يبدو أن احتمالات تجدد الاشتباكات بين العشائر العربية و “قوات سوريا الديموقراطية” التي يشكّل المقاتلون الأكراد عمودها الفقري، في دير الزور شمال شرق سوريا، ضئيلة في الأيام المقبلة.
وفي هذا السياق، نقلت وكالة رويترز عن قائد قوات “سوريا الديمقراطية” مظلوم عبدي يوم الخميس، 7 سبتمبر / أيلول)، إنه التقى بزعماء العشائر العربية وسوف يلبي طلبهم بإطلاق سراح العشرات من المقاتلين المحليين من العشائر، مضيفا “قررنا إصدار عفو عام عن المتورطين. لقد أطلقنا سراح نصف المعتقلين وسنطلق سراح الباقين”.
وكان عبدي يشير في حديثه إلى مقاتلين من العشائر العرب انتفضوا ضد اعتقال أحمد الخبيل، أبو خولة، “أمير عشائر البكير” أواخر الشهر الماضي لتورطه في نشاط إجرامي.
وسبق الاعتقال إصدار “قوات سوريا الديمقراطية”، المعروفة اختصارا بـقسد”، بيانا يفيد بعزل أحمد الخبيل من قيادة “مجلس دير الزور العسكري” التابع لها.
وتعهد عبدي بإعادة هيكلة المجلس المدني للمحافظة ومجلس دير الزور العسكري بما يمهد الطريق أمام جعلهما أكثر “تمثيلاً لكافة العشائر والمكونات في دير الزور”.
وأدت الاشتباكات الأخيرة في محافظة دير الزور الغنية بالنفط إلى مقتل ما لا يقل عن 50 شخصا وإصابة العشرات، بحسب ما أفاد به مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في سوريا.
جذور الأزمة
ورغم أن إطلاق سراح المقاتلين العرب قد ينهي الاشتباكات، إلا أن جوليان بارنز ديسي، الباحث في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، لا يرى أن الأمر يقضي على جذور المشكلة.
وأضاف “يتضمن الحل قصير المدى إجراء محادثات وترتيبات جديدة بين الأكراد والعشائر العرب، لكن هناك خلافات كبيرة تعيق التوصل إلى حل دائم وهو الأمر الذي يزيد من احتمالات استمرار التوترات وتجدد الاشتباكات في مقبل الأيام”.
الجدير بالذكر أن ” قوات سوريا الديمقراطية ” هي جماعة مدعومة من الولايات المتحدة ساعدت في هزيمة تنظيم داعش في سوريا وهي تتالف من قوات عربية وكردية بقيادة كردية.
ورغم هزيمة داعش في سوريا في عام 2019، إلا أن الولايات المتحدة تحتفظ بقاعدة تضم حوالي 900 جندي في دير الزور يواصلون دعم وتدريب وتجهيز “قوات سوريا الديمقراطية”، بيد أن التحالف الأمريكي-الكردي أثار قلق ومخاوف العشائر العربية في دير الزور.
ويقول زعماء العشائر العربية إنهم لا يشعرون بأنهم ممثلون في مجالس الحكم بدير الزور بشكل كافي رغم وجود بعض عرب في المناصب القيادية في قوات سوريا الديمقراطية مثل أبو خولة الذي كان قائدا في “مجلس دير الزور العسكري”.
وشدد زعماء العشائر العربية على أنهم لا يستفيدون من عائدات حقل “العمر” النفطي الذي يعد أكبر حقول النفط في سوريا والذي تم السيطرة عليه في عام 2017 بعد دحر داعش ومازال تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية منذ ذلك الحين.
وفي مقابلة مع DW، قال المحلل الاقتصادي ومدير “مشروع سوريا” في مجموعة الأزمات الدولية، هيكو فيمن، “لقد ظل سكان دير الزور (من العرب) يشكون منذ سنوات من أن مشاركتهم في الإدارة الذاتية مجرد واجهة تجميلية وأن كوادر قوات سوريا الديمقراطية يمارسون سلطتهم بقوة كبيرة”.
وأضاف أن “يتذمر السكان (العرب) من أن القتال ضد داعش غالبا ما يتم استغلاله لتصفية الحسابات أو تعزيز قوة بعض الجماعات وتمكينها على حساب جماعات أخرى”.
لكنه أشار إلى أن الاشتباكات الحالية ليست ترتبط بمشاكل عربية-كردية بشكل أساسي، قائلا: “الأمر يرتبط بشكل أكبر بالثقافة التنظيمية لقوات سوريا الديمقراطية إذ في المناطق ذات الأغلبية العربية مثل مدينة الرقة يمتلك قادة سوريا الديمقراطية قراءة أفضل للديناميكيات والقوى المحلية المؤثرة”.
ويتفق في هذا الرأي أحد المتظاهرين في دير الزور، الذي طلب عدم الكشف عن هويته لأسباب أمنية.
وقال المتظاهر في مقابلة مع DW “انتفاضتنا هي ضد الأزمات التي تسببت فيها قوات سوريا الديمقراطية وما تُقدم عليه من انتهاكات جسيمة، ولا يهمنا مشكلة قوات سوريا الديمقراطية مع أحمد الخبيل. عاداتنا وعشائرنا ترفض سياسة قوات سوريا الديمقراطية”.
وأضاف أن الأحداث الأخيرة تأججت جزئيا بسبب الرغبة في تغيير المناهج الدراسية “بما يصب في صالح خدمة مصالح وأجندة قوات سوريا الديمقراطية..ما نريده يتمثل في العيش بكرامة دون أن تسيطر علينا مجموعة أجنبية”.
خطر عدم التوافق حيال خارطة طريق
وفي سياق متصل، يقول محللون إن مستقبل دير الزور ذات الأهمية الاستراتيجية والاقتصادية لم يعد مرهونا بالتوافق والتعاون بين العرب والكرد بل هناك أطرافا سياسية أخرى.
وفي ذلك، يحذر جوليان بارنز ديسي، الباحث في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، من أن تركيا في الجوار السوري يمكن أن تصعد مجددا هجماتها على منطقة الحكم الذاتي الكردية في دير الزور.
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد أكد دعمه للعشائر العربية في دير الزور، قائلا: “العشائر العربية هم أصحاب تلك المناطق الأصليين… حزب العمال الكردستاني لا يعترف بحق الناس في الحياة وعلى الدول الداعمة لهذا التنظيم معرفة ذلك، كما أنه لا يتردد بارتكاب أي مجزرة للسيطرة على النفط في دير الزور”.
وعلى صعيد متصل لم تظهر الولايات المتحدة أي مؤشر قد ينذر بانسحابها من دير الزور أو تراجع دعمها لقوات سوريا الديمقراطية إذ شددت السفارة الأمريكية في سوريا على استمرار “الشراكة مع قوات سوريا الديمقراطية لضمان الهزيمة الدائمة لتنظيم داعش في سوريا.”
- إعداد: جنيفر هوليس – عمر البم
Sorry Comments are closed