تكرّرت حوادث الاغتيال والخطف والاشتباكات في مدينة تلبيسة شمال محافظة حمص خلال الأشهر الثلاثة الماضية، وتحوّلت لعمليات ثأر، وآخر حوادث إطلاق النار كانت من قبل شبان ليلة الأربعاء/الخميس الماضية، مهدّدين أفراد مقر للأمن العسكري بالاقتحام إن لم تفرج ميليشيات الأسد عن شخصين من وجهاء المدينة.
وفي تصريح خاص لشبكة “آرام” يقول نضال العكيدي أحد أبناء تلبيسة، إنَّ المخابرات الجوية نصبت كميناً في مدينة حمص، يوم الأربعاء الفائت، بهدف سرقة مبلغ مالي كبير بالدولار الأمريكي يحمله عبد الواحد الضحيك أحد وجهاء وتجار تلبيسة وبرفقته عيسى الضاهر المعروف بعلاقته الأمنية مع النظام وأحد رجالات التسوية.
ويوضح أنَّ عناصر الحاجز المؤقت هاجمت الشخصين بالضرب المبرح حيث كسر أنف “الضحيك” وكسرت رجل “الضاهر”، مع إهانتهما بطريقة وحشية وبعد مرور ساعات تجمّع عدد من الأهالي أمام مقر الأمن العسكري للمطالبة بهما، وتم التهديد عبر إطلاق النار باقتحام المقرات والمفارز الأمنية في المنطقة حال لم يتم الإفراج، ليفرج عنهما لكن دون تسليم المبلغ المالي.
وفي السياق ذاته، ذهب عدد من الوجهاء لمقابلة رئيس فرع المخابرات الجوية العميد شفيق فياض في مدينة حمص وهو حديث عهد في هذا المنصب، وحسب “العكيدي”، فإنَّ الأهالي يتعاملون مع الأمن العسكري التابع لروسيا ولا يتعاملون مع المخابرات الجوية التابعة لإيران.
عمليات انتقام وثأر
أدت كثرة عمليات الخطف مقابل الفدية والسطو المسلح التي يقودها القيادي السابق في “جيش التوحيد” محمد خليل دريعي (أبو جنيد) مدعوماً من كتيبة تابعة لمّيليشيا “حزب الله”، يقودها الشيعي المنحدر من قرية النجمة “جعفر جعفر” إلى غضب قادات بعض المجموعات في تلبيسة ومحاولتهم اغتياله للانتقام منه والتخلّص من إيذائه لأبناء المدينة.
وعند عودة مدحت الضحيك (قيادي سابق في جيش التوحيد)، إلى مدينته تلبيسة قبل أشهر قادماً من لبنان، تعرّض قريبه “ماهر الضحيك” لعملية سطو أدت لمقتله وأظهرت التحقيقات وقوف “أبي جنيد” وراء هذه الجريمة، فحاول “الضحيك” الثأر عبر استهدافه لـ”أبي جنيد” برصاصة أصابت قدمه في أحد أعراس المدينة (أيلول 2022)، بينما اتهم “أبو جنيد” مدحت الضحيك، بمقتل صهر (أبي جنيد) من عائلة “كنعان” باشتباك على مدخل مدينة تلبيسة، في الصيف الماضي. بحسب مصدر محلي من تلبيسة لشبكة “آرام”.
وكان مقتل “محمد الأسود” الملقب بـ”محمد الضميري” المسؤول عن تجارة المخدرات وحمايتها على طريق حمص – حلب، قد أجّجت عمليات الثأر في تلبيسة، كون ذوي “الأسود” اتهموا “أبا جنيد” بتسليمه لـ”جعفر” الذي قتله ورمى جثته مقطعة في ساقية مياه على أطراف تلبيسة الشرقية، وذلك ليكون عبرة لغيره كي يحافظوا على سيارات المخدرات، بعد اختفاء سيارة قرب تلبيسة.
في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2022 نجا “أبو جنيد” من إطلاق نار ليرد بمهاجمة منزل خصمه مدحت الضحيك، حيث دخل بسيارة مدنية سلبها من أصحابها قبل دخوله مدينة تلبيسة، وعندها تم تبادل إطلاق النار ما أسفر عن مقتل “ماجد حمادة” مرافق “أبي جنيد” وإصابة شقيقه، وأصيب “الضحيك” برصاصة في فمه، كما قتل “محمد سعيد كان يلاحق أبي جنيد على دراجته النارية، وقتيبة الضيخ كان متواجداً في الساحة مصادفةً”.
