صدمتني جرعة العنف المقدّمة في مسلسلات رمضان، فخلال متابعتي لبعض المشاهد من المسلسلات السورية خاصة البيئة الشامية، كانت مليئة بمشاهد الضرب والدم، ففي أولى الحلقات جرائم قتل وترهيب أطفال وحوادث عنف غير مبرّر تُضاف إلى سجل العنف الواقعي الذي يعيشه السوريون، وهي مسلسلات لا تناسب مشاهدة الأطفال، ضاربة بعرض الحائط القوانين والمبادرات المناهضة للعنف.
ومن الملاحظ، ثنائية العنف ضد المرأة و”العار” المبتذلة، في معظم المسلسلات الشامية إن لم تكن بمجملها، وكأنَّ المجتمع السوري في القرن الماضي جاهل لا يضبطه قانون، فنجد القتل أسهل من شربة ماء، كما يريده الكُتّاب، فهم يكتبون عمّا يُعرف بـ “البيئة الشامية” التي يجهلونها ويُكررون الأنماط ذاتها كالببغاوات منذ سنوات، لا سيّما التأكد من عذرية فتاة عبر فحصها من داية الحارة، فيما يُمثّل إهانة متعمّدة للنساء، مثلما يظهر في مسلسل “العربجي” الذي أراد كاتبه تغيير نمطية الداية المسنة فاختارها شابةً لعوباً وقحة بكلامها، وتشهد الزور مقابل المال.
وفي الحلقة السادسة من مسلسل “مربى العز” نُشاهد قتل فتاة تزوجت ابن خالتها سراً، فبعد ضربها من أبيها رماها أخوها من شرفة المنزل الدمشقي وضُرّجت بدمائها. وفي المشهد الذي يليه، يضرب أطفال الحارة بالحجارة طفلين أحدهما يحمل رضيعاً (المخطوفين) لطردهم من الحارة فيتخضّب طفل بالدم، ثم يتعرّض لتعنيف من الخاطف الذي يُقتل أيضاً، كذلك الأمر في مسلسل “زقاق الجن” فمن خلال برومو المسلسل نشاهد كيف يُريد “أيمن زيدان” غسل عار ابنته بالدم، مع الكثير من مشاهد العنف.
وأود التعريج إلى موضوع الملل والاشمئزاز من سلسلة الأجزاء وفي المقدمة مسلسل “باب الحارة” الذي لا أعلم من يُضيّع وقته بمتابعته في الجزء 13، كذلك مسلسل “حارة القبة” بجزئه الثالث، حيث نشاهد العنف منذ الحلقة الأولى عبر جريمة قتل شاب خنقاً، في المكان ذاته الذي قُتل فيه أخوه في الجزء السابق، وفي الحلقة التالية المجرم يُعنّف امرأة خرساء حتى تتضرّج بالدماء، محاولاً أن يرغمها على إرشاده إلى مكان جرة ذهب مخبأة منذ سنوات، دون أن تعرف من هي، لتكتشف في الحلقة السابعة أنّها زوجته وعمّة الشاب المقتول.
بينما يعود مسلسل “صبايا” بجزئه السادس بعد مرور عشر سنوات!، فمن وجهة نظري تغيير الممثلين في كلّ جزء والفترة الزمنية البعيدة بين الأجزاء وتكرار القصص خاصة جدلية الضرائر وغيرة المرأة، تُذهب متعة المشاهدة ولا تعطي أيّة فائدة للمتابع سوى أنَّه يملأ وقت فراغه، بل ربّما من استيائه يتعكّر مزاجه بدلاً من أن يتسلّى.
