تذخر مواقع التواصل الاجتماعي اليوم بمنشورات وفيديوهات محفزة لزيارة سوريا سواء من المؤثرين، أو من المشاهير الذين عادوا لإحياء حفلاتهم في المواقع السياحية أو من مقدمي البرامج المنوعة في الإعلام العربي.
الأوضاع المستقرة التي تتحدث عنها مقاطع الفيديو المنتشرة في وسائل التواصل الاجتماعي اليوم ترافقها مشاهد فاتنة وساحرة في دمشق وفي بقية المناطق السياحية في سوريا، وهي مناطق كانت آمنة بالفعل إلى حد كبير حتى في أثناء الحرب التي شنها النظام على معارضيه.
مشاهد تدعو السّياح إلى زيارة البلاد مبينة أن الأمور عادت إلى طبيعتها، لتحصد تفاعلاً كبيراً لدى الرأي العام العربي، وهو ما استفاد منه المشاركون في حملات الكراهية ضد اللاجئين السوريين في منافيهم، لكنها تغفل في الوقت عينه تصوير مشاهد في المناطق المنكوبة التي تعرضت للإبادة الكاملة جوّاً، وتتجاهل الحديث عن الأوضاع الاقتصادية والخدمية المزرية التي يضطر المواطنون السوريون إلى تحملها.
هناك جهود متزايدة للترويج لعودة استقرار سوريا وسياحتها، إذ يسعى النظام السوري بمساعدة الأطراف المحلية والدولية لإعادة جذب السياح وإعادة بناء صورة إيجابية عن البلاد، عن طريق تنظيم فعاليات ثقافية ومهرجانات فنية في المدن التاريخية مثل دمشق وحلب وتدمر بهدف إظهار الحياة الطبيعية والثقافة الغنية في سوريا، ما يجذب الزوار ويعيد الاهتمام بالمواقع الأثرية، يحدث ذلك باستخدام وسائل الإعلام المحلية والدولية التي تسلط الضوء على التحسن الأمني والاقتصادي في البلاد، كذلك تنتج محطات التلفزة تقارير وبرامج وثائقية تُظهر الاستقرار النسبي وجهود إعادة الإعمار، وترميم وإعادة تأهيل المواقع الأثرية التي تضررت خلال النزاع، مثل تدمر وقلعة حلب، لجذب الزوار المهتمين بالتاريخ والثقافة بعد أن اقتصرت فيها السياحة بعد الثورة السورية وما تلاها من أحداث عنف في سوريا على السياحة الدينية لفئات اجتماعية معينة.
جهود مكثفة تهدف مجتمعة إلى إعادة بناء صورة سوريا كوجهة سياحية، ومع ذلك، فإن نجاح هذه الجهود يعتمد بشكل كبير على استمرار (الاستقرار الأمني والسياسي في البلاد)، كونه لا تزال هناك مناطق تشهد نزاعات مسلحة بين الأطراف الدولية التي تورطت عدة دول بشكل مباشر في النزاع السوري، مع الأخذ بعين الاعتبار أن النزاع أدى إلى أزمة إنسانية كبيرة، مع وجود ملايين النازحين داخلياً واللاجئين في الدول المجاورة وأوروبا علاوة على تعرض المدن والبنية التحتية للدمار.
لا شك أن بعض المناطق تحت سيطرة حكومة النظام السوري قد عادت إلى حالة من الاستقرار النسبي، لكن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية فيها لا تزال صعبة، بالإضافة إلى تضرر الاقتصاد بشدة نتيجة الحرب والعقوبات الاقتصادية، ما أثر على حياة الناس بشكل كبير، وجعل الوضع الإنساني والأمني في سوريا معقداً ومرتبطاً بشكل كبير بالتطورات السياسية والعسكرية المحلية والإقليمية والدولية.
يدفع الاتحاد الأوروبي اليوم والدول الحليفة للنظام السوري بقوة وثقل إلى رفع بعض العقوبات الدولية عن النظام، لنرى أن بعضها قد بدأت يتخفف جزئياً أو بشكل غير رسمي، وهو ما أتاح لقطاع السياحة هامشاً من الحركة لتطوير خدماته وجذب الزوار.
وعلى الرغم من هذه التحسينات، فإن قطاع السياحة في سوريا لا يزال يواجه تحديات كبيرة، بما في ذلك البنية التحتية المتضررة، واستمرار بعض مناطق النزاع، والصورة السلبية عن البلاد في الإعلام الدولي، وهو ما يؤكد أن عملية التعافي الكامل للسياحة ستحتاج إلى مزيد من الوقت والجهود لتحقيق استقرار شامل وتحسين الظروف الاقتصادية.
