ألغت ما تُعرف بـ”الإدارة الذاتية” التي تعتبر الواجهة الإدارية لمليشيا قوات سوريا الديمقراطية (قسد) المسيطرة على شمال شرق سوريا، الانتخابات المحلية التي كان يُتوقع إجراؤها في أغسطس/آب المقبل.
وسبق أن حددت الإدارة الموعد الأوّلي للانتخابات المحلية في 11 يونيو/حزيران الماضي، قبل أن تقوم بتأجيلها إلى موعدها الجديد في أغسطس/آب المقبل، حيث جاء إعلان الموعد الأولي بعد إصدار قانون “التقسيمات الإدارية”، والذي اعتبر شمال شرق سوريا إقليما إداريا واحدا يضم 8 مقاطعات، وهي الجزيرة ودير الزور والرقة والفرات ومنبج وعفرين والشهباء والطبقة.
وأثار الإعلان عن الانتخابات ردود فعل تركية غاضبة، وساهم في عودة الاتصالات بين الجانبين التركي والروسي بخصوص سوريا لمواجهة هذا التطور.
دوافع الإجراء
علمت الجزيرة نت من مصادر مطلعة في “الإدارة الذاتية” أنها توجهت لإجراء الانتخابات لأسباب عدة، أبرزها البحث عن الشرعية من خلال تقديم هيكل إداري منتخب من السكان المحليين، وتسويقه للمجتمع الدولي من خلال مجموعات الضغط الكردية المنتشرة في عواصم غربية عدة، أبرزها باريس.
وبحسب المصادر نفسها، فإن الدافع الثاني يتمثل في المناورة على المطالب الأميركية المستمرة بإجراء إصلاحات وتحسين واقع الحوكمة شمال شرق سوريا، نظرا لكثرة الاحتجاجات الشعبية ضد قوات سوريا الديمقراطية وواجهتها الإدارية في السنوات الأخيرة، خاصة من قبل المكون العربي الذي يشعر بأنه مهمش في المنطقة.
ويرى الباحث السوري سامر الأحمد المتخصص في شؤون شمال شرق سوريا أن قوات سوريا الديمقراطية باتت تشعر بفقدانها الشرعية، وهي التي كانت نابعة من قتالها تنظيم الدولة الإسلامية تحت ظل التحالف الدولي بعد أن خسر التنظيم آخر معاقله في دير الزور أواخر عام 2019 لصالح “قسد”، ولم تعد موجودة منه سوى خلايا.
وأكد الأحمد في حديثه للجزيرة نت أن الانتفاضة العشائرية التي حصلت في دير الزور في سبتمبر/أيلول 2023 سلطت الضوء على المنطقة، ووضعت “قسد” أمام ضغوط من أجل القيام بإصلاحات إدارية، لكنها اختارت فيما يبدو إجراء انتخابات محلية بدلا من تمكين أبناء المحافظة التي تعتمد القوات على مواردها من نفط ومحاصيل زراعية، لكنها تقصي أبناءها عن إدارة المنطقة.
ويعتقد الباحث السوري أن قوات سوريا الديمقراطية من خلال إعلان التقسيمات الإدارية والعقد الاجتماعي واستخدامها مصطلح “أبناء وبنات وشعوب شمال شرقي سوريا” سعت إلى تجنب المطالب بإجراء إصلاحات في المنطقة، مثل:
- رفع يد كوادر حزب العمال الكردستاني عن المنطقة.
- إصلاح المجالس المحلية والعسكرية.
- إطلاق سراح المعتقلين السياسيين.
- تمكين أبناء المناطق في الإدارة.
كما أن فكرة الانتخابات هدفها الهروب من إصلاح الوضع، خاصة في دير الزور التي شهدت انتفاضة شعبية، حسب ما يرى الباحث.
أسباب الإلغاء
وأكدت مصادر من شمال شرق سوريا للجزيرة نت أن أغلبية المكونات في المنطقة -خاصة العشائر العربية- رفضت فكرة إجراء الانتخابات “لأن لديها اعتقادا بعدم جدواها نظرا لأنها ستكون أقرب إلى التعيينات وليست انتخابات حقيقية”.
