لازال الجيش التركي يستقدم التعزيزات والخرسانات إلى جنوبي عفرين شمال سوريا، بهدف تشكيل حاجز اسمنتي ضخم يحول دون دخول هيئة تحرير الشام مرة أخرى إلى مناطق انتشار الجيش الوطني في ريف حلب والعبث بشؤونها
في حين أظهر أهالي المنطقة رفضًا لدخول قوات الجولاني، من خلال تظاهرات ضخمة في مدن وبلدات الشمال السوري رفعت شعارات ترفض تدخله بشؤون منطقتهم، وتطالب بتوحيد الجيش الحر.
ما حدث كان القشة التي قصمت ظهر البعير، والتي خلقت عند جميع الثوار حالة من الاحباط واليأس، فقد أنكرنا لمدة طويلة حالة الفساد والفصائلية في الشمال السوري، ودفنا رؤوسنا بالرمل، وأجبرنا أنفسنا على تصديق مؤسسات المعارضة الرسمية كـ “الحكومة المؤقتة” بأننا أمام جيش وطني حقيقي، وكان السيد الشيخ حسن الدغيم يحدثنا عن “الظعينة التي تمشي من جرابلس إلى الباب لا تخشى إلا الله والذئب على غنمها”، واصفا من ينتقد فساد الجيش الوطني الذي يدير توجيهه المعنوي بأنهم “قوم يفترون”، والذي تصدى بشجاعة منقطعة النظير للجولاني وبعض الفصائل المنضوية بالجيش الوطني المتحالفة مع الأخير من خلال تغريدات بأغاني رومانسية في تويتر.
لقد نسينا في زحمة النكران أن ما خرجنا ضده في نظام الأسد من استبداد يستتبع فساد وإجرام وتكميم أفواه، لا يجب أن يكون في نظام يدعي انتماؤه للثورة، واعتبرناها حالة مؤقتة، أو تصرفات فردية سرعان ما ستزول، لكن الواقع صفعنا بشدة، واكتشفنا أننا كنا مخطئين، وبأن ما نراه أمامنا ليس إلا أمراء حرب ومليشيات هدفهم السيطرة والمال والجاه، نعم لقد كنا مخطئين حين لم نثور عند أول اعتداء يقوم به هؤلاء من أشباه الرجال، مما سمح لهم بالتمادي، وعلينا من الآن فصاعدا أن نصدح بأعلى صوتنا عند اكتشاف أي خطأ، طبعا بعد عزل ومحاسبة أمراء الحرب الذين سرقوا ونهبوا وأفسدوا.
قد يكون الصراع الذي تفجر في الشمال السوري نقطة تحول لصالح الثورة أو قد يزيد الأمر سوء، فالكتل الخرسانية التي تنصب تعني أننا أمام دويلات الشمال المحكومة من قبل مليشيات الجولاني وحسن الدغيم، وهي ترسّخ وتكرّس لفكرة الانقسام، وعداوة القسمين لبعضهما البعض، وتكرّس أيضًا وصم ما تبقى من إدلب بأنها منطقة سوداء، في إشارة لتنظيم القاعدة الإرهابي وعلمه الأسود، ومنطقة خضراء في إشارة لمناطق الشمال المحسوبة على الثورة، والتي يسيطر عليها ما يسمى “جيش وطني”.
ومن جهة أخرى يمكن الاستفادة من هذا الصراع، ومن المظاهرات التي خرجت، كي نستطيع تكريس حالة ثورية يضطر الجميع للرضوخ لها، من خلال المطالبة بإعادة هيكلة الجيش الوطني، وإزاحة أمراء الحرب الحاليين، ومحاسبة الفاسدين، وعملاء الأسد والجولاني الموجودين بين صفوف الجيش الوطني، وإبعاد عناصره عن المناطق المدنية، وترك الأمر بشكل كامل للشرطة المدنية، ومؤسسات الحكم المحلية، ووضع قيادة عسكرية محترفة لهذه القوة العسكرية المسماة حاليًا “جيش وطني”، تضم ضباط محترفين، وفق تراتبية عسكرية معروفة “الرتبة الأعلى والأقدمية” بعد إعادة كل شخص لرتبه التي انشق فيها بعيدا عن الرتب والأوسمة الوهمية التي منحوها لأنفسهم، وأن تكون العائدات الاقتصادية من معابر وضرائب وخلافه لصالح خزينة الحكومة المؤقتة، ورغم مساوئها إلا أنها حالة مدنية مؤقتة يجب أن تعطى كامل الصلاحيات، وهي بدورها تقوم بالصرف على عناصر الجيش الوطني، وعلى مشاريع تنمية حقيقية في الشمال السوري، وأن يسمح للعمل السياسي في المنطقة، وأن يعبر الجميع عن آرائهم ويروجون لأفكارهم وبرامجهم السياسية، بعيدا عن صبغ المنطقة بأيديولوجيا اسلامية أو قومية، وأن يسمح للإعلام الحر بالعمل بشكل حقيقي في الداخل، ليكون سلطة رقابة حقيقية يفضح الفساد والانحراف عن مسار الثورة وأهدافها.
أعتقد جازمًا أن المتضرر من هذا الوضع، مثل سكان المخيمات والفقراء في كل الشمال (إدلب وحلب)، هم أصحاب المصلحة الحقيقية في حراك شعبي حقيقي مستمر، لا يعود لمنازله قبل الوصول إلى تحقيق هذه المطالب، وبغير هذا التوجه لن تقوم قائمة للمحرر مرة أخرى.
طبعا أعداء هذا المشروع كثر، فالحرامية والقادة الموجودين حالياً على رأسهم، لن يسمحوا لهذا المشروع الثوري بالاستمرار، وسيحاولون جاهدين وأده في بدايته، من خلال استغلال العشائرية والمناطقية والايديولوجيا المتواجدة بشكل أو بآخر والمسيطرة على المنطقة في محاربة هذا المشروع.
بالإضافة إلى أصحاب مصلحة من دول لا ترغب أن يكون المحرر نموذج مشرف لباقي المناطق، وعلى الجميع، إعلاميين ونشطاء، تبني مشروع توعوي حقيقي يعزل الحرامية وأصحاب المشاريع المعادية لمشروع الثورة عن أصحاب المصلحة في انتصار مشروع الثورة.
Sorry Comments are closed