يسوء الوضع المعيشي يوماً بعد يوم في مناطق سيطرة ميليشيا أسد مع تهاوي الليرة السورية التي وصل سعر صرفها إلى 14000 مقابل الدولار الأمريكي الواحد، فيما اعترف زعيم الميليشيا بشار أسد في مقابلته على قناة “سكاي نيوز” بأنَّ مناطقه “بدون ماء ولا كهرباء ولا مدارس ولا صحة”.
ووفقاً لصحيفة “تشرين“، فإنَّ عبارة “لم يعد هناك شيء رخيص في الأسواق”، يكررها المواطن بأسواق العاصمة دمشق، فالغلاء يلاحق حتى السلع البديلة والمقلدة والمزورة والأقل جودة وبلا بطاقة تعريف أو ماركة تذكر.
وتحدث موقع “أورينت” مع عدد من السوريين في وسط وجنوب وشرق سوريا، حول تأثير ارتفاع صرف الدولار مقابل الليرة السورية، أفادوا بأنَّه يزيد من الضائقة التي يعيشونها ما يجعلهم يعزفون عن المشتريات مكتفيين بما يسدّ الرمق، فالفجوة تتسع بين قيمة الدخل وحجم المصروف اليومي.
“أم زيد” إحدى سكان درعا البلد، تصف الوضع المعيشي بـ”الزفت”، مضيفة أنَّ المحلات التجارية تُخبئ البضائع وتحسب الأسعار حسب صرف الليرة السورية أمام الدولار، لذلك هي مرتفعة طرداً مع انخفاض الليرة السورية. مكتفية بالقول: “من تصله حوالة مالية من الخارج يستطيع العيش، ومن لا تصله حوالة.. الله يعينه”.
الحديث عن تنظيم مظاهرات في السويداء
وفي جارتها السويداء، يصف سكانها الغلاء بـ”غير الطبيعي”، وعن تكرار تجربة التظاهر ضد الغلاء والفساد، يقول أحد المحامين في السويداء (طالباً عدم ذكر اسمه) لـ”أورينت”: إنَّ الحديث عن تنظيم مظاهرات يتداوله السكان، لكن الغالبية ترى “عدم جدواها بإحداث فرق بالواقع المعيشي”، حسب التجارب السابقة، مشيراً إلى أنَّ المظاهرات التي جرت نهاية العام الماضي، نتج عنها 500 مطلوب للمخابرات، فالحياة تضيق ولا حلَّ في الوقت الراهن بجعبة الشعب.
ويشير المحامي، إلى أنَّ الكارثة الأكبر هي “عوز المياه”، فغالبية السكان يشترون المياه من الصهاريج بمقدار 20 برميلاً بـ 70 ألف ليرة سورية بالكاد يكفي مدة أسبوع، خاصة في ريف السويداء المياه لا تأتي سوى ساعة في الأسبوع، ومناطق كثيرة لا تصلها المياه بالمطلق، بينما أسعار المواد الغذائية مثل: كيلو الأرز بـ 28 ألفاً وكيلو السكر بـ13 ألفاً، مختصراً الحال “عموماً الأهالي يكثرون تناول الخبز للشبع”.
وفي المنطقة الوسطى تحديداً حي الإنشاءات في مدينة حمص، الذي يعدّ من الأحياء الراقية، لا تصل الكهرباء سوى ساعة واحدة في اليوم، بينما المياه بمعدل ساعة واحدة والمعضلة أنَّها لا تصعد للخزان كونها تحتاج لتشغيل “الدينمو” الذي يحتاج كهرباء كما تُحدثنا إحدى السيدات أنَّهم العام الماضي اشتروا خزاناً إضافياً فلديهم سعة ألفي لتر، لكن الماء لا يصل للخزان، فتضطر لملء الأواني المنزلية خلال مجيء المياه. في حين يضرب الشلل أسواق حماة وحمص والأهالي يشترون المنتجات والخضروات بالقطعة والأوقية.
من جهة ثانية يذكر أحد إعلاميي دير الزور لـ”أورينت” (طلب عدم ذكر اسمه)، أنَّ مناطق سيطرة ميليشيا قسد أفضل نسبياً من مناطق سيطرة ميليشيا أسد، في مناطق أسد يعتمد الموظفون هناك بشكل كبير على ما يسمّى “البقشيش” وهو ما يطلبونه علناً إن كانوا على الحواجز أو ضمن الدوائر الحكومية، كما استطاع العديد من المطلوبين للميليشيا إخراج وثائق رسمية نتيجة “دفع الرشوة”، حسب قوله.