كما ذكرت أن قانون الانتخابات الذي أصدرته “الإدارة الذاتية” وإعداد القوائم مسبقا يتيحان للمكون الكردي السيطرة على البلديات، بما فيها الموجودة في المناطق التي يغلب عليها المكون العربي.
وبحسب السياسي السوري عبادة القادري الذي لديه اتصالات مع وزارة الخارجية الأميركية ويزور واشنطن باستمرار، فقد لعبت التهديدات التركية بتنفيذ عملية عسكرية شمال شرق سوريا دورا كبيرا في تأجيل الانتخابات.
ويضيف القادري أن أنقرة “استعانت بحليفتها أربيل، والتي وجهت رسالة حاسمة إلى قوات سوريا الديمقراطية تهدد فيها بإغلاق معبر سيمالكا الذي يربط بين كردستان العراق وشمال شرق سوريا في حال المضي قدما بالانتخابات”.
وأكد أن الولايات المتحدة لا تستطيع الإعلان عن دعم الانتخابات “لأنها في حال دعمتها ستسقط روايتها التي تؤكد من خلالها أن مهمتها في سوريا هي محاربة تنظيم الدولة فقط، وستكون أمام ضغوط أكبر، خاصة من الجانب التركي”، كما أن اعتراف واشنطن بانتخابات “قسد” سيفتح الباب أمام شرعنة انتخابات في مناطق أخرى، بما فيها تلك الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية.
الضغط التركي
علمت الجزيرة نت من وفد المعارضة السورية إلى مباحثات أستانا أن الجانب التركي يجري محادثات مع روسيا لتحديد موعد جولة جديدة من المباحثات التي تتم برعاية أنقرة وموسكو وطهران، لكن لم يتم تحديد الموعد الدقيق حتى اللحظة.
وستخصص هذه الجولة لنقاش الوضع في إدلب وشمال شرق سوريا، واستبعد الوفد أن تكون أنقرة قد صرفت النظر عن العملية العسكرية ضد قوات سوريا الديمقراطية حتى في ظل إلغاء الانتخابات المحلية.
وكان وزير الخارجية التركي هاكان فيدان أكد في تصريحات له في 24 يوليو/تموز الجاري ضرورة محاربة حزب العمال الكردستاني الذي تصنفه أنقرة تنظيما إرهابيا “من أجل إعادة مصادر الطاقة والنفط للشعب السوري، وتحرير المناطق المغتصبة من قبله، خاصة العربية”.
ورأى الباحث قتيبة إدلبي العضو ضمن برنامج الشرق الأوسط التابع للمجلس الأطلسي أن إلغاء الانتخابات البلدية شمال شرق سوريا أجّل العملية العسكرية التركية ولم يلغها، مؤكدا أن إلغاء الانتخابات حصل بسبب ضغط أميركي على قوات سوريا الديمقراطية.
ورجح إدلبي في تصريحات للجزيرة نت أن “الجانب التركي يسعى إلى تفاهم مع روسيا من أجل توفير الأرضية الملائمة لتنفيذ عمليات عسكرية شمال شرق سوريا، في ظل غياب التفاهم مع الولايات المتحدة بهذا الخصوص”.
ولم يبد الباحث السوري الكثير من التفاؤل حيال النتائج التي يمكن أن تتمخض عن جولة المباحثات التركية الأميركية المرتقبة في سبتمبر/أيلول المقبل، إذ إن الإدارة الأميركية الحالية في أشهرها الأخيرة، ولذا لن تتجه لاتخاذ قرارات إستراتيجية.
كما أشار إلى صعوبة التكهن بالسياسة التي ستتخذها الإدارة الأميركية القادمة بعد الانتخابات الرئاسية المقررة في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل حتى وإن عاد الرئيس السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، مبينا أن الموضوع مرتبط بالمسؤول الذي سيتم تكليفه بملف الشرق الأوسط، وهو غير معروف حتى الآن.
Sorry Comments are closed