حول لقاء أردوغان-الأسد المرتقب

فريق التحرير7 يناير 2023آخر تحديث :

مقدمة:

تسارعت خطوات القيادة التركية باتجاه التقارب مع النظام السوري، خاصة بعد إعلان الرئيس التركي طيب رجب أردوغان، في 15 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، عن عرضٍ قدّمَه للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أثناء لقائه به في تركمانستان، بشأن إحداث آليّة لتفعيل المسار الدبلوماسي مع النظام السوري بشكل ثلاثي، عبر خطوات ثلاث تبدأ بلقاء وزيري الدفاع، ثم وزيري الخارجية، وتُتوّج بلقاء بين الرئيس التركي ورئيس النظام السوري بحضور الرئيس الروسي.

تتنوع الدوافع التي دعت الرئيس التركي لاستعجال إعلان رغبته في لقائه رئيس النظام السوري، في هذه المرحلة، قبيل الانتخابات البرلمانية والرئاسية التركية المقرر إجراؤها في حزيران/ يونيو 2023، وهو أمرٌ كان مستبعدًا عند الرئيس التركي، قبل أن يصرّح أنه “ليس هناك خلاف واستياء أبديّ في السياسة”[1]، ما يعكس حجم القلق الذي يعتري الحزب الحاكم ورئيسه تجاه الانتخابات القادمة، من جراء ضغوط المعارضة التركية بورقة تداعيات اللجوء السوري، وانعكاسات التدخّل التركي في أكثر من دولة في الإقليم، حيث أدى ذلك إلى بعض التوتير في علاقاتها بتلك الدول.

 تناقش هذه الورقة دوافع خطوة التقارب التركية مع النظام السوري، وحظوظها من النجاح، وتستعرض الواقع الجيوسياسي الإقليمي والدولي حول الملف السوري، ومواقف الأطراف الفاعلة فيه من التقارب المرتقب، ومصلحتها في تسهيل وإنجاح هذا اللقاء، أو إفشاله، وسيناريوهات احتمال حدوث هذا اللقاء، والاستحقاقات والتداعيات التي قد تترتب عليها في حال حصولها.

أولًا: الموقف التركي

لا تبدو تركيا في أحسن حالاتها، بعدما انتقلت من واقع صفر مشاكل، إلى مجموعة متزايدة من المشاكل مع/ وفي أكثر من دولة في الإقليم، ولذا يسعى أردوغان إلى تقليص حجم التوتر مع بعض الدول، مثل السعودية والإمارات ومصر.

 داخليًا، استطاع تحالف أحزاب المعارضة الستة، وإلى جانبه أكبرها وأقدمها “حزب الشعب الجمهوري” الذي يقوده كمال كليجدار أوغلو، أن يجعل تداعيات أزمة اللاجئين السوريين ورقة ضاغطة على الحزب الحاكم، ولا تدخر تلك الأحزاب جهدًا في محاولتها تخريب لقاء أردوغان-الأسد المرتقب، حيث بعث حزب الشعب الجمهوري برسالة إلى رئيس النظام السوري، يعِدُ فيها بأنه -في حال فوزه في الانتخابات- سيعمل على تلبية شروط النظام السوري كافة، ويسحب القوات التركية من الأراضي السورية، ومن ضمنها إدلب، ويدفع تعويضات للنظام السوري[2].

وقد أضيفت إلى الملف، في هذا التوقيت، قضية الحُكم الذي صدر بسجن أكرم إمام أوغلو، رئيس بلدية إسطنبول، سنتين وسبعة أشهر، ويُعدّ إمام أوغلو الذي يحظى بدعم فئة الشباب منافسًا محتملًا لأردوغان على منصب الرئاسة، الأمر الذي رأت فيه المعارضة، من حيث توقيته، إبعادًا له من حلبة المنافسة، وهو ما قد يحمل مخاطر على خطط الرئيس، بخاصة إذا ارتفعت الدعوات ليكون مرشح كتلة المعارضة، إذا يئسَ كمال كليجدار أوغلو من اتفاقهم على ترشيحه.

يستهدف أردوغان من الخطوات التي ستتخذها تركيا، بخصوص النظام السوري، تحقيق مصالحها الوطنية، خاصة إبعاد التنظيمات التي تصنّفها تركيا “إرهابية” عن حدودها الجنوبية، وفق تصريحات معظم المسؤولين الأتراك، مما يدلل على أن أهمّ ما يريده أردوغان، من هذا التحرك، تعديل اتفاقية أضنة التي عقدت عام 1998 بين الطرفين، بحيث تتمدد ضمن صيغةٍ ما إلى منطقة آمنة بعمق لمسافة 30 كم، بدلًا من 5 كم، بعدما يئس من موافقة الولايات المتحدة على إعلانها وفرضها.

ثانيًا: الموقف الروسي

طالما اجتهد الروس، في سياق تثمير “انتصارهم العسكري” في سورية، لتأمين تنسيق معين بين تركيا والنظام، الأمر الذي عُبّر عنه بمسار آستانة واجتماع سوتشي. والآن، بعد أن توّرط بوتين بغزوه لأوكرانيا، فقد بات الموقف الروسي أقلّ تأثيرًا ونفوذًا في سورية، وهذا لا يخفى على الأسد، كما لا يخفى على حليفته إيران، وباتت مصلحة روسيا أكبر من قبل في تحسين علاقات تركيا مع الأسد، لتكون منافسًا لإيران أيضًا، ولن يكون من الصعب على روسيا التفاهم مع تركيا حول مصالحها في سورية. وعلى الرغم من ترحيب القيادة الروسية بطلب الرئيس التركي تأمين لقائه بالأسد، فإن تصريحات بعض المسؤولين الروس البارزين، تعقيبًا على الطلب، تحمل رسالة مفادها أننا منفتحون على المحاولة، لكنها ليست مضمونة بالتوقيت الذي تريده[3].

من جهة أخرى، لا تثق تركيا كلّ الثقة باتفاقاتها مع روسيا، فقد عقدت تركيا عددًا من الاتفاقات مع روسيا، ولم تلتزم روسيا بتنفيذ بنودها، ما ترك توجّسًا عند الأتراك حيال عدم التزام الروس بما يوقعون عليه[4].

ثالثًا: الموقف الأميركي

لا تني الممارسة الأميركية في شمال سورية أن تؤكد أن قواتها باقية في سورية، وأنها ملتزمة بتحالفها مع “قوات سوريا الديمقراطية/ قسد”، لمحاربة تنظيم (داعش)، وقد أكدت رفضها القاطع لأي عملية برية تركية على الحدود السورية التركية، وسيّرت دوريات مشتركة مع قوات (قسد) في مدينة الرقة، وأعلنت القيادة المركزية للجيش الأميركي (سنتكوم)، في 16 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، أنها “ما تزال ملتزمة بمواجهة التهديد العالمي من داعش، بالشراكة مع القوات المحلية”، والمقصود بالمحلية هنا “قوات سوريا الديمقراطية”[5].

وقد جددت الولايات المتحدة موقفها الحازم الرافض لأي تطبيع للعلاقات بين أنقرة ودمشق، إذ قال المتحدّث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس، يوم الثلاثاء 4 كانون الثاني/ يناير 2023، إن بلاده لا تدعم الدول “التي تعزّز علاقاتها أو تعرب عن دعمها لإعادة الاعتبار لبشّار الأسد، الدكتاتور الوحشي”[6].

رابعًا: الموقف الإيراني

توضّح الوقائع على الأرض أن النفوذ الإيراني في سورية بات مستحكمًا، أكثر من أي طرف آخر، ويبدو موقف إيران من لقاء أردوغان والأسد متناقضًا، فهي من جهة ترحب بأي خطوة في طريق عودة علاقات الأسد مع الأسرة الدولية، ولكنها من جهة أخرى لا ترى مصلحتها بأن تحوز تركيا نفوذًا في سورية، فهي المنافس القوي لإيران في سورية، ولديها نقاط قوة أكثر من إيران في حال عودة العلاقات بين البلدين إلى طبيعتها، وقد عارضت بشدة، مع حليفها الروسي، العملية العسكرية البرية في اجتماع آستانة، الذي عقد في العاصمة الكازاخية بتاريخ 17 حزيران/ يونيو 2022، حيث تجاهل البيان الختامي المطلب التركي بشن عملية عسكرية في منطقتي منبج وتل رفعت، علمًا أن هناك ميليشيات تابعة لإيران في مدينتي نبل والزهراء، وطريق الوصول إليهما يمرّ عبر تل رفعت.

خامسًا: موقف النظام السوري

بلغ الوضع السوري حالة يصعب تدارك تدهوره، فالاقتصاد يعاني تراجعًا حدّ الانهيار، والنظام بات عاجزًا عن توفير المحروقات وتأمين أبسط مستلزمات الحياة للناس المقيمين في مناطق سيطرته، وبدأ هذا الوضع يُنذر بشلل عمل المؤسسات الحكومية، فالأزمة شاملة وشديدة، خاصة أن حليفيه الروسي والإيراني باتا غارقين بأزماتهما الاقتصادية بفعل العقوبات، وعاجزين عن مساعدته اقتصاديًا، ويقع بشار الأسد تحت ضغوط مركبة متضاربة في اتجاهاتها. فمن جهة، سيجد النظام السوري مصلحة له بتطبيع علاقته مع تركيا، إذا تجاوب الأتراك مع بعض من مطالبه المهمّة، على أمل بأن يكون ذلك خطوةً على طريق فك عزلته السياسية، العربية منها والدولية. ولكنه يقع تحت ضغوط إيران التي ترى في تركيا منافسًا قويًا لها في سورية، وضغوط روسيا من جهة أخرى، التي لها مصلحة في حدوث اللقاء وتطوير العلاقات، كما يقع تحت أوهام أن تحسين العلاقات مع تركيا الآن سيساعد أردوغان في الانتخابات التركية القادمة، في حين أن وعود المعارضة التركية تغريه أكثر.  وفي النهاية، لم يعد الأسد سيّد قراره.

سادسا: استنتاجات

يعكس لقاء وزراء الدفاع الروسي والتركي والسوري، بتاريخ 28 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، استعجال الأطراف بفعل الدوافع الضاغطة عليها، من أجل إحراز تقدّمٍ ما على هذا الطريق، لذلك تكثر التكهنات والتوقعات -وهذا طبيعيّ- حول حظوظ الجهود الرامية إلى جمع الرئيسيين من عدمها، والفوائد التي قد يجنيها كل طرف، والعقبات القائمة في وجه كل احتمال.

قد تنجح الجهود في عقد مثل هذا اللقاء، قبيل الانتخابات التركية، ربما يكون ذلك في آذار/ مارس القادم، حسب بعض التوقعات. ويبدو أن الرئيس التركي يستعجل هذا اللقاء، بغية تحقيق عدة أهداف، وخاصة إضعاف تأثير ورقة اللاجئين السوريين، التي تحاول المعارضة استثمارها كورقة انتخابية، وتأمين موافقة النظام السوري وحلفائه على تعديل اتفاقية أضنه بصيغةٍ ما، بحيث تغطي عمق الـ 30 كم التي يريدها أردوغان منطقة آمنة، يُعيد إليها بعض اللاجئين السوريين ويتخفف من عبئهم. ومن جملة الأهداف توجيه رسالة للداخل التركي مفادها أن تركيا تسعى لتحسين علاقاتها مع دول الإقليم التي تعاني توترات، وأولها سورية، وأن هناك توجّهًا تركيًا جديدًا يخدم السلم الإقليمي، ويخفف من آثار الحروب القائمة (الدور التركي في الحرب الأوكرانية).

