لم يدرِ بأن حماسه الثوري سيدفعه لفعل يُسجّله التاريخ المعاصر لسوريا، كما أنَّه دفع ثمن مشهدٍ يستذكره السوريون في كلّ عام كحدث مفصلي، عندما كسر حاجز الخوف من قلوبهم في محافظة حمص خاصة والبلاد عامة، قبل اثني عشر عاماً.
في 25 آذار/مارس 2011، صعد أحد أبطال الثورة المنسيين إلى مبنى نادي الضباط في مدينة حمص، وقام بتمزيق صورة حافظ الأسد التي لا أحد يستطيع النظر إليها من شدّة الخوف.
كان ذلك المشهد الذي يصفه السوريون بـ “المهيب والرهيب” في مظاهرات “جمعة العزة”، والذي تزامن بمشهد تحطيم تمثال حافظ الأسد في مدينة درعا.
خضر الحمصي 36 عاماً، ما تزال ندوب التعذيب الوحشي الذي تعرّض له في سجون نظام الأسد على مدار ست سنوات، باديةً على جسمه، وخاصة منطقة الظهر وتؤلمه في كثير من الأحيان، ما جعلته شبه عاجزٍ عن العمل.
يسلط موقع “تلفزيون سوريا” الضوء في هذا التقرير على ذكرى “جمعة العزة” وبطلها الشاب خضر الحمصي الذي يروي تفاصيل ذلك اليوم والحدث المهم في تاريخ الثورة السورية.
ويقول خضر، إنَّ مشاركتي في تلك المظاهرة كانت مثل مشاركة بقية الأحرار في مدينة حمص وكان المتظاهرون يهتفون عند الساعة الجديدة في سوق المدينة هتافات “بالروح بالدم نفديك يا درعا، وحرية حرية إسلام ومسيحية” لتتحوّل المطالب حينذاك إلى “الشعب يريد إسقاط النظام”.
ويضيف، أن شرطة النظام كانت موجودة في الطرف المقابل للمتظاهرين، واشتدت المواجهات من قبلهم مع مؤازرة شبيحة ورجال أمن، فحدث عراك مباشر إذ دافع المتظاهرون عن أنفسهم ببعض الحجارة على أطراف الطريق مقابل سلاح ناري وعصي كهربائية (هروانات) وجنازير حديدية طويلة يرميها الشبيح على المتظاهر لتلتف عليه ويتم اعتقاله.
ومع اختناق المتظاهرين بسبب القنابل المسيلة للدموع والترهيب بالسلاح الناري عليهم، واعتقال ما يزيد عن خمسين شخصاً، تراجعوا راكضين حتى وصلوا إلى مقر نادي الضباط في حمص، وتجمَّع المتظاهرون في ذلك الشارع، وكان المشهد مهيباً جداً من صوت الهتافات، يتابع “خضر”: “وهنا صعدتُ فوق السور الموجود على النادي ومزقت الصورة التي تغطي واجهة النادي من شدة حماسي”.
مرحلة الاعتقال
بعد مرور شهرين من تلك الواقعة الشهيرة، وبالتحديد في 20 أيار/مايو 2011، اعتقلت قوات النظام الشاب خضر الحمصي، لمدة سبع سنوات، حيث أفرج عنه في أواخر تشرين الثاني/نوفمبر من عام 2017.
يقول الشاب الحمصي، أمضيت فترة الاعتقال كلّها في سجن المنفردة متنقلاً بين كلّ فروع الأمن في حمص وبعدها فروع دمشق.
ويضيف قائلا، إن النظام وجّه لي عدة تهم كانت تقريباً موجّهة لكلّ معتقلي المظاهرات وهي حيازة أسلحة واستهداف حواجز النظام، وكانت قضيتي عسكرية كون المكان الذي اتهمت فيه عسكرياً (نادي الضباط) وبعد القضاء العسكري نقلوني للقضاء المدني.
في أول عامين من الاعتقال تولت قضيتي محامية أوكلها أهلي لمتابعة أمري، لكن لم تفلح الجهود بالإفراج عنّي حتى أمضيت ست سنوات من عمري وأنا أتعرّض للتعذيب بشكل شبه يومي، ويبدو كانت تهمتي “خطيرة” كوني أمضيت فترة السجن في منفردة، كما أنّي كلّما أدخل إلى فرع أمن يستجوبني رئيس الفرع مباشرةً وفي المعتاد يكون تعامله مع المتهم بهدوء، وأسئلة رؤساء الفروع لي كانت تتمحور حول المظاهرات وتحديداً كيفية الهجوم على نادي الضباط وعندما أنكر ذلك، يتم توجيه الأوامر للعناصر بقوله: “خدوا لبرا بس لا تعذبوه”.
لكن في الحقيقة يكون الطلب بالتعذيب كما هو معروف في تعامل المحققين والعناصر مع السجناء.
ومن أساليب التعذيب يذكر خضر منها: “شبح على الباب” وهو أن يقف المعتقل على رؤوس أصابع رجليه ويديه للوراء مربوطة بجنزير، ويتم رفع هذا الجنزير على باب المنفرد، ليبدأ الضرب بعصي الماء الخضراء والعصي الكهربائية.
هذا التعذيب أسفر عن جروح، خاصّة في الظهر وعدم علاج الجروح والكدمات وتنظيفها من الأوساخ والدماء ينتج عنها التهابات وفتح الجلد يُرى منه اللحم، ورغم أنّي أطلق سراحي منذ ست سنوات إلا أنَّ آثار الضرب موجودة في ظهري وتُسبّب لي ألماً شبه ملازم.
