في خضم معاناة النزوح، وقعت عائلة الحسن ضحية قنابل عنقودية أطلقتها القوات الروسية مرتين في سوريا فيما كانت عواقب مروعة إذ في المرة الأولى قُتل رب الأسرة في هجوم جوي استهدف مخيم للنازحين في إدلب، فيما أصيبت الشقيقتان الصغيرتان عندما انفجرت بقايا قنبلة عنقودية.
وفي مقابلة مع DW، قال عبد الهادي متعب الحسن ذو الثالثة والعشرين عاما، “فقدت رؤى ذات تسعة أعوام إحدى عينيها فيما فقدت دعاء ذات العشرة أعوام يدها جرى نقلهما إلى مستشفى في إدلب حيث بقيت معهم لمدة شهر”.
وتعود إصابتهما إلى منتصف العام الماضي فيما تحاول الفتاتان في الوقت الحالي التأقلم والعيش حياة طبيعية رغم الإعاقة، لكن الحسن يقر بأن الأمر ليس بالسهل.
وقال “بالإضافة إلى بتر يدها، تعاني دعاء من مشاكل في ساقها. باتت رؤى ودعاء في حاجة إلى رعاية خاصة أنه لا يوجد شيء هنا يمكن أن يساعدهما، الأمر كله يقع على عاتقي وعلى والدتهما. نعاني من أيام كثير صعبة إننا نعيش داخل خيمة وسط طقس شديد الحرارة”.
وكانت عائلة الحسن تعيش في قرب مدينة حماة وسط سوريا، لكنها انتقلت إلى الشمال السوري الخاضعة لسيطرة المعارضة بعد اندلاع الثورة السورية عام 2011.
ذوي الإعاقة في سوريا ـ أعداد كبيرة
وبحسب أرقام جمعتها الأمم المتحدة عام 2021، فإن حوالي 28٪ من سكان سوريا ممن يزيد أعمارهم عن عامين، يعانون الآن من نوع من الإعاقة بعد 11 عاما على اندلاع الثورة.
وتشهد مناطق شمال سوريا ارتفاعا في أعداد ذوي الإعاقة حيث تقول الأمم المتحدة أن حوالي 37٪ من سكان شمال شرق البلاد يعانون من نوع من الإعاقة فيما تعد النسبة أكثر من ضعف المتوسط العالمي البالغة حوالي 15 بالمائة.
ومنذ سنوات، ظلت المساعدات التي تصل إلى الشمال السوري عبر الحدود قضية سياسية ، فيما تشير تقديرات مختلفة إلى أن عدد سكان إدلب يبلغ قرابة أربعة ملايين شخص، بينهم أكثر من 1.7 مليون شخص يعيشون في مخيمات النازحين، ويعتمد معظم السكان على المساعدات الإنسانية التي يأتي جُلها عبر معبر “باب الهوى”.
بدورها، سلطت إمينا سيريموفيتش، الباحثة الأولى في قسم حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في هيومن رايتس ووتش، الضوء على معاناة ذوي الإعاقة في سوريا وخاصة في الشمال، قائلة “لا يعود ارتفاع الإعداد إلى الحرب فقط، إذ لا يتعلق الأمر فقط بإصابة شخص برصاصة أو في القصف، لكن الأمر يتعلق أيضا بنقص الرعاية الصحية والخدمات الأخرى. كل ذلك أدى إلى إصابة العديد من الأطفال والبالغين بإعاقات لم تكن لتقع لهم دون ذلك. لذا نخشى أن تكون الأرقام أعلى من ذلك.”
وقالت ميريام أبورد-هوغون، رئيسة فريق “منسقو استجابة سوريا” والباحثة في منظمة هانديكاب انترناشيونال، إن أعداد ذوي الإعاقة قد ارتفعت بعد الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وشمال سوريا في فبراير/ شباط الماضي.
وأضافت أنه بعد أسبوع من الزالزال، “كان من الصعب الحصول على رعاية طبية حيث كانت المستشفيات مزدحمة بالمرضى مع نقص الأطقم الطبية ما يعني أنهم لم يكونوا قادرين على تقديم الاسعافات والرعاية الطبية لجميع المرضى”.
من جانبه، قال محمد المحمود، مدير “الشبكة السورية للأشخاص ذوي الإعاقة” ومقرها إدلب، “لقد رصدنا حالات جديدة بعد الزلزال خاصة مع تزايد حالات البتر بين الأطفال والنساء”.
ورغم تزايد الأعداد، إلا أن العديد من المنظمات تصف أزمة ذوي الإعاقة في سوريا بكونها “غير ظاهرة و مستترة” مع نقص الاهتمام بالأمر.
وقالت المجلة الدولية للصليب الأحمر في إصدار نشر في نوفمبر /تشرين الثاني الماضي “ينجم عن النزاعات المسلحة على وجه الخصوص حالات جديدة من الإعاقات تؤدي إلى تفاقم معاناة الأشخاص ذوي الإعاقة. ورغم تعرض المجتمعات التي تعصف بها صراعات لأضرار كبيرة، إلا حالات الإعاقة لا يتم دراستها بصورة كافية”.
ظاهرة مستترة؟
وعزت أبورد-هوغون سبب وصف معاناة وأزمة الأشخاص ذوي الإعاقة الطبيعة في سوريا بأزمة “مستترة” جزئيا إلى سبب حدوثها، مضيفة أن الإعاقة تُعرف بأنها أي ضعف يحد من قدرات الشخص.
