فضّت هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً)، وهي سلطة الأمر الواقع في شمال غربي سورية، أمس الثلاثاء، اعتصاماً سلمياً في مدينة إدلب بالقوة، في مشهد عزّز استياء الشارع السوري المعارض على تجاوزات وسياسة “تحرير الشام”، التي تواجه حراكاً شعبياً منذ أشهر عدة، وبدأت بالتلويح باستخدام العنف لمحاصرته.
“ما حدث أمس (الثلاثاء) من اقتحام لخيمة الاعتصام في إدلب وضرب المعتصمين بالعصي والسكاكين، يُذكرنا بما كان النظام السوري يقوم به في عام 2011″، هذا ما يقوله محمد عساف، وهو أحد ناشطي الحراك في شمال غربي سورية، في حديث مع “العربي الجديد”. ويتابع: “حراكنا سلمي بالكامل وشعبي بامتياز، ولا ينتمي إلى أي تيار سياسي، ونحن مستمرون في الحراك حتى نصل إلى مبتغانا وتحقيق مطالبنا والقيام بخطوات إصلاحية واضحة في شمال شرقي سورية”.
هيئة تحرير الشام تفضّ خيمة اعتصام بإدلب
وفضّ عناصر من إدارة الأمن العام في وزارة الداخلية التابعة لحكومة الإنقاذ، الذراع الإدارية لهيئة تحرير الشام، الثلاثاء، اعتصاماً أمام المحكمة العسكرية، وسط مدينة إدلب، للمطالبة بالإفراج عن معتقلين في سجون الهيئة. وأكد عدد ممن كانوا في الاعتصام أن قوة كبيرة من عناصر “الأمن العام” اقتحمت خيمة الاعتصام، وحطّمت محتوياتها ثم هدمتها بالكامل. ونشر ناشطون مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي، تظهر قيام ملثمين تابعين لهيئة تحرير الشام بضرب المعتصمين بطريقة وصفوها بـ”الوحشية”، ما أدى الى إصابة عدد منهم بجروح.
الناشط محمد عساف: نحن مستمرون في الحراك حتى تحقيق مطالبنا والقيام بخطوات إصلاحية واضحة
من جهتها، زعمت وزارة الداخلية في حكومة الإنقاذ أن المعتصمين اعتدوا على وجهاء جاؤوا لإقناعهم بفضّ الاعتصام لأنه تسبب بقطع الطرق العامة، ما دفع جهاز الأمن العام للتدخل. وهدّد وزير الداخلية في حكومة الإنقاذ محمد عبد الرحمن المتظاهرين، في تسجيل مصور، بـ”الضرب بيد من حديد على كل يد تريد العبث بأمن وأمان المحرّر وجرّه إلى الفتنة”، وزعم أن حكومة الإنقاذ تجاوبت مع مطالب الحراك الشعبي في شمال غربي سورية، وشرعت في “إصلاحات”، متهماً فئة في محافظة إدلب بمحاولة هدم المؤسسات وزعزعة الأمن.
وذكرت مصادر محلية لـ”العربي الجديد”، أن هيئة تحرير الشام نشرت حواجز أمنية وعسكرية على مداخل أبرز المدن والبلدات في محافظة إدلب بحجة “حماية المؤسسات وضبط الأمن”، مشيرة إلى أن الجهاز الأمني التابع للهيئة بحالة “استنفار” وخصوصاً في مدينة إدلب، مركز المحافظة، وعلى المداخل الرئيسية، موضحة أن الأنباء عن نيّة هيئة تحرير الشام القيام بحملة اعتقالات واسعة “غير مؤكدة حتى اللحظة”.
وكان الحراك الشعبي ضد هيئة تحرير الشام قد بدأ في فبراير/شباط الماضي، على خلفية اعتقالات واسعة قام بها الجهاز الأمني في الهيئة، وتعرض المعتقلين لتعذيب أفضى إلى موت البعض منهم. وسرعان ما تحول الحراك إلى تظاهرات حاشدة طالبت بإسقاط زعيم هيئة تحرير الشام أبو محمد الجولاني، الذي سارع إلى عقد اجتماعات مع الفعاليات المدنية والشعبية لمحاصرة الحراك وامتصاص النقمة ضده وضد هيئته. ووعد الجولاني بـ”إعادة تشكيل جهاز الأمن العام ضمن وزارة الداخلية في حكومة الإنقاذ السورية، والدعوة إلى انتخابات مجلس الشورى العام في المناطق المحررة، وإعادة النظر في القانون الانتخابي، وتوسيع تمثيل الأهالي والشرائح والفعاليات، وتعزيز الدور الرقابي لمؤسسة الشورى لتحقيق ضبط وكفاءة ونزاهة المؤسسات التنفيذية العاملة على الأرض”. ولكن عدداً كبيراً من أبناء محافظة إدلب وجدوا أن هذه الوعود ما هي إلا محاولة للالتفاف على مطالبهم بتحقيق إصلاح حقيقي يبدأ بإزاحة الجولاني عن السلطة.
