لقد كثُرَت التكهنات والتحليلات حول مشروع القانون الأمريكي المتعلّق بتجريم نظام الأسد بجرائم إنتاج وتصدير المخدِّرات، وللوقوف على أهمية هذا المشروع لا بُدّ من بيان بعض النقاط الخاصّة فيما يتعلّق بمكافحة المخدِّرات على المستوى الدولي، والمرجعيّة القانونيّة الدوليّة في مكافحة هذه الآفة المُدمِّرة للأفراد والمجتمعات وما يمكن الاستفادة منه في ملاحقة ومحاسبة شبكات الأسد لإنتاج وتصدير وترويج المخدِّرات.
تقوم المنظومة القانونيّة الدوليّة لمكافحة المخدِّرات على الاتفاقيات الدوليّة التالية:
– الاتفاقيّة الوحيدة للمخدرات لسنة 1961 وبصيغتها المعدلة ببروتوكول سنة 1972.
– اتفاقيّة المؤثرات العقليّة لسنة 1971.
– اتفاقيّة الأمم المتحدة لمكافحة الإتجار غير المشروع في المخدِّرات والمؤثرات العقلية لسنة 1988.
– اتفاقيّة الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظّمة عبر الوطنيّة لعام 2000 التي اعتبرت المادة الثالثة منها أنّ تصدير وتهريب المخدِّرات ضمن الأنشطة المعدّدة التي تشملها هذه الاتفاقيّة.
الالتزامات القانونيّة التي تفرضها هذه الاتفاقيّات: تتخذّ الدول الأطراف التدابير التشريعيّة والإداريّة اللازمة لما يلي:
– لإنفاذ وتنفيذ أحكام هذه الاتفاقيّة، في كل أقاليمها.
– التعاون مع الدول الأخرى على تنفيذ أحكام هذه الاتفاقيّات.
– لقصر إنتاج المخدِّرات وصنعها وتصديرها واستيرادها وتوزيعها والإتجار بها واستعمالها وحيازتها، على الأغراض الطبيّة والعلميّة دون سواها، رهناً بمراعاة أحكام هذه الاتفاقيّة.
– اعتراف وموافقة الدول الأطراف، باختصاص الأمم المتحدّة فيما يتعلق بالمراقبة الدوليّة للمخدّرات، على أن تعهد إلى لجنة المخدِّرات التابعة للمجلس الاقتصاديّ والاجتماعيّ والهيئة الدوليّة لمراقبة المخدِّرات بالوظائف المسندة إلى كل منهما بموجب هذه الاتفاقيّة.
– يحظر على الدول الأطراف أن تسمح عن علم، بتصدير المخدِّرات إلى أي بلد أو إقليم.
كما تفرِض اتفاقيّة الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية لعام 2000 عدد من الالتزامات القانونيّة على الدول ومنها:
– تجريم المشاركة في جماعة إجرامية منظّمة.
– تجريم غسل عائدات الجرائم.
– اتخاذ تدابير مكافحة غسل الأموال.
– تجريم الفساد.
– إخضاع الأشخاص الاعتباريّين الذين تُلقى عليهم المسؤوليّة لجزاءات جنائيّة أو غير جنائيّة فعّالة ومتناسبة ورادعة، بما في ذلك الجزاءات النقديّة.
– التعاون في مجال إنفاذ القانون.
يُصّنَف النظام السوريّ بأنّه أكثر الأنظمة في العالم فساداً وفق تصنيفات منظمة الشفافيّة الدوليّة لعام2021. كما صُنِّفت الدولة السوريّة على قوائم “الدول الفاشلة” بموجب تقريري مؤسسة صندوق السلام لعام 2015 و2016، حيث شمل دراسة أحوال “178” دولة، وكان ترتيبها “التاسع” في العام 2015 ، و”السادس” في العام 2016 ، لأنّها لم تعد قادرة على توصيل سلع سياسيّة إيجابيّة لشعوبها، خدمات الأمن والتعليم والصحة والفرص الاقتصاديّة والرقابة البيئيّة وفرض إطار قانونيّ للنظام العام، ونظام قضائيّ لإدارتها ومتطلبات البنية الأساسيّة الضروريّة من طرق واتصالات بحيث أصبح النظام القائم غير شرعيّ في أعين قطاعات متنامية من السوريّين.