وفي مدينة الحسكة، سجلت اللحوم أسعاراً قياسية، إذ وصل سعر كيلو غرام الفروج الحي إلى 23 ألف ليرة، واللحوم الحمراء يتراوح سعر الكيلو بين 100- 130 ألف ليرة، كذلك ارتفع سعر طبق البيض إلى 30 ألف ليرة، وأرجع مدير التجارة الداخلية وحماية المستهلك علي خليف لـجريدة “الوطن” ارتفاع الأسعار إلى “عدم انضباط سعر الصرف للقطع الأجنبي باعتباره هو العملة المتداولة لدى المورّدين الموجودين خارج نطاق عمل الرقابة التموينية”.
كذلك أصدرت مديرية الشؤون الصيدلانية في وزارة الصحة في 8 من الشهر الجاري، نشرة جديدة لأسعار الأدوية التي رفعت بموجبها أسعار الأدوية بنسبة 50 بالمئة، وذلك بسبب تعديل سعر الصرف وفق نشرة “مصرف سورية المركزي” يوم 24 من الشهر الماضي.
5 أسباب لتدهور الليرة السورية بعد التطبيع العربي
وحول استمرار هبوط الليرة السورية، يعتقد المحلل الاقتصادي يونس الكريم، أنَّه لا يمكن تحديد ذلك بسبب استجداء ميليشيا أسد دولة الإمارات التي تدعم اقتصاده، مضيفاً لـ”أورينت”: إنَّ “دول الخليج لا تريد انهيار الليرة السورية كونها بدأت تبني قواها الناعمة، لكنّه دعم مشروط بإدارة خليجية، فهبوط الليرة سيتوقف عند هذا الحدّ إن كان اعتقادي صحيحاً”.
ويذكر المختص الاقتصادي، 5 أسباب لتدهور الليرة السورية بعد التطبيع العربي وهي:
1. عدم حصول ميليشيا أسد على الاستثمارات الخليجية المأمولة.
2. عدم وجود قوانين واضحة لإدارة عملية الاستثمار، خاصة بعد استحواذ الروس والإيرانيين على الاستثمارات.
3. العقوبات الأمريكية والأوروبية وما يحيطها من مخاطرة، ما حدّ من رغبة الخليجيين بالدخول إلى الاستثمار في سوريا.
4. غياب التقدُّم السياسي الذي يشرعن التوجه العربي لدعم النظام مع استمرار الوجود الإيراني.
5. الأزمات الاقتصادية في دول عربية أهم من سوريا أبرزها مصر والعراق ولبنان والأردن والجزائر.
أمّا عن احتكار السلع من التجار الذي تروّج إليه ميليشيا أسد لتنصلها من المسؤولية كما زعم مؤخراً “وسيم الأسد”، فيرى “الكريم”، أنَّ الاحتكار يعود إلى سياسات حكومة أسد وأبرزها، لوائح الاستيراد المرسوم رقم 3 الذي يمنع استخدام الدولار في حين أنّ كل شيء يُدار بالدولار، ووجود معابر التهريب التي يستولي عليها أشخاص من ميليشيا أسد، كلّ هذا يجعل مؤسسات الدولة لا حول لها.
ويوضح، أنَّ غياب دعم الخدمات والسلع عن مؤسسات الدولة التي يجب منحها للمواطن، مقابل الخدمات التي يقدّمها التجار يجعل “الاحتكار طبيعياً”، مشيراً إلى أنَّه من النقاط المهمة لتفشي الاحتكار، استخدام مؤسسات الدولة لتحقيق حماية للتجار المحسوبين على ميليشيا أسد، منها تفعيل القرار 1070 عبر مكتب سري، لذلك كلّ شيء يُمهّد لاستفادة أشخاص معينين، لافتاً إلى أنَّ وصف احتكار هو تعبير مجازي عن السطوة والنفوذ، فحكومة أسد قادرة على إيقاف الاحتكار حال تفعيل القانون الخاص به.
فيما تدّعي “المؤسسة السورية للتجارة” تدخلها الإيجابي تنفيذاً لتعليمات وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك بتوفير المواد للمواطنين فضلاً عن ضبط المخالفات والسرقات اليومية.
وتبقى الحلول خجولة من قبل مؤسسات ميليشيا أسد، إذ تحدثت صحيفة “تشرين” الرسمية عن انتشار الأسواق الشعبية في درعا، وأسعارها تقل عن أسعار المحال بـما يقارب الـ30%، كما نشرت صوراً تظهر الازدحام من “مهرجان الياسمين” للبيع المباشر من المصنع للمواطن والمقام في صالة السورية للتجارة في حي التضامن الدمشقي.
في حين وزّع وزير التجارة لدى أسد “محسن عبد الكريم علي” قسيمة شرائية بقيمة 50 ألفاً لذوي قتلى وجرحى الميليشيا في مدينة جبلة. في وقت ظهرت حركات مناوئة للحكومة خلال اليومين الماضيين مثل: “10 آب” و”التجمع الشبابي – حركة الشغل المدني”، في محاولات لتغيير الواقع.
عذراً التعليقات مغلقة