في حين لم تغب السياسة هذا العام عن المسلسلات الرمضانية، حيث يُحاول نظام الأسد عبر ماكينته الفنية تصوير الثورة السورية بأبشع صورة والانتقام من المهجّرين واللاجئين، ففي مسلسل “النار بالنار” تثير “كاريس بشار” الجدل بقولها إنَّ “زوجها معتقل عند العمشات أو الحمزات”، وهما فصيلان تابعان للجيش الوطني السوري شمالي سوريا، وهو دراما (سورية – لبنانية) مشتركة، تُشوّه حياة اللاجئين السوريين في لبنان، وتظهرهم مخالفين للقانون!، مثلما يجسّد “قصي خولي” شخصية مشكلجي دخل السجون اللبنانية أكثر من مرة في مسلسل “وأخيراً” مع “نادين نجيم”، تكراراً للثنائية في مسلسل “2020”.
وتتجلّى المنافسة السياسية في مسلسلين متناقضين، “ابتسم أيّها الجنرال” الذي يُحاكي عائلة حافظ الأسد الحاكمة، وهو مسلسل من إنتاج المعارضة السورية ويُعد نقلة نوعية في تغيير النمطية المعتادة للدراما، و”الزند ذئب العاصي” الذي يؤديه بلهجته العلوية التي ينتمي إليها “تيم حسن” في شخصية تُشابه دوره في سلسلة “الهيبة”، وهو مسلسل يُجسد مظلومية الطائفة العلوية من قبل العثمانيين وينتقص من الطائفية السنية.
من كلّ عام في شهر رمضان المبارك تتنافس شركات الإنتاج التلفزيوني في ضخ المسلسلات، مع تراجع ملحوظ في الدراما السورية، التي باتت في السنوات الأخيرة عبارة عن تكرار للسيناريو دون جديد، ليكون “العنف” سيّد المشهد مع تكرار الأنماط التي ذكرناها إضافة إلى نمطية المرأة المحجبة التي تظهرها الدراما “فقيرة، جاهلة، شرسة إلخ..”، أو إظهار جسد المرأة المغري لجذب المتابع، وإظهار المشروبات الكحولية على أنَّها اعتيادية، مع الترويج للمساكنة. أو صبغ عمل الخير بشخصية شريرة مثل تاجر مخدرات في “الهيبة”، أو بفتاة ليل مثل مسلسل “كسر عظم” في رمضان الماضي.
بالأحرى تُريد الدراما بشقّيها “الواقعي والماضي” تشويه الحقائق وخدمة أجندات معيّنة (النظام الحاكم) في سبيل تجهيل المواطن وإشغاله بالغرائز وإرهابه بمشاهد العنف، فأنت مُخيّر بين مسلسلات عن الواقع الحالي مائعة ذات انحلال أخلاقي لا تخلو من الألفاظ النابية، أو مسلسلات للبيئة القديمة ذات نمطية مكررة، أو مسلسلات تاريخية لا يُمكنك استقاء معلومات منها لما تفقده من مهنيّة، أو فنتازيا بلغة فصحى ركيكة مثل “فرسان الظلام ذئاب الليل”، ما يجعلك تترّحم على مخرج فذ مثل الراحل “حاتم علي”، فيما تبحث عن مسلسل كوميدي لتجده ربّما غير مضحك!
ما يطرح تساؤلات عديدة، لماذا لا يكون لدينا دراما تُجسّد قصص نجاح وكفاح نراها يومياً في حياتنا؟ لماذا يريدون تشويه صورة المرأة وجعلها في إطار “العار”؟ ألا توجد قصص بعيدة عن العنف أو تعطي حلولاً لمكافحته ونبذه؟ هل الحياة في القرن الماضي بشعة لهذه الدرجة التي نراها في المسلسلات التي تُكرر نمطية التعذيب في السجون العثمانية أو الفرنسية ونحن في الحقيقة نعيش أبشع منها في السجون الحالية؟
في الواقع نحتاج لثورة على الدراما تُعيد ألقها وتُبرز نجاحات السوريين وتبيّن حقائق ما يتعرّضون له من معاناة بسبب مطالبتهم بالحرية والكرامة.
Sorry Comments are closed