تعيش منطقة الشرق الأوسط والعالم حالة من الترقب والحذر بانتظار عملية الانتقام الإسرائيلية ضد إيران، حيث يتساءل الجميع عن كيفية الرد المنتظر، وانقسمت دول العالم بين مؤيد ومحذر من الرد وتجنب التصعيد.
بذلك يمكن القول إن الضربة الإيرانية كانت أهم حدث في العالم هذا الأسبوع مساء 13 أبريل، وبقي الشاغل الأكبر هو الرد الإسرائيلي المنتظر.
جميع التصريحات التي تخرج من إسرائيل تؤكد أنها سوف ترد وإن تأخر الرد إلى حين، وكبار المسؤولين حتى من خارج إسرائيل يؤكدون على أن إسرائيل عازمة على الرد، حيث صرّح وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون: “من الواضح أن الإسرائيليين اتخذوا قرارهم بالرد على إيران، نأمل بأن ينفذوا ذلك بطريقة لا تؤدي إلى التصعيد”.
آلية الرد الإسرائيلي:
يبدو أن قرار إسرائيل بالرد على الهجوم الإيراني وارد بقوة ولكن السؤال هو كيف سترد إسرائيل؟
جميع الصحف العالمية تناولت هذا الموضوع، ومنها صحيفة وول ستريت جورنال التي كتبت تقريرا مطولاً بعنوان (التحرك القادم لإسرائيل ينطوي على حسابات معقدة)، والتقرير يؤكد على حسابات إسرائيل الصعبة قبل اتخاذ قرار الرد على إيران، فهي من ناحية تقاتل على ثلاث جبهات في غزة ضد حماس وهذه الحرب بعد مرور أكتر من نصف سنة على اندلاعها لم تصل إلى ذروتها التي هي دخول رفح، وتقاتل على حدودها الشمالية مع حزب الله وهي حرب قد تتصاعد وتيرتها، فضلاً عن قيام إسرائيل بعمليات عسكرية وأمنية في الضفة الغربية وبهذا تكون الجبهة الثالثة.
جميع هذه الجبهات مع مواجهة إيران ليس أمراً سهلا وخصوصاً مع إصرار حلفاء إسرائيل في الغرب وعلى رأسهم أمريكا ألا يتسبب ردها بإشعال حرب إقليمية وهذا ما لا ترغب به الإدارة الأمريكية التي ترفض التورط في حرب طويلة مع إيران قبل الانتخابات الرئاسية الامريكية.
بدورها أدركت إسرائيل ذلك بوضوح وبالدليل العلمي مع احتياجها إلى حلفائها ليلة 13 أبريل ومساعدتهم لها في صد الصواريخ والمسيرات الإيرانية، وتتمنى استمرار هذا التحالف حولها، البعض في إسرائيل يدعو إلى استغلال فرصة التفاف عدد من دول العالم الكبرى ودول المنطقة للدفاع عنها وخصوصاً أن هذه الخطوة جاءت بعد شعور إسرائيل بالعزلة الدولية لتأسيس تحالف إسرائيلي غربي “سني” ضد إيران.
الأمر الآخر الذي يربك حسابات تل أبيب، هو الخوف من رد إيران، فهي لم تتوقع أن إيران سوف ترد بنفسها، ولكن إيران بعدما ردت على إسرائيل أعلنت على لسان أكثر من مسؤول أنها سترد من الأراضي الإيرانية، وليس كما جرت العادة من خلال وكلائها كالحوثي وحزب الله، مثلا رئيس الحرس الثوري الجنرال حسين سلّامي قال” لقد قررنا إنشاء معادلة جديدة وهي كالتالي، من الآن وصاعداً إذا هاجمت إسرائيل مصالحنا فسنهاجم بالمثل من الأراضي الإيرانية”.
في العمق، يظهر نتنياهو مضطرًا للرد ليس فقط لأن من مصلحته إطالة أمد الصراع أملاً في النجاة من تهديدات الخروج من السلطة في انتخابات مبكرة محتملة وبالتالي دخوله السجن بسبب التهم التي تلاحقه، فهو مضطر للرد لأنه واقع تحت ضغط شديد من جهات مختلفة في إسرائيل على رأسهم أنصاره في اليمين المتطرف الذي يريد رداً عنيفاً على إيران وسحق حزب الله واقتحام رفح بأي ثمن، إيتمار بن غفير وزير الأمن الإسرائيلي أحد أبرز أصوات هذا اليمين وقال يوم الأحد الماضي “لكي تحقق الردع في الشرق الأوسط يجب على إسرائيل أن تتصرف بجنون”.