وعن حياته الحالية يُشير إلى أنَّه يعيش في مخيمات ريف حلب الشرقي بعيداً عن أهله، ولا يرغب بالظهور الإعلامي حرصاً على سلامتهم، كما أنَّه رغم معاناته يرى نفسه لم يُقدّم كثيراً للثورة مقارنةً بغيره، مضيفاً أنَّه قبل بداية الثورة كان يعمل في مجال الدهان وديكورات الجبس، ولم يستطع النجاح بالبكالوريا حينذاك، لذلك ينوي استكمال دراسته.
نتائج يوم 25 آذار في حمص
شكّل يوم 25 آذار 2011 نقطة تحوّل في حمص وبات شعار “إسقاط النظام” حديث الشارع، لتزيد بعدها وتيرة المظاهرات ويزيد الإصرار على المضي في درب الثورة.
ويقول الناشط الإعلامي سليمان أبو ياسين، لـ تلفزيون سوريا: إنّه من نتائج تلك المظاهرة: “كسر حاجز الخوف في أحياء حمص، خاصّة تمزيق صورة حافظ الأسد التي تُعدّ رمزاً للنظام، وأصبح هناك حافز للخروج بمظاهرات لاحقة، فكانت نقطة تحوّل في المنطقة لاستمرار المظاهرات واللحاق بصفوف المتظاهرين”.
ويضيف: “كنّا نتوقّع خروج المظاهرة، لذلك تجهّزنا قبل يوم ببعض المواد التي من الممكن أن تقينا من الغازات المسيلة للدموع، وفي ذاكرتنا بعض هتافات ثورة يناير في مصر”.
ويوضح أبو ياسين، أن أول موقف لشرارة المظاهرة في أثناء صلاة الجمعة في مسجد النور في حي الخالدية كان الانتشار مكثفاً للأمن، وأحد الشبان اقترب من رجال الأمن وطلب منهم الابتعاد وعند محاولتهم أخذه خرج المصلون من المسجد قبل إتمام خطبة الجمعة، لكن لم يستطع المصلون التظاهر هناك، فكان تجمُّع المتظاهرين عند الساعة الجديدة في سوق المدينة.
البداية كانت مواجهات المتظاهرين بالحجارة والأمن بالعصي الكهربائية والسلاح، واحترقت سيارة عسكرية على باب النادي.
ويذكر “أبو ياسين”، أنَّه صوّر أربعة مقاطع فيديو بجواله، قائلاً: “ركضنا من ساحة الساعة الجديدة لغاية حي البياضة والأمن يلاحقنا، تم انتشار المتظاهرين بأكثر من حي، وفي حي دير بعلبة خرجت مظاهرة من مسجد أبو بكر الصديق واتجهت نحو السوق، فتجدّدت المواجهات مع الأمن بما يُشبه مواجهة الفلسطينيين بالحجارة للاحتلال الإسرائيلي، بعدها هجم رجال الأمن بقوّة كبيرة اضطررنا للرجوع، الطرقات كانت مقطوعة، وانتهى اليوم بحرق إطارات السيارات”.
مواقف عظيمة وأخرى طريفة
بدوره، غزوان النكدلي، أحد ناشطي حمص، يشير لموقع تلفزيون سوريا، إلى مواقف عظيمة في ذلك اليوم تُعبّر عن الرقيّ بالشارع السوري بعيداً عن السطوة الأمنية، ومنها أن تصدّى حينها الحاج السبعيني أبو راكان المهباني لضابط شرطة بقوله: “لا تكونوا طرفاً ضد طرف، نحن نتظاهر هنا وهم يتظاهرون هناك.. هذا الوطن يتسع للجميع”. بينما لم يقترب المتظاهرون من سيارة لونها أسود دخلت بالخطأ بين المتظاهرين لضابط مع زوجته وابنه يحمل صورة بشار الأسد، وقاموا بتوجيه الضابط للطريق ليذهب إلى جماعته.
ومن المشاهد الطريفة التي شهدتها هذه المظاهرة، يذكر “النكدلي”: “شاب أغمي عليه من الغازات فحملوه على الأكتاف وهتفوا (لا إله إلا الله والشهيد حبيب الله)، بينما شاب آخر صعد على عامود الإنارة ووصل لنهايته لم يكن يحمل شيئاً، فرفع إشارة النصر بيده، فيما التبس الأمر على المتظاهرين عندما قدم إليهم متظاهر سحب صورة بشار من يد شبيح وركض نحوهم، فظنّوه شبيحاً وهجموا عليه ضرباً”.
ويشير “النكدلي” إلى مشاركة بعض سيارات الإسعاف في الهلال الأحمر باعتقال المتظاهرين حينذاك كان يسوقها عناصر مخابرات، كما حشدت المخابرات شبان القرى الموالية وتوافدت الحافلات تباعاً لمكان المظاهرة، واستطاع عدد من الشباب أن يردّوهم من جهة الكورنيش.
ويقول: إنَّ النظام طوّق حي جورة الشياح يومها من طريق الكورنيش بجهتي الغرب والجنوب، ومن طريق حماة بجهتي الشمال والشرق من هنا دخلوا الحي وبالتحديد لعند شارع مسجد الفتح، واعتدوا على البيوت وكسروا زجاج المحال وأرعبوا الناس واعتدوا بالضرب على البعض. لافتاً إلى شدة الرعب في صفوف النظام داخل نادي الضباط حسبما قال مجند من درعا انشق منه حينها، وكانت روايتهم للمجندين “سلفيين أرسلهم الوليد بن طلال ليقتلوا السوريين ويخربوا البلد”.
عذراً التعليقات مغلقة