* عمر إدلبي
كشفت المُهاترات التي حصلت في أروقة الأمم المتحدة بين مندوبة الولايات المتحدة سامنثا باور وكل من فيتالي تشوركين مندوب روسيا وماريا زاخاروفا المتحدثة باسم الخارجية من جهة ثانية مدى التأزم بين واشنطن وموسكو فيما يتعلق بسوريا وما يحصل فيها من صراع دولي، تضارب مصالح الدولتين واختلافهما في الرؤية للحل، ولتشخيص الواقع السوري قبل كل شيء.
وإذا كان هذا التأزم غير مستغرب في ظل انعدام الثقة بين الدولتين، فإن التراشق بالاتهامات بين الطرفين وإلقاء كل طرف بمسؤولية فشل التوافق على خطوات الحل على الطرف الآخر كشف أيضاً مدى التردي الأخلاقي الذي وسم سياسة البيت الأبيض تجاه الأزمة السورية التي وصلت حد الفاجعة الإنسانية، ومع ذلك يكتفي المسؤولون الأميركيون بالقفز على حبال الخطابات الرنانة التي تدين جرائم الأسد ونظامه وحلفائه، ولا تفعل شيئاً لِلَجم جرائمهم بحق الشعب السوري، بل وتفعل ما يصب في خدمة خطة نظام الأسد وحلفائه في ترك الشعب السوري وثواره عرضة للمقتلة الكبيرة، ولا توفر فرصة لتهديد الثوار بأنها قد تتركهم لمصيرهم في مواجهة آلة القتل الروسية فيما لو خرجوا من بيت طاعة واشنطن، واختاروا خطاً ثورياً رافضاً للرضوخ للأسد، ولرؤية موسكو للحل.
بدأت المُهاترة بعد قصف بالخطأ ربما، شنته طائرات التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة “داعش” بقيادة الولايات المتحدة على موقع لقوات الأسد في محيط مطار دير الزور العسكري يوم السبت الماضي أسفر عن مقتل وجرح العشرات من جنود الأسد، ورغم مسارعة الجيش الأمريكي للاعتذار عن القصف الخطأ، وإيقاف عمليات طيران التحالف في المنطقة المذكورة ريثما يجري الجيش الأمريكي تحقيقاً في الحادث، فإن الروس التقطوا الفرصة وشنوا حملة إعلامية شرسة ضد واشنطن، وصلت حد اتهام الإدارة الأمريكية بالتواطؤ مع تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” ضد قوات الأسد.
وسارع الروس إلى طلب عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن الدولي للنظر في الهجوم، في محاولة لإحراج الإدارة الأمريكية التي اتهموها بالعناد في رفض التنسيق معهم في العمليات العسكرية ضد “الإرهاب”، مستكملين حملتهم التي بدأوها قبل الهجوم لكشف السرية عن بنود اتفاقية التهدئة التي أعلن عنها بين الجانبين قبل أيام من الهجوم الأمريكي، واحترقت منذ يوم الاثنين الماضي بنيران المقاتلات الروسية التي قصفت قافلة مساعدات للأمم المتحدة، وابتلع المجتمع الدولي سكين غارات بوتين هذه دون حس ولا خبر!
وفي تفاصيل المهاترة.. ردت سامنثا باور على طلب الروس عقد الجلسة العاجلة لمجلس الأمن وعلى اتهامات زاخاروفا لواشنطن بالتواطؤ مع التنظيمات الإرهابية بقولها: “منذ عام ٢٠١١، ونظام الأسد يقوم بضرب الاهداف المدنية بصورة متعمدة. وقد حاصروا المناطق المدنية، ومنعوا الاغاثة المنقذة للحياة من أن تصل للسكان الذين يتم تجويعهم حتى الموت ويموتون بسبب أمراض يمكن علاجها بواسطة أدوية أساسية.. كانت تنتزع من الشاحنات وتسرق من قبل قوات النظام”.
الإدارة الأمريكية تعرف إذن أن نظام الأسد يسرق المساعدات، ورغم ذلك تسكت عن تطبيق قرار مجلس الأمن رقم (2165) الذي يمنح الأمم المتحدة حق إيصال المساعدات دون موافقة نظام الأسد!
وبالعودة إلى السجال الأمريكي الروسي، تتابع سامنثا باور: “اخترعت الحكومة السورية أسلوب الضربات المضاعفة: وهي أن تضرب الأهداف المدنيّة، وتنتظر إلى أن يهرع المنقذون الشجعان الى البنايات المهدمة او المحترقة، ثم توجه ضربة ثانية لتقتل طواقم الإنقاذ. كما أن النظام قد استخدم على نحو روتيني الأسلحة الكيميائية ضد شعبه.. وقد مارس النظام السوري التعذيب بحق عشرات الآلاف من الأشخاص في السجون، التي يقوم فيها بشكل ممنهج بتوثيق ما يمارسه بحق المحتجزين لديه: أرقام تسلسلية، وملاحظات توثق بدقة تعذيب الناس بتلك الوحشية.. لكن لحد الآن، وإزاء كل هذه الأعمال الوحشية، لم تعرب روسيا يوماً عن غضبها، ولم تطالب بالتحقيق، ولم تدع الى جلسة مشاورات طارئة في مجلس الأمن ليل السبت – أو أي يوم من أيام الأسبوع.. لم تقم يوماً بالدعوة الى جلسة طارئة بخصوص أي من تلك الممارسات.”
من يسمع كلمات باور وهي تدين حماية روسيا لنظام الأسد، وتشير بكل وضوح إلى جرائم الأسد بالتفصيل المرعب المفجع، تنتابه للحظات فقط مشاعر الإعجاب بصدق واشنطن وتأثرها بما يعانيه السوريون من جرائم بشعة من شأنها أن تحرك العدالة الدولية ضد نظام الأسد وحلفائه، مرتكبي هذه الجرائم، ولكن ما تلبث هذه المشاعر أن تتحول إلى سخط واشمئزاز عندما تنشر صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية معلومات عن فضيحة مدوية تقول أن البيت الأبيض أعاق الكونغرس في الأسبوع الماضي من التصويت على مشروع قانون يهدف إلى فرض عقوبات ضد الأسد “بسبب جرائم حرب وفظائع ارتكبها ضد المدنيين” في سوريا، وهو مشروع القانون الذي تمت تسميته “قانون سيزار سوريا لحماية حقوق المدنيين”، وسمي بهذا الاسم كناية عن المصور المنشق عن نظام الأسد والذي قام بتسريب آلاف الصور المتعلقة بتعذيب وقتل السجناء في معتقلات الأسد!
رد باور مفحم وفي غاية الصدق، ويدل على أن الإدارة الأمريكية على معرفة تامة بحقيقة الإجرام الأسدي ومدى عزيمة نظامه وقواته في الاستمرار بإرتكاب جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي أزكمت رائحتها النتنة أنوف العالم، ولو كانت هذه المرافعة القيمة صادرة من رجال قانون لأمكن القول أنهم تمكنوا من توصيف الجريمة بشكل دقيق ولم يبق إلا انتظار صدور قرار القاضي بإدانة الفاعل وإيقاع العقوبة المناسبة بحقه، ولكن هذا التوصيف يصدر من إدارة الدولة العظمى الأكبر في العالم، والتي تقدم نفسها على أنها راعية لحقوق الإنسان والحريات، كما ينظر إليها الكثيرون على أنها القادرة الوحيدة على لجم الأسد وحلفائه ووقف جرائمهم.
بالمحصلة.. إدارة أوباما تعرف، ولا تفعل شيئاً، ليس لأنها غير قادرة على فعل شيء، بل لأنها راغبة بعدم فعل شيء، هكذا هي القصة ببساطة، ويصدق شاعرنا حين يقول: وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم.
ويسأل سائل: لماذا طرد عناصر من الجيش الحر جنود المارينز عندما دخلوا بلدة “الراعي” في شمال حلب كمستشارين؟
الجواب ببساطة، لأنهم يعرفون نفاق الأمريكان، ويدركون بفطرة سليمة أن استمرار موت شعبهم لأكثر من خمس سنوات يتحمل مسؤوليته المباشرة صمت إدارة البيت الأبيض على الدم السوري النازف.
* مدونات الجزيرة
Sorry Comments are closed