● تكتيك نتنياهو المحتمل
نتنياهو الذي ربما يبرر تأخير الرد على إيران يتوجه إلى عملية كبيرة في مدينة رفح ليقول ها أنا مشغول في رفح وتصفية حماس بغزة وربما أيضا يدفعه إلى التصعيد مع حزب الله وأنه يقاتل على جبهتين ثم التوجه لقتال إيران.
والحل الأرجح هو لجوء نتنياهو لحرب الظل المتمثلة بعملية كبيرة داخل إيران، ضرب موقع عسكري أو عملية تخريبية أو هجوم سيبراني أو اغتيال شخصية كبيرة، لكن دول أن تتبنى وتعلن مسؤوليتها عن أحد هذه الأعمال كما جرت العادة والعرف بين الطرفين منذ سنوات ولكن الجميع يعرف أن الفاعل هو إسرائيل.
السؤال الكبير الآن ماذا ستفعل إسرائيل؟
من الواضح أن إيران تريد أن تعود الأمور إلى حرب الظل بينها وبين إسرائيل، وفي هذه الحرب كانت هناك قواعد بأن تشن إيران هجوم على إسرائيل من خلال وكلائها وترد إسرائيل على هؤلاء الوكلاء أو بعملية تخريبية داخل إيران، وأمريكا تريد أن تهدأ الأمور، فالبيت الأبيض لا يحتاج إلى حرب أوسع نطاقاً في الشرق الأوسط خاصةً أن إيران تستطيع إغلاق مضيق باب السلام في الخليج العربي، ما يؤدي إلى تعطيل وصول شحنات النفط إلى الكثير من دول العالم وذلك يؤدي إلى ارتفاع في الأسعار وتضخم جديد كما أنه لا يصب في مصلحة بايدن قبيل الانتخابات الأمريكية.
احتمالات الرد الإسرائيلي وانعكاساته
أولها أن إسرائيل لن تفعل شيئاً وأن تكتفي بالأخذ بالنصيحة الأمريكية بأنهم انتصروا عندما اسقطوا 99% من الصواريخ والمسيرات الإيرانية، أما ثانيها فالعودة إلى الوضع السابق بين الطرفين وهو “حرب الظل” فعدم فعل شيء أو العودة لحرب الظل يسمح لإسرائيل بالتركيز على الحرب في غزة واستعادة الأسرى ويمنع نشوب حرب أوسع نطاقاً بكل ما تتطلبه هذه الحرب من تكاليف اقتصادية وعسكرية وبشرية.. وهذان الاحتمالان يرضيان أمريكا التي لا تريد تفجيرا في المنطقة، لكن لجوء إسرائيل إلى هذين الاحتمالين يؤدي إلى إعفاء إيران من دفع مقابل الهجوم على إسرائيل وينال من هيبتها.
الاحتمال الثالث -والذي يفضله الكثير في إسرائيل- هو توجيه ضربات محددة ضد أهداف عسكرية داخل إيران للحفاظ على هيبتها، وهذا الاحتمال يضعف قدرة إيران على إنتاج المسيرات والصواريخ ويؤكد للجميع أن مهاجمة إسرائيل هي مخاطرة كبيرة تخلف عواقب كبيرة، ولكن يبقى في هذا الاحتمال مشكلتان، أن إيران سترد بضربات جديدة على إسرائيل وفقاً لتقديرات أمريكية، والأخرى أن تلجأ إيران بالإضافة للرد العسكري على إسرائيل إلى تسريع وتيرة برنامجها النووي لأن امتلاك سلاح نووي يبقى قوة ردع ضد أي طرف.
يبقى لدينا الاحتمال الرابع الذي هو عبارة عن عملية عسكرية واسعة تشمل ضرب المواقع النووية الإيرانية وهذا الخيار يواجه بصعوبات بسبب وجود هذه المواقع تحت الأرض وبشكل محصن، فإن القيام بهذه المهمة يتطلب دعما من أمريكا التي لا ترغب في دعم إسرائيل في هذه الضربة، ثم إذا كان من المرجح أن ترد إيران على هجوم محدد بضربة عسكرية أخرى على إسرائيل، من المحتمل أن تكون على مواقع نووية إسرائيلية وهذا الأمر سوف يغضب دول العالم التي تعتبره تصعيدًا خطيرًا كما أنه من المرجح أيضًا أن يكون رد إيران بالانسحاب من اتفاقية حظر أسلحة الدمار الشامل وتبدأ في تطوير سلاحها النووي بعيداً عن أنظار العالم تماماً كما فعلت كوريا الشمالية في التسعينات.
عذراً التعليقات مغلقة