ويُحمّل المتظاهرون الجولاني مسؤولية تجاوزات الجهاز الأمني الذي “ينتهج نهج أجهزة النظام الأمنية في التعامل مع السوريين”، وفق باحث مقيم في الشمال السوري فضّل عدم ذكر اسمه. وأشار الباحث في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أن “هيئة تحرير الشام أولت الاهتمام لملفين فقط، وهما: الأمني والاقتصادي، وأهملت باقي الملفات من تعليم وطبابة ورياضة وغيره”، مضيفاً أنها “اتبعت سياسة الاحتكار والتفرد بالقرار، وهو ما أدى إلى تعميق الأزمات في منطقة تعج بالنازحين، ودفع الناس إلى التظاهر في الشوارع”، وبيّن أن هيئة تحرير الشام “تلجأ إلى ترهيب الناس من خلال التلويح بورقة الفلتان الأمني وتنظيم داعش، لدفعهم للعودة إلى بيوتهم”، مضيفاً أنه “في المقابل، هناك تيارات سياسية متطرفة حاولت ركوب موجة الاستياء الشعبي، نكاية بهيئة تحرير الشام ومناكفة لها”.
باسل معراوي: فضّ الاعتصام وإرسال الشبيحة إلى التظاهرات، محاولة من الجولاني لجسّ النبض قبيل اللجوء إلى القسوة
هل يبدأ العد العكسي لنهاية الجولاني؟
وفي السياق، أعرب الناشط السياسي باسل معراوي، المقيم في الشمال السوري، عن اعتقاده بأن الجولاني “سيلجأ إلى العنف للقضاء على الحراك الشعبي ضده”، مضيفاً في حديث لـ”العربي الجديد”، أن الأخير “استنفد كل محاولاته لإرضاء المعارضين له في شمال غربي سورية، وخصوصاً أولئك الذين تعرضوا للاعتقال وتبيّن لاحقاً أن أسباب اعتقالهم وتعذيبهم واهية”، ورأى أن وصول الحراك إلى مرحلة الاعتصامات “حاسم في مسيرته”، مضيفاً أن “الجولاني يدرك أن الجهات الإقليمية والدولية تراقب سلوكه تجاه هذا الحراك”. وبرأي معراوي، فإن “فضّ الاعتصام وإرسال شبيحته إلى التظاهرات، ما هي إلا محاولات لجسّ النبض قبيل اللجوء إلى القسوة، لأنه لا ينوي تحقيق الإصلاحات وليست لديه رؤى واضحة في هذا الصدد”، وأشار إلى أن مستوى القسوة “يتوقف على ردّ فعل الشارع والجانب التركي وفصائل المعارضة السورية المنضوية في الجبهة الوطنية للتحرير، والموجودة في شمال غرب سورية”، وباعتقاده، فإن العد العكسي لنهاية الجولاني والدخول في مرحلة اللاعودة يبدأ مع استخدام العنف المفرط تجاه الحراك الشعبي ضده.
ولكن الناشط السياسي محمد أبو النصر اعتبر في حديث مع “العربي الجديد”، أنه يجب على الحراك الثوري “وضع مطالب محدّدة ومنطقية تناسب الواقع واختيار ممثلين واعين للتفاوض مع السلطة على جدول زمني لتنفيذها”، مضيفاً أن “تسعير التحدي هو السبيل الأقصر لتفويت فرصة تحقيق الإصلاحات، ويفتح الباب أمام تدخل أطراف خارجية تضر بالجميع”.
وتسيطر هيئة تحرير الشام على الشمال الغربي من سورية منذ عام 2017 بعد تحييد وإقصاء فصائل المعارضة السورية في محافظة إدلب ومحيطها بالقوة، ما سمح بالسيطرة على المعابر وخصوصاً معبر باب الهوى، منفذ الشمال الغربي من سورية، الوحيد مع العالم، والذي منه تدخل المساعدات الدولية لملايين السوريين في شمال البلاد. ولطالما حاولت هيئة تحرير الشام طرح نفسها كجزء من الحل في سورية، من خلال القضاء أو تحييد تنظيمات أكثر تشدداً، وفي المقدمة تنظيم حراس الدين، ومن خلال التعاون مع الجانب التركي لتطبيق تفاهمات مسار أستانة وخصوصاً لجهة إرساء وقف لإطلاق النار مع قوات النظام والمليشيات الإيرانية والسماح لأنقرة بنشر آلاف الجنود في عموم محافظة إدلب. وطيلة سنوات الصراع في سورية، كانت هيئة تحرير الشام لاعباً عسكرياً مهماً في مجريات هذا الصراع في أغلب الجغرافية السورية، لكنها في الوقت نفسه كانت ذريعة جاهزة للنظام وداعميه، روسيا وإيران، لوأد الثورة السورية تحت ذريعة “محاربة الإرهاب”.
Sorry Comments are closed