حرية برس ـ بسام الرحال
شهدت المناطق المحررة من سلطة النظام في ريف حمص الشمالي، إحداث العديد من المشافي الميدانية، وذلك بهدف تقديم العلاج للمرضى والمصابين المتضررين من قصف لم ينقطع لقوات الأسد على الأحياء السكنية بمختلف صنوف الأسلحة القاتلة، وتأتي إقامة مثل هذه المشافي في المناطق الخاضعة لسلطة الثوار، كضرورة وحاجة ملحة في ظل غياب الخدمات الطبية، بعد أن قامت سلطات النظام بترحيل الكوادر والأجهزة الطبية والتجهيزات العلاجية من المناطق المحررة إلى أماكن سيطرتها، بهدف حرمان تلك المناطق من هذه الخدمات، انتقاماً من احتضانها للفصائل المسلحة، التي تقاتل النظام بهدف إسقاطه.
ريف حمص الشمالي كغيره من المناطق السورية الخارجة عن سيطرة الأسد يضم خزاناً بشرياً كبيراٌ، ويتعرض يومياً للقصف العشوائي بالبراميل المتفجرة ومختلف أنواع الأسلحة الفتاكة، ويشتكي الأطباء والعاملون في المجال الطبي فيها من نقص الفرق الطبية المؤهلة وعدم وجود مختصين في مجالات طبية عديدة.
ويواجه العاملون في الحقل الطبي صعوبات عديدة تعيق العمل الطبي في مكان لم يغب الموت عن سكانه يوماً واحداً، نتيجة الأعمال العسكرية والقصف اليومي من قبل جيش الأسد منذ أكثر من أربعة أعوام، بالإضافة إلى ذلك يتعمد نظام الأسد استهداف المشافي الميدانية والنقاط الطبية، الأمر الذي أخرج العديد منها عن الخدمة بشكل نهائي وأخرى بشكل مؤقت، ما دفع العاملين في هذا المجال لإنشاء بعض المشافي في الأقبية والمستودعات الواقعة تحت الأرض.
صعوبات وتحديات :
يرى “إبراهيم الأحمد” أحد الأطباء الميدانين في مشافي ريف حمص الشمالي: “إن من أهم الصعوبات والتحديات التي تعاني منها المشافي الميدانية، هو الاستهداف المباشر لها بالبراميل المتفجرة والصواريخ من قبل النظام، بالإضافة إلى سياسة الحصار المتبعة، ومنع دخول الدواء والأجهزة الطبية، إلى مناطق سيطرة المعارضة، واعتقال وتصفية الكوادر الطبية، إضافة إلى النقص الحاد بالكوادر، والأجهزة المتطورة والأدوية”.
وبيّن الدكتور”إبراهيم” أن “هذه المشافي تعاني من صعوبات جمة، ومن أهمها نقص التمويل لتغطية نفقات المشافي واحتياجاتها من المحروقات، في ظل غياب كامل للتيار الكهربائي، بالإضافة إلى النقص الحاد في التجهيزات، والمعدات الطبية الضرورية لعمل المشافي، كأجهزة الطبقي المحوري، وأجهزة المعالجة الفيزيائية، كما وتعاني من نقص كبير في أدوية الأمراض المزمنة، كالسكري والضغط والصرع والربو وغيرها من الأدوية الضرورية.
وأشار ابراهيم إلى أن “النظام يستهدف هذه المشافي، لأنها تعتبر إحدى ركائز الثورة، وأحد أهم العوامل التي تؤدي إلى نجاح المعارك الدائرة بين جيش النظام ومقاتلي الجيش الحر، بالإضافة إلى قتل كل أشكال الحياة، وكل ما يساعد في الحفاظ على دماء الناس وأرواحهم”.
