يكاد لا يمر يوم في لبنان دون حملات تحريض على اللاجئين السوريين، وإن كان لا يمكن لعاقل ان ينكر حجم الأعباء التي رتبها اللجوء السوري في لبنان على كاهله. فبلد بحجم لبنان وقلة موارده وضعف إمكاناته تحمل عبأ أكبر بكثير من قدرته، وجاءت أزماته السياسية والاقتصادية لتزيد لا من حجم المشكلة فحسب، بل أيضا من مستوى التحريض.
كان وزير الدعاية النازي جوزف غوبلز يقول “اكذب واكذب واكذب حتى يصدقك الناس”، ويبدو أن هذه السياسة لا تختلف عن السياسة المتعلقة باللاجئين السوريين في لبنان وتعاطي السياسيين اللبنانيين معها.
بدأت أزمة اللجوء السوري إلى لبنان منذ بداية الثورة السورية وإعلان بشار الأسد حربه على السوريين، أي منذ 12 عاما. ومنذ اللحظة الأولى رفضت الحكومة اللبنانية تنظيم اللجوء والتعاطي مع الملف كملف سيادي، بل كان الملف يستخدم في المناكفات السياسية كغيره من الملفات في لبنان.
اليوم تعلو الصرخة مع تردي الوضع الاقتصادي والمالي الذي يعاني منه لبنان ضد اللاجئين. فيحمل السياسيون اللاجئ مسؤولية جميع الأزمات التي حلت بالبلاد، متجاهلين عن قصد أن سبب الأزمة في لبنان هو أولا وقبل كل شيء وجود ميليشيا خارج إطار الدولة، أي ميليشيا “حزب الله”، والويلات التي لحقت بلبنان وعلاقاته الإقليمية والعربية جراء التدخل العسكري والسياسي والعمليات الإرهابية التي قام بها الحزب لا في سوريا فحسب، بل في دول عربية عدة.
يتجاهل السياسيون هؤلاء مواقف وزير الخارجية السابق رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل وما تسببت به من أزمات ديبلوماسية بين لبنان ودول عربية وما لحق ذلك من وقف الاستثمارات العربية في لبنان، ويلقون بسبب الأزمات على اللاجئ السوري. يتجاهلون حجم الفساد الذي ضرب جميع القطاعات في لبنان، وكلف لبنان مليارات الدولارات. يتجاهلون كل الأسباب ويصوبون في اتجاه اللاجئ فقط لا غير.
ويتجاهل المحرضون أن “حزب الله” كان شريكا لنظام الأسد منذ اللحظة الأولى بقتل السوريين وتهجيرهم واحتلال منازلهم. يتحججون أن الوضع في سوريا آمن ولذلك يجب إعادة السوريين ولو بالقوة، متناسين أن السوريين هربوا من نظام الأسد الذي اعتقل المئات ممن عادوا طواعية، وقتل في سجونه المئات ممن كان قد أعلن أنه عقد معهم مصالحات وتسويات.
يتابعون تحريضهم قائلين إن السجون اللبنانية مليئة بالسوريين، وهذه حقيقة، ولكن يتجاهل المسؤولون اللبنانيون عند الحديث عن أعداد السوريين في السجون أن يخبرونا كم عدد من ارتكب منهم جريمة وهو بالتأكيد يجب أن يكون في السجن وأن يحاكم وأن تنزل بحقه أشد العقوبات، وبين من هو بالسجن بسبب رفض المسؤولين نفسهم تسوية أوضاعه أو تجديد إقامته.
يتحدثون عن آلاف الدولارات التي يقبضها اللاجئ السوري في لبنان، فيصدر خبر مفاده “أن مفوضية اللاجئين تقدمت بطلب منذ فترة لوزارة الشؤون الاجتماعية لدولرة المبالغ التي تعطى للاجئين السوريين بالليرة، على أن تصبح على الشكل التالي: 45$ للعائلة و20$ للفرد”، ولكن الوزارة رفضت. لا يعير أحد اهتماما للخبر، فهو يتعارض مع دعايتهم أن اللاجئ يقبض بالدولار بينما المواطن اللبناني يعاني ولا يجد ما يكفيه لدفع فواتيره وإطعام أولاده.
اللاجئ السوري كما المواطن اللبناني، يموت غرقا في مراكب الموت هربا من الحالة التي يعيشها في لبنان. والمسؤول بدل ان يجد حلا لمشاكل الشعب اللبناني أولا يفرح بأن هناك شماعة بحجم شماعة اللجوء السوري ليحملها مسؤولية الفشل في جميع القطاعات والانهيار الذي طال لبنان ومؤسساته وليرته
يعلن الأساتذة والمعلمات والمتعاقدون مع وزارة التربية والتعليم اضرابا مفتوحا مطالبين بتلبية شروطهم وتحسين رواتبهم بعد الانهيار الكبير الذي أصاب الليرة اللبنانية، فيأتي الرد بحرمان الأطفال السوريين من التعليم، علما أن الوزارة تتلقى مبلغا ماليا من الدول المانحة عن كل طفل سوري على مقاعد الدراسة في المدرسة الرسمية اللبنانية، إضافة إلى تكفل المانحين بتحسين البنية التحتية في المدارس وتجهيزها وتزويدها بالوقود، أي أن السوري في المدرسة الرسمية يأتي بالمال للقطاع التربوي اللبناني ولا يكلف الوزارة أو الحكومة شيئا، بل أيضا ساهمت هذه الأموال بخلق آلاف الوظائف لمدرسين ومدرسات لبنانيين.
يتحدث السياسيون في معرض تحريضهم على اللاجئين السوريين عن آلاف المخيمات العشوائية وأضرارها، ولكنهم يتناسون أن يخبروا المواطن اللبناني كيف عرقل “حزب الله” والتيار الوطني الحر خلال ال12 عام تنظيم المخيمات وإقامة مخيمات شرعية بإشراف الحكومة اللبنانية والأمم المتحدة، وكيف فشلت الحكومات اللبنانية بوضع يدها على الملف.
حكومات لم تقدم أي خطة جدية لحل مشكلة بحجم مشكلة اللجوء السوري، بل اكتفت بحملات شعبوية اسمتها زورا “خططا”. مرة لتبرر تواصلها مع نظام الأسد ومرة لتستخدم الملف كملف ضغط داخلي بين الأحزاب. خطابات عنصرية تعلو عند كل استحقاق، تلهي اللبنانيين عن سبب مأساتهم، وكما يقول المثل “القلة تولد النقار”. تلعب الحكومة وأحزاب وجهات لبنانية سياسية ودينية عدة باستهتار بهذا الملف، دون إدراك حجم المخاطر المترتب على هذه “اللعبة”.
اللاجئ السوري كما المواطن اللبناني، يموت غرقا في مراكب الموت هربا من الحالة التي يعيشها في لبنان. والمسؤول بدل أن يجد حلا لمشاكل الشعب اللبناني أولا يفرح بأن هناك شماعة بحجم شماعة اللجوء السوري ليحملها مسؤولية الفشل في جميع القطاعات والانهيار الذي طال لبنان ومؤسساته وليرته.
ما تقدم لا يعني بأي حال من الأحوال أن ملف اللاجئين السوريين لا يشكل عبأ كبيرا جدا على لبنان. ما تقدم هو للقول إنه وحتى هذه اللحظة لا يوجد أي مقاربة حقيقة لحل هذه الأزمة، بل على العكس يمكن القول إن عبء اللجوء السوري في لبنان يعطي الحكومة اللبنانية غطاء لتحمله سبب فشلها.
عذراً التعليقات مغلقة