يشتكي السكان في مناطق الشمال السوري، من استمرار أزمة الازدحام على مراكز البريد التركية PTT وما ينتج عنها من انتهاكات بالجملة من قبل الشرطة المدنية التابعة لقوى الأمن الداخلي التركي المسؤولة عن حراسة المراكز.
الشكاوى المدنية المتكررة دفعت ناشطين إعلامين في 14 الشهر الجاري، إلى إطلاق حملة إعلامية تحت مسمّى “#بدها_حل” مع وسم “لا لإذلال السوريين” تنديداً بسياسة التعامل مع المواطنين داخل مراكز PTT، كان آخرها رشّ الشرطة مادة الفلفل على المزدحمين في مدينة جنديرس شمال حلب.
“أورينت” تواصلت مع عدد من المدنيين والإعلاميين القائمين على الحملة، وأجملت أسباب الازدحام في 5 نقاط وهي:
- قلة عدد مراكز البريد التركية PTT مقارنةً بالكثافة السكانية، مع حدودية ساعات الدوام
- حصر المؤسسات الحكومية والمنظمات باستلام الرواتب من خلال تلك المراكز
- كثرة أعطال أجهزة الصرافة لسوء نوعها، وسوء الخدمات مع قلة كميات المبالغ المالية الواردة إلى المراكز
- عدم احترام العميل، وتعامل الشرطة (حرس مراكز PTT) بطريقة مهينة وغير حضارية
- عدم تسليم الراتب بالدولار والخسارة تُقدّر بقرابة 10 دولارات لكل 100 دولار.
الاعتداءات متكررة
حسين العلي، أحد الإعلاميين القائمين بحملة “بدها حل” قال لـ”أورينت”: إنَّ الاعتداءات متكررة، آخرها يوم الخميس الماضي (10 آب) رشّ الشرطة مادة الفلفل على المزدحمين بعد ملاسنة بين شرطي وسيّدة إثر التدافع على الدور في مدينة جنديرس بريف عفرين ما أوقع إصابات بينهم نساء، مشيراً إلى أنَّ “الإهانات مزدوجة من الأتراك والشرطة المدنية”.
وأضاف: منذ نحو 15 يوماً تم توثيق حادثة اعتداء على رجل ستيني بسبب تصويره بجواله للازدحام في مركز جنديرس وإرسال الصورة لابنه، فتم سحبه لداخل المركز وضربه من قبل الشرطة، وكانت الحادثة الأشهر الاعتداء على كادر حلب اليوم في مركز أعزاز، موضحاً أنَّ الاعتداءات ناتجة عن ضغط الازدحام وتعامل الشرطة بطريقة وحشية غير حضارية.
وبيّن “العلي” أنَّ أبرز أسباب الازدحام، مثلاً: أن “يتوافد 500 شخص على المركز يتم تقبيض 100 شخص كحد أقصى، ويعود 400 شخص لتكرار الدور والانتظار لنحو 8 ساعات (وقت الدوام من 8 صباحاً إلى 4 عصراً) في اليوم التالي ومنهم زوجات شهداء وكبار سن ليس لديهم القدرة على تحمّل الانتظار خاصة في ظلّ ارتفاع درجات الحرارة أو انخفاضها”. منوهاً إلى أنَّ “الموضوع بيد الأتراك والحرس حماية لهم”.
بدوره أشار شاهد عيان خلال حديثه لـ”أورينت” إلى موضوع الرشوات، فمن يدفع لحراس PTT يدخل من الباب الخلفي ويقبض راتبه، مضيفاً: “عندما اعترض أحد الشباب على الأمر صفعه الشرطي على وجهه أمام عيني، هنا أصبت بضيق شديد فتراجعت عن الدور وعدتُ للمنزل”.
وفي حادثة اعتداء أخرى، حاول شاب الصراخ على الشرطي بعد تعرّض قريبته لإهانة لفظية، فتعرض للضرب وقام عنصر من الشرطة العسكرية بتخليصه، بحسب الشاهد، الذي أوضح أن أغلبية عناصر الشرطة المدنية “معاملتهم سيئة جداً”، والإهانة موجودة بكل مراكز PTT خاصة جنديرس، عفرين، إعزاز، معتبراً مركز مارع من أفضل المراكز من حيث انضباط العناصر.
ورداً على سؤال عن تقديم أي شكوى، أجاب الشاب: “لمين بدك تشتكي إذا قائد العنصر عم يبرر لعنصره وعم يكذّب الناس”.