القضية التي تسبب إشكالاً هنا أن احتمالات ترابط ملف السياحة مع ملف اللاجئين في سوريا تثير جوانب معقدة ومتشابكة، نظراً لأن كلا الملفين مرتبطان بالوضع الأمني والسياسي والاقتصادي في البلاد، فعلى ما يبدو أنه إذا تحسنت الأوضاع الأمنية في سوريا بشكل كبير، فإن هذا سيستخدم ورقة ضغط لإجبار اللاجئين على العودة إلى بلادهم.
وهو ما قد يحفز الدول والمنظمات التي تعمل على ملف اللاجئين أن تستثمر في قطاع السياحة كجزء من جهود إعادة الإعمار والتنمية الاقتصادية، بهدف تسريع عودة اللاجئين من أجل تخفيف العبء المالي وخفض الاحتقان الشعبي في الدول المضيفة.
يعمل الإعلام العربي والمحلي السوري أيضاً لتغيير الصورة الإعلامية للبلاد عن طريق تحسينها في الإعلام الدولي، لرسم صورة أكثر إيجابية قد تشجع السياح على الزيارة وتزيد من استعداد اللاجئين للعودة إلى وطنهم.
وعلى أن عودة اللاجئين هي مطلب محق من اللاجئين أنفسهم، لكن من غير الإنساني استخدام تجميل الوضع في سوريا لتحقيق أهداف سياسية على أنه ورقة من أجل الضغط عليهم لتحقيق مآرب سياسية لا يستفيد منها اللاجئ نفسه، ولا يمكن أن تنعكس إيجاباً على أوضاعه أو من الممكن أن تشكل خطراً على حياته في حال عودته إلى المعابر الحدودية لتكون الأجهزة الأمنية في استقباله أو لتجعله مرغماً على مواءمة ظروف تعيسة ووضع اقتصادي مزرٍ.
وعلى ذلك فإن الترويج لاستقرار سوريا قد يؤدي إلى زيادة الضغوط على اللاجئين في الدول المضيفة للعودة، حتى لو لم تكن الظروف في سوريا قد تحسنت بشكل كافٍ لضمان عودتهم الآمنة والكريمة، وهو أمر قد تستغله حملات الكراهية المتنامية ضد اللاجئين في بعض الدول، كذريعة لتبرير السياسات الصارمة ضدهم، مما يزيد من التمييز والعنف تجاههم.
إن التركيز على الترويج للسياحة والاستقرار قد يتجاهل معالجة الجذور العميقة للأزمة الإنسانية والسياسية في سوريا، مما قد يؤدي إلى استمرار التوترات والصعوبات التي تواجه اللاجئين.
لقد تزايدت حملات الترويج للسياحة في الآونة الأخيرة منذ بدأ مشاهير التواصل الاجتماعي الترويج لزيارة سوريا، داعين الناس إلى عدم تصديق الشائعات التي تتناول سوء أوضاع البلاد محاولين دعم روايات الدول المستفيدة من إنهاء أزمة اللاجئين بتغيير الصورة السابقة عن سوريا بأنها بلد غير آمن، وليس من قبيل المصادفة بالطبع أن يترافق ذلك مع حملات متفرقة للضغط على اللاجئين في منافيهم للعودة إلى بلدهم.
لقد ساهم الإعلام العالمي والعربي في حقيقة الأمر في دعم فرضية الحرب على الإرهاب في سوريا، بشكل أو بآخر وكان شريكاً في تشكيل وجهة النظر والرأي العام في الشارع العربي التي تتبنى فكرة أن سوريا تتخبط في حرب أهلية، وأن النظام استبسل في حربه على الإرهاب وأنه اجتهد ليعيد الحياة في سوريا إلى طبيعتها ويمنح مواطنيها الاستقرار والأمان، وأن السوريين في نهاية المطاف لا يستحقون اللجوء ومن واجبهم العودة إلى بلادهم والمساهمة في تعافيها لا التخلي عنها والتلذذ بنعم العيش في الخارج.
إن تلك المعطيات مجتمعة قد تؤدي بالضرورة إلى تعجيل حلّ العقدة السورية من دون إنهائها تماماً، وهو إن أفاد أطرافاً معينة إلا أنه من الواضح أنه لا يأخذ أوضاع اللجوء بعين الاعتبار وأن المقصد الأصلي هو إغلاق ملف اللاجئين الذي يقض مضجع المجتمع الدولي من جهة وتلميع النظام السوري القائم وتجميله من جهة أخرى، فيُصار إلى تجاهل حقيقة القضية السورية وتناسي مجريات الأحداث القائمة والسنوات الفائتة، وهو ما يبين أن المجتمع الدولي بصدد خلق مستنقع جديد في المنطقة بإبقاء الحال على ما هو عليه سياسياً، في غياب حلّ وجذري يحقق أهداف السوريين الذين خرجوا في بداية الثورة.
Sorry Comments are closed