الصور التي جمعت، في بداية شهر رمضان، رئيس النظام السوري بشار الأسد ببعض الممثلين السوريين، توحي بأنهم من عائلة واحدة، التقت في مناسبة اجتماعية. المسافة ضيقة بينه وبينهم، بحيث يظهر كأنه أحد الممثلين، وإذا نظرنا للصورة من زاوية أخرى، يمكن رؤية الممثلين كأعضاء فريق حكومي. ثمة تقاطع كبير يصل حد التماهي، لاسيما بالأدوار، التي تفضحها حالة تمثيل الوداعة من قبل الجميع، وتضفي عليها قدرا غير محدود من الخداع والرياء.
يجلس الجميع عند نقطة لقاء في منتصف الطريق، على مسافة واحدة، تبدو بارزة جدا في اجتهاد الأسد والفنانين من أجل تمثيل اللحظة، حتى تبدو الصورة عادية. يبدو أنهم تدربوا على ذلك، أجروا أكثر من بروفة، إلى حد أن الصورة لا تفصح عن تفوق أحد. تكاد تكون العلامات متساوية، الكل يحوز على نفس الدرجة، كما لو أن المخرج نجدت أنزور هو الذي وضع اللمسات الأخيرة. بذل جهدا كبيرا، كي يظهر صديقه الأسد داخل المشهد وخارجه، في الوقت ذاته.
ذهب الأسد إلى اللقاء مع الممثلين لأنه بات بلا دور، مثّل كل الأدوار التي أسندت إليه، وفشل فيها جميعا، وعندما لم يعد يجد كاميرا تلاحقه، أو خشبة يقف عليها، صار يفتش عن صوره تبقيه قيد التداول، واختار موسم الدراما الرمضانية، لأنه الوقت المناسب. لكن ليس نهم الصورة وحده، هو الذي حرضه على طلب الاجتماع مع الممثلين، بل شعوره بأن الدراما السورية بدأت تقلّد الواقع، ووصلتْ إلى لحظة، بات العنف فيها مادة فنية للفرجة والمتعة، عطفا على ما حفلت به أحداث الأعوام الأخيرة، التي ظهر فيها عنف النظام من الأقبية إلى ما فوق الأرض، وحوّل أرض سوريا إلى مسرح مفتوح للجريمة. وما يخشاه الأسد أن تذهب الدراما نحو حقول الألغام، وتقدم ما يكشف أوراق حكم آل الأسد، وأمامه مثال مسلسل “ابتسم أيها الجنرال”، الذي كتبه السيناريست سامر رضوان، وأنتجته مؤسسة “ميتافورا”، وعرضته قناة التلفزيون العربي في موسم رمضان الماضي.
وشكلت نسبة التفاعل العالية مع العمل، مؤشراً على الاقبال على الرواية الأخرى. ويمكن لهذا المسلسل أن يشكل فاتحة لكتابة درامية، بالاعتماد على الخزان الكبير لأرشيف النظام السوري، منذ وصول حزب البعث للسلطة. وفي وسع السيناريست المتميز رضوان مواصلة العمل في ذات الاتجاه، من أجل توسيع طريق هذا الشكل من العمل الدرامي، الذي يقطع مع النمط السائد القائم على تسويق العنف.
تشي صورة الأسد مع ممثلي الدراما أنه يريد مواصلة الترويج للمسلسل، الذي عاشه السوريون قبل الثورة، لأن غيابه عن الشاشة ينذر بدخول الأسد والممثلين في مرحلة من البطالة، وهذا يمهد في أبسط الأحوال إلى كتاب سيناريو جدد، وكتابة سيناريوهات مختلفة، وطواقم ممثلين غير هؤلاء الذين احترقوا، ولم يعودوا قادرين على شد انتباه الجمهور من خارج دائرة النظام.
لا يمكن للدراما أن تروج للحل السياسي في سوريا، في حين أنه بعيد المنال، ليس في وسعها أن تتحدث عن السلام، بينما يتواصل القتال على محاور التماس بين مناطق النفوذ.
تقول الدراما التي يجري إنتاجها وفق خط النظام، إن المأساة التي عاشها السوريون على مرحلتين لم تنته. الأولى كانت قبل الثورة التي قامت في آذار 2011، والثانية التي بدأت مع ذلك التاريخ ولا تزال مستمرة. ولا توحي المسلسلات التلفزيونية أن النظام أفرغ كل ما لديه من العنف، ثمة خزان لا ينضب، وما كان لهذا الإحساس أن ينعكس في المسلسلات، لو أن سلوك النظام تغير قليلا، كأن يبادر إلى السماح بعودة المهجرين، أو يكشف عن مصير عشرات آلاف المختفين قسريا. وخلاصة ذلك مباشرة خطوات فعلية من أجل القطع مع الفترة الدموية. ولذلك تبدو الدراما أمينة للواقع، تنهل منه وتستوحيه حتى في الأدوات والآليات، وبذلك ارتاحت من عناء البحث عن واقع متخيل، أو النبش في التاريخين العثماني والفرنسي عن موضوعات.
بعض الممثلين لم يستطيعوا مغادرة النظام، كأنهم يتشبثون بأدوارهم هناك. يخافون منه أن يجردهم من مراتبهم. رغم أنهم لا يعملون بوظيفة لديه، بل يمارسون التمثيل، ويتقاضون أجراً من شركات إنتاج في القطاع الخاص، فهم يخشون أن يصبحوا بلا أدوار، لأن المنتجين يراعون حساسيات النظام وحساباته، يقربون القريب منه، ويبعدون البعيد عنه. وهم بذلك يضمنون لأنفسهم العمل بلا وجع رأس، وضمن هذه المعادلة لا ينتجون مسلسلات تقترب من المناطق المحظورة من قبل النظام، وفوق ذلك لا تتحلى بنفس نقدي حين تتناول القضايا الاجتماعية، بل حتى التاريخ تتناوله من منظور ضيق، ولا تقرأه بعين واسعة. إنها تسير حسب الخطوط التي يرسمها النظام، وعلى هذا يجد الممثل نفسه يؤدي دورا حسب مواصفات شركة الإنتاج.
Sorry Comments are closed