وفي 28 تشرين الثاني/نوفمبر 2022، عثر على “أبي جنيد” مقتولاً على أطراف تلبيسة وتم نقل ابن عمه المصاب “محمد أبي سارة” إلى المستشفى، ليهاجم بعدها بيومين اثنان من أقارب “أبي جنيد” فرن خبز يعمل فيه اثنان من عائلة “الأسود” المتهمة باغتيال “أبي جنيد”، ما أسفر عن مقتل صاحب الفرن “رحمون الطه”، وإصابة الشخصين، لتقوم عائلة القتيل “الطه” الملقبة بـ”السيد” بالهجوم على عائلة “الخليل الدريعي” في شارع الكرامة بتلبيسة حيث وجدوا منازلهم فارغة فأحرقوها. بحسب المصدر المحلي لـ”آرام”.
وأشار إلى توقيع صلح بين العائلتين “عزو الخليل الدريعي وأبو سمير الأسود” وذلك في مسجد المصطفى، يوم السبت (7 يناير/كانون الثاني) اتفقا حسب وثيقة العهد، على التوقف عن ملاحقة بعضهم واستبعاد الأشخاص المتهمين بجرائم القتل وضمان تسليمهم للشرع حال استدعى الأمر.
أسباب زعزعة الأمن في تلبيسة
يؤكد ناشطون لـ”آرام” أنَّ “عدم استتاب الأمن” في مدينة تلبيسة جعل الأهالي يعيشون في قلق مستمر، وتكررت حالات “الخطف مقابل الفدية” ومنها خطف فتيات ونساء أثناء محاولتهن دخول مدينة حمص، وكان المسؤول المباشر عنها “أبو جنيد” وآخرها دفع فدية قيمتها نحو 30 ألف دولار للإفراج عن طبيب من عائلة “أرمنازي”.
ورغم ارتباط متزعمي الميليشيات (قادة سابقين أجروا تسوية) بالأمن العسكري إلا أنَّهم يمنعون “الأمن” من اعتقال أيّ مطلوب أو مداهمة منزله، إلا بأمر منهم فهم من يسلّم أيّ مطلوب ويحق لهم عدم تسليمه كذلك الأمر مع الشبان الذين يتوجب عليهم الالتحاق بالخدمة الإلزامية في “الجيش”.
ويعتقد الناشطون أنَّ “تعدّد الولاءات لأفرع النظام وكثرة القادات” من أهم أسباب زعزعة الأمن في تلبيسة على عكس مدينة الرستن المجاورة التي يحكمها “خيرو الشعيلي” بقبضة أمنية واحدة، إضافة إلى كون تلبيسة منطقة مفتوحة على قرى موالية للنظام (علوية/شيعية)، وأنشأ النظام فصيلاً تحت مسمّى “سرايا المقاومة” ليتبنى عمليات الاغتيال أو الخطف والسرقة.
وفي المجمل، يعمل النظام على زرع الفتن وتغذيتها، خاصة مناطق “التسويات” التي ثارت سابقاً ضده، وتمثّل مدينة تلبيسة التي كان يسيطر عليها “جيش التوحيد” بقيادة منهل الضحيك (منهل الصلوح) الذي استلم زمام الأمور في المنطقة بدعم روسي في أيار/مايو 2018، أنموذجاً لما يريده النظام من إغراق المجتمع وفساده بالمخدرات والعمليات الانتقامية، وما نتج عنها من تزعم أشخاص أشبه بمافيات تحكم المنطقة لكلّ زعيم منهم كتيبة تضم عناصره.
يذكر أنَّ النظام يتعمّد التخلّص من أزلامه عند انتهاء مهامهم أو لمخالفتهم أمر، إذ اعتقل “الصلوح” في 15 تموز 2019، عبر كمين على طريق حمص – حلب، بتهمة الاتجار بالمخدرات، ونُقل إلى سجن المزة العسكري، ومنه إلى سجن عدرا ثم إلى صيدنايا، وفي 11 أيلول/سبتمبر 2022 أقيمت صلاة جنازة الغائب عليه في تلبيسة لورود خبر مقتله في السجن إلا أنَّ مقتله بقي دون تأكيد.
عذراً التعليقات مغلقة