بينما يأمل الأسد أن يحصل على فتح الطريق  (إم 4) الذي يربط حلب بالساحل السوري، وانسحاب القوات التركية من الأراضي السورية غرب وشرق الفرات، والتخلي عن المعارضة السورية بشقيها السياسية والعسكرية، أو دفعها للبحث عن تسويات مع النظام بعيدًا عن القرارات الدولية، وإضعاف “قوات سوريا الديمقراطية”، وإرغامها على فك ارتباطها بالأميركان والعودة إلى حضن النظام، وكسر العزلة السياسية الخانقة التي يعانيها النظام، فهناك أكثر من دولة عربية وأوروبية ستجعل التطور التركي ذريعةً لتطبيع علاقاتها مع النظام، والاستفادة في المجال الاقتصادي، حيث يعاني اقتصاده تدهورًا غير مسبوق.

غير أن هناك عددًا من العقبات تقف أمام خروج نتائج ملموسة من هذا اللقاء، في حال حصوله، وأهمها معارضة الولايات المتحدة وعدم انسحابها من شرق الفرات، ثم إعراب جهات سورية وشعبية معارضة عن موقفها المعارض للقاء أردوغان الأسد، وقيام تظاهرات في شمال غرب سورية، ويضاف إلى ذلك معضلة التنظيمات المتطرفة التي يُشهر الطرفان حربه ضدها، وهي بالنسبة إلى تركيا “قوات سوريا الديمقراطية”، وبالنسبة إلى النظام هيئة تحرير الشام “جبهة النصرة سابقا” ومن وضعته تحت جناحها من فصائل، ولكلا هذين التنظيمين حيثيات يصعب حلها عند هذه العتبة من الصراع.

في حال عدم انسحاب الأميركان من شرق الفرات، لن يكون لدى النظام ما يقدّمه لتركيا. وفي هذه الحال، لن يفرط الرئيس التركي لا بوجود تركيا العسكري على الأراضي السورية، ولا بورقة المعارضة السورية، وليس في نية الأسد تقديم هدايا بدون مقابل للرئيس التركي، لا بتعديل اتفاقية أضنة، ولا بخصوص اللاجئين، وترتيبات منطقة آمنة، فضلًا عن الاعتراض الإيراني. ولذلك تبدو حظوظ خروج مثل هذا اللقاء بنتائج ملموسة، يسعى إليها كل طرف، شبهَ معدومة، ويمكن أن يعتبرها الطرفان مجرد جولة من مشوار طويل قد لا يكتمل.


[1] ) أردوغان: يمكن إعادة النظر في العلاقات مع مصر وسوريا بعد انتخابات يونيو، وكالة الأناضول، 17-11-2022، https://2u.pw/H70VVD

[2]) وعود مذهلة من حزب الشعب الجمهوري للأسد، صحيفة Türkiye Gazetesi، 20-12-2022 https://2u.pw/YgwkFj

[3]) وسائل إعلام عن لافرينتيف: روسيا تعمل على إعداد لقاء بين الأسد وأردوغان، روسيا اليوم، 2-12-2022، https://2u.pw/Y6Tzhp

[4] ) 1- الاتفاق الروسي التركي بخصوص الوضع في شمالي شرق سورية الذي أبرم في سوتشي بتاريخ 23  تشرين الأول/ أكتوبر 2019،على أثر عملية نبع السلام، ويعتبر أهم اتفاق، لم تلتزم روسيا بتنفيذه، 2- اتفاق 5 آذار/ مارس 2020 لوقف إطلاق النار في إدلب، وجاء بعد الضربات الجوية التركية لمواقع جيش النظام، الذي قتل 36 جنديًا تركيًا في قصف لمواقع الجيش التركي.

[5]) القيادة المركزية للجيش الأميركي (سنتكوم) في منشور لها على موقعها في تويتر، 16-12- 2022 https://2u.pw/Fkwirp

[6] ) واشنطن تدعو لعدم التطبيع مع نظام الأسد بعد التقارب السوري-التركي، فرانس24، 4-1-2023، https://2u.pw/zysSsO

  • تقدير موقف صادر عن قسم الدراسات في مركز حرمون للدراسات المعاصرة
المصدر مركز حرمون للدراسات المعاصرة
التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل