حُرمن من التعليم عمدا بعد ثلاث سنوات من سيطرة حركة طالبان على الحكم، والتي- وفق قوانينها- فإن الحد الأقصى للسن المسموح به للفتيات للالتحاق بالمدارس هو 12 عاما. ليصل بذلك عدد الفتيات المحرومات من التعليم في أفغانستان إلى 2.5 مليون فتاة، أي 80 في المئة من الفتيات الأفغانيات.

وللتذكير فإن طالبان أعلنت في أول مؤتمر صحافي لها بعد استيلائها على السلطة في أغسطس/آب 2021- أي في مثل هذه الأيام قبل 3 سنوات- أنها “ستسمح للنساء بالدراسة والعمل ضمن إطار عملنا. وستكون النساء فاعلات جدا في مجتمعنا”.

وعلى بُعد مئات الكيلومترات، وفي العراق تحديدا، يصر “الإطار التنسيقي”، وهو التسمية الرسمية للتحالف الحاكم، على تمرير قانون جديد بذريعة أنه ينظم أمورا تتعلق بالأحوال المدنية الخاصة بكل مذهب أو دين.

ومن المعلوم أنه ومنذ عام 1959 يُعمل في العراق بقانون أحوال شخصية يُطبق على جميع العراقيين دون تمييز مذهبي، بينما التعديلات المقترحة اليوم تسمح للمرجعيات الدينية العراقية، بدلا من القانون العراقي، بتنظيم شؤون الزواج والميراث على حساب الحقوق الأساسية. وعلى سبيل المثال، فحسب القانون الساري تم تحديد سن الزواج (ببلوغ 18 عاما) الأمر الذي جاء لوضع حد لعقود الزواج خارج أسوار المحاكم، في حين أن التعديلات المقترحة ستُعرّض شريحة كبيرة من الفتيات للزواج القسري في عمر مبكر.

وفي العراق، كما في أفغانستان، جاءت هذه الأنظمة الحاكمة إلى السلطة نتيجة “التحرر” من الاحتلال، وإسقاط نظام ديكتاتوري، وفي الحالتين يظن المرء أن الانتقال من الاستعمار إلى التحرر ومن الديكتاتورية إلى الديمقراطية سيحمل الخير والازدهار والفائدة للشعوب التي نالت حريتها، إلا أن هذا الظن ساذج أو حالم ولن أقول إنه آثم.

ويقول الرسام الإسباني الشهير بابلو بيكاسو: “إن أجهزة الكمبيوتر عديمة الفائدة، لأنها لا تقدم سوى الإجابات”، وهذا القول قبل الذكاء الاصطناعي بعقود، ولكن الأمر لم يتغير كثيرا من هذه الناحية، فالذكاء الاصطناعي مبرمج على إعطائنا إجابات مقنعة لأسئلتنا، بينما نحن اليوم بحاجة إلى طرح الأسئلة الجوهرية قبل الانتقال إلى الإجابات.

في العراق كما في أفغانستان، جاءت هذه الأنظمة الحاكمة إلى السلطة نتيجة “التحرر” من الاحتلال، وإسقاط نظام ديكتاتوري

هل يمكن القول إن استعمارا يعطي المواطنين جزءا من حقوقهم هو أفضل من سلطة وطنية تنتهك جميع الحقوق؟ وهل الديكتاتورية التي تضمن حقوقا أساسية لفئات من المجتمع أكثر قبولا من محاصصة طائفية مقنعة بالديمقراطية تنتهك حقوق الإنسان باسم الطوائف والمذاهب؟
وهل على المجتمعات أن تختار بين الحريات الفردية والشخصية وبين هامش من الحريات السياسة؟ هل علينا أن نختار بين حقنا في تعليم بناتنا أو حقنا في الانتخاب؟ وكيف إن كان من يصل إلى السلطة بعد نضال الشعوب هو من سيحرمك من حقك في التعليم ومن الانتخاب؟
الأجوبة ليست ببساطة هذا أفضل من ذلك وهذا أسوأ من ذاك، ولكنها أسئلة يجب طرحها بعيدا عن تبريرات أن لحركة طالبان الحق في منع الفتيات من التعليم، وأن للبرلمان العراقي المنتخب الحق في تشريع زواج القاصرات حفاظا على المجتمع واحتراما للتنوع المذهبي. ما يجب أن لا يكون مطروحا هو أن نكون أمام خيارين سيئين، إما الاحتلال والديكتاتورية وإما الانقسام والتقسيم والظلام.
احتلال داخلي بدلا من احتلال خارجي ليس تحررا من الاحتلال، وديكتاتورية الطوائف ورجال الدين بدلا من ديكتاتورية الزعيم ليست هي الديمقراطية، ولكن كيف ننتقل إلى الدولة الوطنية العادلة التي تضمن حقوق الجميع، رجالا ونساء وأطفالا، حقوقهم الفردية لا السياسية فحسب، هذا هو جوهر القضية، وهذا ما يجب على العقل البشري أن يجد الإجابات عليه.

المصدر المجلة
التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل