أعلنت المعارضة السورية الممثلة في الهيئة العليا للتفاوض موافقتها على حضور الجولة التاسعة من اجتماعات اللجنة الدستورية المقرر عقدها في أبريل المقبل، في مقابل التزام نظام الأسد الصمت، ما يعكس وجود تحفظات لديه.
ويحاول المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا غير بيدرسون إحياء مسار اللجنة الدستورية المجمدة أعمالها منذ العام 2022، بسبب رفض نظام الأسد عقد جلساتها في سويسرا التي يعتبرها دولة غير حيادية، وتدعمه في ذلك حليفته روسيا.
وتستهدف أعمال اللجنة التي برزت فكرتها في مؤتمر سوتشي، الذي عقد في يناير 2018، برعاية موسكو وأنقرة وطهران، إلى إصلاح دستوري يمهد إلى تسوية الأزمة السورية المندلعة منذ العام 2011. وعقدت ثماني جولات للجنة لكنها لم تسفر عن أي نتائج، لكن المبعوث الأممي لا يزال ينظر إلى أنها السبيل الأفضل لتسوية النزاع.
وتتوقع أوساط سياسية أن يقوم بيدرسون بزيارة إلى العاصمة السورية خلال الأيام القليلة المقبلة، بعد زيارة كان أداها في سبتمبر الماضي والتقى خلالها بمسؤولين في نظام الأسد وفي مقدمتهم وزير خارجية النظام فيصل مقداد. وتشير الأوساط نفسها إلى أنه من غير المرجح أن ينجح المبعوث الأممي في إقناع نظام الأسد بالعدول عن قراره فيما يتعلق بمقر إقامة جلسات اللجنة، حيث أن الموقف مرتبط أساسا بفيتو روسي.
وصرح نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي فيرشينين، في وقت سابق من الشهر الجاري أن “جنيف ليست مناسبة لعقد اجتماعات اللجنة الدستورية السورية”. ونقلت وكالة “تاس” الروسية عن فيرشينين قوله “يجب أن يتواصل البحث عن مكان يحظى بموافقة كل الأطراف، فنحن نتحدث عن حوار بين الأطراف السورية، ونعمل على تسهيله، وننطلق من حقيقة أن مكان انعقاد الجلسات يجب أن يتمتع بصفة محايد، واليوم نعتبر أن مثل هذه المنصة غير موجودة في جنيف”.
ويرى مراقبون أن موقف نظام الأسد وروسيا المتحفظ حيال مكان انعقاد الجولة التاسعة من اللجنة الدستورية، لا يتعلق حقيقة بالموقف من سويسرا بقدر ما هو محاولة للضغط من أجل فرض عقد الجلسات في العاصمة السورية، وهو مطلب سبق وأن طرحته روسيا في العام 2019. ويشير المراقبون إلى أن موقفي نظام الأسد وروسيا يعودان بالأساس إلى محاولة موسكو إضعاف الحضور الغربي في الملف السوري، إضافة إلى أنها تريد بذلك إرسال رسالة بأن القضية السورية لا تزال ضمن أولويات سياستها الخارجية على الرغم من انخراطها في الجبهة الأوكرانية.
الهيئة العليا للتفاوض السورية توافق على حضور الجولة التاسعة من اجتماعات اللجنة الدستورية المقرر عقدها في أبريل
ويلفت المراقبون إلى أن التصريحات الأخيرة لقدري جميل رئيس ما يسمى “منصة موسكو” للمعارضة السورية، المدعومة من موسكو، تصب في سياق الرؤية الروسية. وعرض جميل في مؤتمر صحفي عقد مؤخرا نقل اجتماعات اللجنة الدستورية إلى دمشق تحت رعاية الأمم المتحدة. وقال “بعد رفض روسيا الذهاب إلى جنيف، فإن بيدرسون حاول حل إشكالية المكان عن طريق طرحه نيروبي عاصمة كينيا، مكانا لانعقادها”، مشيرا إلى أن اقتراحات أخرى تم تقديمها، بأن يكون مكان انعقاد الجلسات في العاصمة العراقية، بغداد.
واعتبر جميل أن اقتراح بيدرسون بانعقاد الجلسات في جنيف هو “شكلي فقط”، قائلا إن المبعوث الأممي يعلم تماماً أن ذلك أمر صعب الإنجاز، لكنه يريد إحراج موقف روسيا. ووصف رئيس منصة موسكو الدعوة إلى انعقاد جلسات اللجنة الدستورية في جنيف بأنها “طبخة لن تنضج”. في مقابل ذلك قالت هيئة التفاوض السورية التابعة للمعارضة، السبت، إنها سترسل ممثليها في اللجنة الدستورية ، تلبية لدعوة المبعوث الأممي.
جاء ذلك في بيان ختامي عقب اجتماع ليومين بمدينة إسطنبول لهيئة التفاوض السورية، استمعت خلالها إلى إحاطة سياسية شاملة من رئيسها بدر جاموس، واستعرضت تقارير لجانها وناقشت الوضع السياسي العام. وأوضحت الهيئة في بيانها أنها تناولت “دعوة المبعوث الدولي الخاص إلى سوريا لعقد الجولة التاسعة للهيئة المصغرة باللجنة الدستورية في جنيف خلال الفترة 22-26 أبريل المقبل، والتي أرسلت الهيئة موافقة رسمية لإرسال وفد ممثليها في اللجنة لحضور الاجتماع”.
ولفتت الهيئة إلى “استعدادها للعمل الإيجابي البّناء لتحقيق ولاية اللجنة في صياغة دستور جديد لسوريا، والجهود التي يقوم بها المبعوث الأممي للدفع بالعملية السياسية للتوصل إلى حل سياسي قابل للاستدامة عبر التنفيذ الكامل والصارم لقرار مجلس الأمن رقم 2254”. والقرار 2254 أصدرته الأمم المتحدة عام 2015 بهدف تشكيل حكومة انتقالية وإعداد دستور جديد وإجراء انتخابات، متضمنا إجراءات بناء الثقة وتهيئة الأجواء لإجراء انتخابات حرة ونزيهة.
وأكدت الهيئة “موقفها بأن العملية السياسية التفاوضية بمحاورها الأربعة، والتي تبدأ بالاتفاق السياسي وهيئة الحكم الانتقالي، هي المدخل الوحيد للحل السياسي في سوريا”. وأضافت “بناء على ذلك تقدمت بطلبها لعقد جلسة خاصة لمجلس الأمن الدولي تستعرض العقبات والإعاقات التي تواجه العملية السياسية، وتمنع تنفيذ القرار الأممي وسبل التغلب عليها، بمشاركة هيئة التفاوض السورية بوصفها ممثلة لقوى الثورة والمعارضة السورية كأحد طرفي العملية السياسية”.
ودعت الهيئة “الأمم المتحدة والمنظمات الدولية ذات العلاقة، والدول الأعضاء فيها للوفاء بالتزاماتها وتعهداتها تجاه حقوق اللاجئين والمهّجرين والنازحين بالحماية، وتأمين احتياجاتهم الإنسانية، ووقف الانتهاكات والإجراءات التي تُرتكب وتُتخذ بحقهم بهدف دفعهم نحو العودة القسرية وغير الآمنة”. وشددت على “ضرورة إلزام النظام بالإفراج عن المعتقلين كافة، وكشف مصير المفقودين دون قيد أو شرط تنفيذا لما ورد في القرار الأممي حول الموضوع”.
ويرى مراقبون أنه في حال تمسك نظام الأسد وروسيا بتحفظاتهما وهو الأمر الأقرب فإن عقد الجولة التاسعة للجنة لن يكون ذا جدوى. وتشكلت اللجنة الدستورية السورية رسميا عام 2019، وتتكون من 150 عضوا بالتساوي بين النظام والمعارضة والمجتمع المدني، وعقدت 8 جولات في جنيف لإنجاز إصلاح دستوري، لم تسفر عن أي نتائج حتى الآن.
Sorry Comments are closed