وقالت “إذا رأيت شخصا يجلس على كرسي متحرك، فمن الواضح للجميع أنه شخص معاق، لكن الأمر يشمل أيضا أي شخص لا يستطيع المشي بشكل صحيح ربما بسبب إصابته برصاصة أو كُسر ساقه حيث لم تلتئم بشكل صحيح فيما يشمل أيضا الأشخاص الذين يعانون من صعوبة في السمع أو الإبصار”.
سكان وعمال إنقاذ يبحثون عن ضحايا وناجين وسط أنقاض المباني المنهارة إثر زلزال في حارم ب‘دلب (8/2/2023)
كشفت استطلاعات للرأي أن 67٪ من ذوي الإعاقة تعرضوا لإصابتهم قبل الزلزال المدمر الذي ضرب فبراير / شباط الماضي
وتعتقد إمينا سيريموفيتش، الباحثة الأولى في قسم حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في هيومن رايتس ووتش، أن معاناة ذوي الإعاقة لم تحظ بالكثير من الاهتمام في سوريا رغم ارتفاع أعداد المعاقين.
وتتفق كلا من سيريموفيتش وأبورد هوغون على أن معاناة ذوي الإعاقة تعرضت للتهميش، رغم تداعياتها الكبيرة على النواحي الاجتماعية والاقتصادية في البلاد.
وذكر باحثون في معهد دراسات التنمية في المملكة المتحدة أنه من الصعب تحديد أعداد ذوي الإعاقة في سوريا قبل عام 2011 أي قبل اندلاع الأزمة السورية بسبب “عدم القيام بمسح منهجي فضلا عن الصورة الاجتماعية النمطية السلبية التي تمنع السكان من الكشف عن الإعاقة بشكل علني.”
وخلص الباحثون إن “نسبة ذوي الإعاقة في سوريا كانت تتراوح ما بين 8 وتقترب المتوسط العالمي البالغ 15 في المائة”.
مستقبل صعب
وأضافت أبورد-هوجون أن أعداد ذوي الإعاقة باتت في الوقت الراهن مرتفعة جدا، مضيفة “هذا يعني أن ثلث السكان باتوا يعانون من مشاكل في العمل ينجم عنها أزمات نفسية حيث يخشون من أنهم باتوا عديمي الفائدة نظرا لاعتمادهم على أسرهم أو عدم قدرتهم على إعالة أسرهم. لذا يمكن القول إن التكلفة النفسية والاقتصادية مرتفعة جدا”.
وقال محمد المحمود، مدير “الشبكة السورية للأشخاص ذوي الإعاقة”، “لقد لاحظنا قيام أشخاص من ذوي الإعاقة بعزل أنفسهم عن محيطهم بسبب ردود فعل سلبية سواء من أسرهم أو مجتمعاتهم، لذا نحاول مواجهة ذلك عن طريق التعليم”.
وتشير الأبحاث إلى أن وجود أشخاص ذوي الإعاقة بين الأسر السورية يزيد من احتمالية البطالة والتسرب من التعليم.
تعد الطفلة السورية فاطمة العبد الله البالغة من العمر 15 عاما من الأمثلة الأكثر إيلاما حيث باتت أقاربها في حالة قلق شديد حيال طريقة مساعدة الفتاة المصابة الآن بشلل رباعي وخضعت لعملية جراحية في العمود الفقري بالمجان في مستشفى إدلب الذي تديره الجمعية الطبية السورية الأمريكية.
وقد لقي والد فاطمة وشقيقها مصرعهما في كارثة الزلزال فيما أصيبت والدتها وإخوتها.
وفي ذلك، قالت عمتها “يتعين علينا تحمل تكاليف أخرى نظرا لأن فاطمة في حاجة إلى إجراء مزيد من العمليات الجراحية فضلا عن حالتها النفسية صعبة جدا بعد أن فقدت منزلها وعائلتها ولا يوجد أحد يمكنها مساعدتنا في تدبير نفقاتها.”
بدورها، قالت سيريموفيتش إن “جيلا كاملا من الأطفال السوريين ينشئون دون الحصول على رعاية مناسبة ما يعني أنهم سوف يواجهون صعوبات في المستقبل”.
الاندماج داخل المجتمع
وتسلط ريا الجادر، الصحافية العراقية والباحثة في قضايا الإعاقة، الضوء على هذا الأمر، قائلة “عندما يُولد طفل وهو معاق فغالبا ما يُنظر إليه بأنه فاشل وإذا كانت طفلة يُنظر إليها بأنها تمثل عبئا على أسرتها.”
وفي مقال نشر العام الماضي حول حقوق ذوي الإعاقة في الشرق الأوسط العام الماضي، قالت إنه يجب فعل المزيد لحصول ذوي الإعاقة على حقوقهم وعلى احترام المجتمع والعمل على إعادة صياغة المفاهيم.
وشددت ريا على ضرورة الانتقال من فكرة رعاية المعاقين إلى احترام حقوقهم.
من جانبها، قالت أبورد هوغون إن معظم الأسر في بعض أجزاء سوريا تعرف شخصا ما يعاني من نوع من الإعاقة، مضيفة “يرى كثيرون أن الإعاقة لا تتعلق بإرادة الله، لذا فهذه الطريقة في التفكير قد تساهم في اندماج ذوي الإعاقة داخل مجتمعاتهم ما يمهد الطريق أمام دفعهم لرؤية الأشياء من منظور إيجابي مختلف”.
Sorry Comments are closed