ويَكمُن المُبَرِّر القانونيّ الذي استندت إليه الولايات المُتحدّة في إدراج سوريّا على لائحة البلدان المنتجة للمخدِّرات أو المسهّلة لتمريرها، “بأنّ الإتجار بحبوب الكبتاغون المرتبط بنظام الأسد أصبح يشكِّل تهديداً عابراً للحدود عبر مؤسساتها الرسميّة والشبكات غير الرسميّة المرتبطة بها، “الهيئات الاعتباريّة” المنصوص عنها بالمادة العاشرة من اتفاقيّة مكافحة الجريمة المنظّمة وهي من تتحمّل المسؤوليّة الجنائيّة وفقا لهذه المادة، وبالتالي يجب فرض جزاءات جنائيّة أو غير جنائيّة فعّالة ومتناسبة ورادعة، بما في ذلك الجزاءات النقديّة، وفي ظلّ عدم رغبة النظام القيام بذلك، وفشل الدولة السوريّة وتحوّل السّلطة إلى “مافيا” مما يُسقِط حقّها بالتمسّك بالسيادة الوطنيّة المنصوص عنه بالمادة “4” من الاتفاقيّة.
وبناءً على ما سبق يمكن للولايات المتحدّة في حال إقرار القانون القيام بما يلي:
– استخدام أسلوب التسليم المراقب على الصعيد الدوليّ طرائق مثل اعتراض سبيل البضائع أو السماح لها بمواصلة السير سالمة أو إزالتها أو إبدالها كلياً أو جزئياً.
– الاستناد إلى هذه الاتفاقيّة كأساس للتعاون الدوليّ في هذا المجال فيما يتعلق بالجرائم المشمولة بهذه الاتفاقيّة، وتعزيز التعاون بين أجهزتها المعنيّة بإنفاذ القانون.
– تعتبر كل جريمة من الجرائم المعددة في هذه المادة من الجرائم الموجبة للتسليم في أية معاهدة، وبالتالي يمكن للولايات المتحدة طلب تسليم أيّ سوري أو غير سوريّ تشمله أحكام مشروع القانون المطروح، حتى إن كان تسليمه غير مقبول بمقتضى قوانين الدولة الطرف المطلوب إليها التسليم.
– تطبيق القوانين الأمريكيّة الخاصة بمراقبة غسيل الأموال، وقوانين تعزيز الجهود الفيدراليّة لتشجيع التعاون الأجنبيّ في القضاء على محاصيل المخدِّرات غير المشروعة ووقف الاتجار الدوليّ بالمخدِّرات، وإنفاذ قوانين المخدِّرات الفيدراليّة وتعزيز حظر شحنات المخدِّرات غير المشروعة. عن طريق الوزارات التالية:
وزارة الخارجيّة: عبر مكتب الشؤون الدولية لمكافحة المخدرات وإنفاذ القانون التابع لها الذي تربطه اتفاقيات شراكة مع 90 بلداً لمكافحة الاتجار بالمخدرات والفساد والجريمة العابرة للحدود الوطنية.
وكان آخرها توقيع اتفاقية تعاون بين مديرية الأمن العام الأردني والمكتب الدولي لمكافحة المخدرات وإنفاذ القانون، التابع للحكومة الأمريكية بتاريخ 06/10/2022.
وزارة العدل: عبر مكتب التحقيقات الفيدرالي لمكافحة المخدرات ومكتب التحقيقات الفيدرالي الجرائم العابرة للحدود الوطنية التابع لها والذي بلغ عدد مكاتبه 91 مكتبًا منتشرة في 69 دولة.
وزارة الدفاع وجهاز خفر السواحل الذي يستند إلى اتفاقيات “ربان سفينة خفر السواحل” التي وسّعت سلطات إنفاذ القانون البحري في تفتيش السفن المشبوهة نيابة عن الدولة الأخرى ومنع الجهات الفاعلة غير المشروعة من استغلال القانون الدولي وحدود الاختصاص القضائي.
الآثار القانونيّة في حال إقرار مشروع القانون:
– ملاحقة ومحاسبة مسؤوليّ النظام المتورّطين في هذه الجرائم في كل مكان في العالم من خلال تفعيل نصوص التعاون الدوليّ التي تتضمّنها الاتفاقيات الدوليّة، وعبر الشرطة الجنائيّة الدوليّة ” الإنتربول “.
– مصادرة أدوات إنتاج ونقل المخدِّرات أينما كانت.
– مصادرة الأموال والإيرادات الناتجة عن هذه الجرائم أينما كانت.
– استهداف البنية التحتيّة لإنتاج المخدرات من مزارع ومعامل وأوكار البيع والتهريب وما إلى ذلك.
– استهداف كبار المتورّطين عسكريّاً أو من خلال عمليّات استخباراتية.
في النهاية فإنّ هذا القانون سيساهم في تجفيف مصادر تمويل عصابات الأسد وميليشياته من هذه العمليّات الإجراميّة، ويؤدّي إلى كسر ظهر الأسد ويُعجّل في انهيار منظومته الإجراميّة.
عذراً التعليقات مغلقة