الخسارة المادّية في صرف العملة
هناك منظمات تحوّل الرواتب بالدولار أو اليورو لكن التقبيض من المراكز البريدية بالليرة التركية، وعند التحويل لا يتم الصرف بالسعر الرسمي، ما يؤدي لخسارة تُقدّر بـنحو 70 دولاراً لراتب 500 دولار، حسبما أفاد الناشط الإعلامي “حسين العلي”.
وأكد أحد شهود العيان في ريف حلب، أنه لا توجد بطاقات صرافة كون الحسابات البنكية غير موجودة، ومن يستلم الحوالة أو الراتب بالليرة التركية، إذ تُقدّر الخسارة لكل 100 دولار ما بين 5 و10 دولارات، مضيفاً: “أنا راتبي 350 دولاراً أقبضه 320 بعد صرفه على الليرة التركية، وسط سوء الوضع المعيشي والإتاوات التي ندفعها على المعابر التابعة لهيئة تحرير الشام (مثل المنشار) وحواجز الجيش الوطني (مثل المقص)”. حسب وصفه.
منع التصوير يسبب انتهاكات
الناشطة ياسمين عرموش، إحدى المشاركات بالحملة، أكدت لـ”أورينت” على التشديد الكبير على تصوير الازدحام أمام مراكز PTT، ويتم تحويل القضية إلى “شرف نساء”، ويتم إدخال صاحب الصورة إلى غرفة داخل المركز وتتراوح ما بين الإهانة اللفظية والاعتداء الجسدي بالضرب.
وقالت عرموش: “أنا من ريف إدلب اضطر كلّ 3 أشهر للقبض من المركز، وخلال زيارتي مرتين شاهدت حوادث الاعتداء نفسها، فنحن في منطقة إدلب لا يوجد أي مركز (PTT) فنبحث عن أي مركز في مناطق شمال حلب، حسب قلة الازدحام نختار الانتظار على الدور”.
من جهته، الإعلامي أبو بكر السقا الذي تعرّض مع زميله أحمد الخطيب، لاعتداء من الشرطة المدنية في 23 حزيران/يونيو الماضي خلال محاولته تغطية الازدحام لقناة “حلب اليوم” في مركز أعزاز، ذكر أنَّ أهم المشاكل التي يعاني منها الناس هي سوء المعاملة (التشبيحية) من قبل موظفي المركز وحرسه.
وأشار في حديثه لـ”أورينت” إلى أنَّ المشكلة الثانية هي قلة آلات الصرافة، فمثلاً مركز أعزاز فيه فقط آلتا صرافة، والناس تأتي من مناطق خارج أعزاز فضلاً عن سكانها، لذلك يرى أنَّ أحد الحلول يتمثل بـ”زيادة عدد آلات الصرافة بكل مركز”، معتبراً قبض الرواتب عن طريق المراكز البريدية مجرد “زيادة معاناة الناس بالمناطق المحررة”.
بدوره، الصحفي أنور أبو الوليد، المقيم في إعزاز، يرى أنَّ الازدحام المُهين للمدنيين والانتظار لأيام على الطوابير كي يقبضوا رواتبهم يماثل مشاهد الطوابير وإذلال السوريين في مناطق ميليشيا أسد، فالازدحام ينتج عنه مناكفات وملاسنات وتتدخل الشرطة “الوضع مُزرٍ”.
ويعتبر المشكلة الرئيسية في قلّة عدد المراكز مقابل أنّ جميع موظفي الحكومة والمؤسسات يقبضون من المركز، وخلال الدوام هناك ساعة غداء تزيد من انتظار الناس، وأحياناً بعد الانتظار يقول الموظف: “لا يوجد نقود في الصندوق”.
وطالب أبو الوليد عبر “أورينت” بزيادة عدد المراكز البالغ عددها 11 مركزاً في المدن والنواحي هي: “جرابلس، الباب، بزاعة، قباسين، عفرين، جنديرس، إعزاز، الراعي، مارع، تل أبيض، رأس العين”، وزيادة عدد العاملين بالمركز الواحد، وزيادة عدد الصرافات الآلية، وزيادة عدد ساعات العمل، والتعامل مع ورديات لتجنّب ساعة الغداء، فضلاً عن تفعيل وسيلة حجز منصفة، وتخصيص دور واضح بحسب الخدمة.
يذكر أنَّ العمل في مراكز PTT بدأ منذ ما يقارب الأربع سنوات، وقررت السلطات التركية تحويل الأموال من المنظمات العاملة في ريف حلب، المحلية والأجنبية، للداخل السوري عبر أفرع البريد الموجودة التي توفر فتح حسابات شخصية بنكية لليرة التركية أو للدولار الأمريكي، يمكن للمواطن إيداع أمواله فيها أو سحب المبالغ المودعة في أي وقت.
Sorry Comments are closed