لجين مليحان – حرية برس:
كلما طالت الحرب في سوريا زادت معاناة شعبها وسوء أحوال الناس، بالتزامن مع تراجع اهتمام الداعمين واستجابتهم لحاجات المهجرين، اللاجئين والنازحين، وهو ما يدفع الناشطين والإعلاميين السوريين في سوريا، خاصة في الشمال السوري لمضاعفة جهودهم لتسليط الضوء على الأوضاع المعيشية الصعبة، ونقل ما يحدث للعالم، وسط غياب كبير لوسائل الإعلام العربية والدولية.
ورغم أن الكثير من الإعلاميين تلقى تدريبات على طرق ووسائل عمل الإعلام الإنساني، إلا أن قلة من هؤلاء الإعلاميين نشطوا في هذا المضمار، ومنهم الصحفي المواطن محمد البلعاس، الذي لم يتلقى أي نوع من التدريب على مهام وأدوار الإعلام الإنساني، لكنه نشط على هذا الصعيد بدافع من إنسانيته وضميره الحي وإخلاصه لمهمة الإعلام في التعريف العالم بمآسي شعبه، ودفعه واجبه المهني كصحفي وسط بقعة جغرافية مليئة بالأحداث المأساوية لإبراز معاناة الناس جراء القصف الهمجي وما ينتج عنه من كوارث إنسانية.
“محمد بلعاس” مواطن صحفي من إدلب، ويعيش فيها بعد أن هُجر من بلدته سنجار في ريف معرة النعمان الشرقي مطلع العام 2018، عقب هجوم عسكري شنتها القوات الروسية ومليشيات نظام الأسد، وساهم في تغطية الهجمات على المدنيين والكشف عن كثير من قصص معاناة المدنيين.
وتميز محمد البلعاس عن غيره من الصحفيين بنشر فيديوهات إنسانية للكثير من العائلات والأطفال من ضحايا الهجمات العسكرية الوحشية، وساهم عمله في نشر هذه الفيديوهات والتفاعل معها على شبكات التواصل الاجتماعي بتغيير مصير هذه العائلات وهؤلاء الأطفال.
وفي حديث لموقع “حرية برس” مع الصحفي محمد قال عن نشاطه الإعلامي: لم أدرس الصحافة لكن منذ اندلاع الثورة كان هدفي إيصال ما يتعرض له المتظاهرون على يد قوات نظام الأسد، وتطور عملي بسبب استمرار الثورة كل هذه السنوات، وطموحي دائماً أن أنقل صورة معاناة أهلنا في المخيمات للعالم.
وأضاف البلعاس: لا أتبع لأي جهة إعلامية أو سياسية، أعمل دائماً بشكل مستقل لأني أعتقد أن رسالتي تصل بشكل أفضل عندما أكون مستقلاً بعيداً عن الولاءات السياسية.
وتابع البلعاس: دائماً ما كنت أبحث عما هو خلف المأساة، من خلال القصص التي انتقيها، فالفقر والجوع منتشران بشكل كبير في مخيمات إدلب وهذا مشهد يكاد يكون مألوفا، لكني دائماً أبحث عن القصص التي تكون فيها المأساة عميقة، خاصة قصص الأطفال الذين أجبرتهم الظروف أن يكونوا كبارا يعيلون أسرهم، حيث ينخرطون في سوق العمل رغم صغرهم في ظل ندرة فرص العمل.
وأوضح البلعاس: “دائما أركز خلال عملي وانتقاء القصص على تبني الحالة التي لا تشبه أوجاع الآخرين، كما في الفيديو الأخير حيث وصلت إلى العائلة بعد تحريات عنها وعلمت بأنهم يأكلون الخبز العفن وأنهم لا يأكلون في غالب الأحيان، وصلت إلى الخيمة المتواضعة التي لا تقي المطر ولا الحر، وبدأت الحديث مع السيدة أم محمد المصابة وزوجها خلال قصف لقوات النظام على الغوطة الشرقية قبل أعوام، بدأت الحديث بحرقة عن عجزهم عن تأمين الطعام وهو أبسط مقومات الحياة”.
ويتابع البلعاس: “وصلت السيدة في الحديث عن ابنها محمد كيف أنه يبحث كل يوم عن عمل ويفشل في إيجاده وكيف أنه يجمع بعض البلاستك ليجمع ثمن الخبز، وأن الأبواب جميعها أغلقت بوجهه، وهنا استرقت نظرة إلى محمد وإذا بدموعه تنهمر بمرارة وهموم الدنيا فوق رأسه”.
وتابع قائلا: هنا فتحت هاتفي وبدأت التصوير لأعرف لماذا يبكي بهذا الشكل، وعندما اقتربت منه وسألته كان جوابه صادماً أفقدني القدرة على التحكم بمشاعري، قال (عم ابكي لاني مابحسن أطعمي إخواتي)، كان الحدث بالنسبة لي صاعقاً، كيف لطفل لم يتجاوز العشرة سنوات أن يحمل كل هذا الألم”.
وأوضح البلعاس أن لكل حالة من الحالات التي يصورها خصوصية معينة فيها، “فكل حالة أصعب من الحالة الأخرى، وبعد نشر أي فيديو يبدأ التعاطف مع القصة ويتأثر بها المتابعون من معظم دول العالم فتتوارد إلي الاتصالات طالبين التواصل مع الحالة، وبدوري أحقق لهم غايتهم بإعطاء طريقة تواصل”.
وعلى صعيد طريق المساعدة يشرح البلعاس قائلا: “عادة يقوم المتابعون بشكل شخصي بمساعدة الحالة، ودائماً تتغير حال هذه الأُسر، ويصبحون بحالة أفضل نتيجة حملة التعاطف، حيث إن جميع الحالات السابقة تم نقلهم من خيام إلى منازل سكنية وإيفاء الديون وإعادة الأطفال إلى المدرسة، وهنا أنا أكون في قمة سعادتي أن حال هذه الأسرة تغيرت”.
ويضيف البلعاس: “تبقى الغصة أننا أنقذنا عائلة من بين الآلاف من الحالات المماثلة”.
وفي السؤال عن طرق ومنهجية التصوير قال البلعاس: أحاول في طرق تصويري التي اتبعها أن تكون قريبة من القلب، بسيطة، بعيدة عن التصنع والشحن الدرامي، لذلك تكون قريبة من القلوب ويتأثر فيها الجمهور بشكل كبير”.
والجدير بالذكر أن ما ينشره الصحفي محمد البلعاس خلال تغطياته الإنسانية ساهم بشكل كبير في تغيير أوضاع ومعيشة الكثير من العائلات، ونقلهم من حالة البؤس والحرمان إلى حالة أفضل، وهنا تكمن أعلى درجات مهنة المتاعب، فالصحفي يجب أن يكون إنسان قبل أي شيء.
Sorry Comments are closed