غياب ذوي الخبرة و الاختصاص :
يقول الدكتور”عبد الحكيم المصري”، وهو طبيب عام يعمل في مستشفى الزعفرانة في ريف حمص الشمالي منذ بداية الثورة: “يوجد الآن في المناطق المحررة في ريف حمص الشمالي 8 مشافٍ تقوم بتقديم الخدمات الطبية والجراحية بشكل مجاني لسكان الريف، إلا أن جميع هذه المشافي لا يوجد فيها طبيب تخدير واحد بشكل دائم، الأمر الذي دفعنا للاستعانة بفنيي التخدير
وأضاف الدكتور” المصري”: “حتى الفنيين الذين يعملون الآن في التخدير والأشعة والتمريض معظمهم لا يحمل شهادة بهذه الاختصاصات، وإنما اكتسبوا خبراتهم من خلال العمل، فمنهم ممرض مبتدئ ومنهم خريج معهد صحي، وبعضهم لا يحمل شهادة جامعية، عازياً هذا الحال إلى غياب ذوي الخبرة والاختصاص، وهجرتهم إلى دول اللجوء أو إلى المناطق الواقعة تحت سيطرة نظام الأسد، حتى أننا بدأنا مؤخراً نفقد بعض الذين عملوا معنا في المشافي الميدانية ببداية الثورة، بعدما نفد صبرهم وقدرتهم على الاستمرار في ظل القصف والمجازر اليومية قاصدين تركيا وبعض دول أوروبا”.
عدم وجود الأخصائيين يجبر المرضى على قرارات تحتاج شجاعة :
وعن نقص الفرق الاختصاصية في بعض المجالات الطبية، قال الدكتور”جمعة دبسون” وهو اختصاصي في الجراحة العامة والجراح الوحيد في مدينة الحولة: “لا يوجد في جميع المناطق المحررة داخل ريف حمص الشمالي أي طبيب جراحة عصبية، الأمر الذي يدفعنا لتحويل العديد من الحالات التي نستقبلها إلى تركيا، رغم معرفتنا بالصعوبات التي سيواجهها المريض خلال سفره، أو إلى مشافي مدينة حماه التي تخضع لسيطرة النظام، وطبعا يحتاج الأمر إلى قرار شجاع من المريض أو ذويه بترحيل المريض مع إمكانية اعتقاله من قوات النظام أو تركه هنا بدون علاج، لاسيما وقد تكررت حوادث اعتقال المرضى خاصة إذا كانت الإصابة بسبب القصف أو من خلال المعارك الدائرة”.
وتابع الدكتور “جمعة”: “حتى الاختصاصات المتوفرة لدينا تعاني من ضغوطات كبيرة بسبب حجم الحاجة ووجود العديد من الحالات في فترات معينة عند القصف أو المجازر، وذلك من شأنه أن تُحرم بعض الحالات من الرعاية الكاملة التي يستحقها أي إنسان.
صيانة المعدات الفنية والأجهزة الطبية:
تحتاج الأجهزة الطبية إلى عمليات صيانة دورية ورعاية خاصة من قبل فنيين وأصحاب خبرة في صيانتها، إلا أن غياب هؤلاء المختصين زاد من الصعوبات التي يفرضها واقع الحال على العاملين بالحقل الطبي.
وقال”مصطفى حمادة” مدير أحد مشافي الميدانية العاملة في ريف حمص الشمالي: “كثيرا ما نضطر لتحويل العديد من الحالات الطبية إلى مشاف أخرى خارج الريف الحمصي، بسبب تعطل أحد أجهزة التصوير أو الأجهزة الطبية الأخرى التي تستخدم في المجال الطبي، وتبقى الأجهزة خارجة عن العمل لفترات طويلة بسبب عدم وجود الفني القادر على صيانتها واكتشاف سبب تعطلها”.
وأضاف الدكتور”مصطفى”: “وهناك مشكلة أخرى كثيراً ما نعاني منها، وهي مشكلة صيانة عربات الإسعاف التي تتعرض لأعطال كثيرة نتيجة سوء الطرقات وسوء المحروقات التي يتم بيعها في المناطق المحررة، وتعرض بعضها للقصف، وذلك بسبب عدم توفر قطع التبديل، والفنيين القادرين على صيانتها وإعادتها إلى الخدمة”.
يذكر أن جميع المشافي في ريف حمص الشمالي تفتقد إلى المعدات الحديثة المتطورة (كأجهزة التصوير الطبقي المحوري والرنين المغناطيسي وغيرها)، مما يجعل كثيراً منها عاجزاً عن معالجة كثير من الحالات التي لا يمكن استقبالها، وأن إهمال المصابين والجرحى من الثوار ومن الأطفال والنساء والشيوخ والشباب سيعرّض المسؤولين عن ذلك لمساءلة أمام الله وأمام الشعب والتاريخ.
Sorry Comments are closed