تتطور الأمور بسرعة ويتناول الجميع الاحداث الجارية في الشمال السوري بالتحليل والتنبؤ، وبدأ اليأس يتسلل لنفوس الثوار وتعالت أصوات تنعي الثورة.
بداية فالثورة ليست محصورة في بقعة جغرافية محددة، بل هي فكرة، وانطلقت لأسباب موضوعية حقيقية لازالت موجودة حتى اليوم في جميع المناطق السورية، لا بل تتعداها لتصل إلى المحيط الاقليمي، عربي أو غير عربي.
فالظلم والاستبداد والقهر صفات تتصف بها كل القوى الحاكمة لأي جغرافيا في الاقليم ككل، ويوما بعد يوم تزداد صلفا وعنادا وإجراما، ولا تعير الانسان المحكوم من قبلهم أي اهتمام ولو بالحد الأدنى، فبينما يزداد رصيد الأمراء الحاكمين يزداد أيضا فقر الناس المعدمين، ويرمون أنفسهم في قوارب الانتحار الجماعي في عرض البحر.
في لبنان يتنازل حزب الله عن أملاك اللبنانيين كي تسمح أمريكا للإيرانيين بتصدير كمية أكبر من نفطها، وفي المقابل يعيش الشعب اللبناني أصعب أيامه من ناحية الفقر وتردي الخدمات السيئ جدا.
ويخرج أمينه العام ليزف البشارة إلى اللبنانيين بمنية وتفضل بأنه وافق على ترسيم الحدود البحرية مع الكيان الصهيوني، مدعيا بأنه لولا إيران بقيادة المرشد علي خامنئي لكان حال العراق وسوريا ولبنان أسوء من بعد كامب ديفيد، فعن أي سوء يتحدث هذا المجرم، فبعد ما تدخلت إيران بهذه الدول بالإضافة لليمن، أصبح حالها أسوء من أي حال كانت قبل تدخلها، ودفعت شعوب هذه الدول للاقتتال الطائفي بينها، وخربت النسيج الوطني الهش الذي كان موجودا.
قد تأت أموال من الغاز الطبيعي الموجود على السواحل اللبنانية، لكنها لن تغير من الوضع الاقتصادي السيئ بسبب أمراء الحرب والفساد الذين نهبوا ثروات لبنان وأفقروا شعبه وأوصلوه إلى هذه الحال السيئة.
في ايران نفسها، تبيع السلطة المتنفذة نفطها وموادها الأولية لتصرفها على أوهام إعادة إحياء الامبراطورية، بدلا من صرفها على تنمية شعبها ورفاهه وتقدمه.
في روسيا نجد أن بوتين حلم باستعادة أمجاد قياصرة روسيا، لكنه لم يعمل على تنمية شعبه وصرف المليارات الآتية من تصدير موارده الطبيعية على الشعب الروسي الذي يعيش أسوأ أيامه، ودخل بمغامرات عسكرية هنا وهناك ذهبت بما تبقى من أموال الدولة بعد نهبها من نخبة فاسدة يرأسها هو، ويودع أمواله وأموالهم في بنوك الغرب الذي سرقها جهارا نهارا دون أن يكون له القدرة على استعادتها، وشيئا فشيئا يذهب بنظامه وشعبه نحو الهاوية.
طبعا لا حاجة لتفصيل الوضع على الجغرافيا السورية، فالجميع يعلم أن هذا النظام غير قابل للإصلاح، ولن يقدم أي تنازل للشعب، وكل التجارب التي عاصرناها خلال فترة استانا وتسليم المناطق أكدت على استمراره بنهج استخدام بطشه وسلطته الأمنية لإخافة الناس وتصفية القادة المحليين الذين سلموا هذه المناطق كي لا يشكلون عليه خطرا مستقبليا، ودفع من تبقى ممن لديه رصيد بين الناس للهرب بنفسه خارج البلاد حرصا على حياته، بالإضافة للوضع الاقتصادي والخدمي المتردي.
وكذلك الأمر في بقية الجغرافيا السورية، فالسلطات الأمنية التي تحتكر قوة العنف هي المتحكمة في كل تفاصيل حياة المواطن السوري، ولا حرية له حتى على لباسه، فتنهب وتجني الأموال لتضعها في بنوك واستثمارات خارجية، ثم تسيطر عليها الدولة التي توضع داخلها هذه الأموال تحت ذرائع مختلفة، فالسارق من السارق كالوارث من أبيه، ويبقى باقي الشعب في مخيمات النزوح يلهث لتأمين لقمة يومه، وقد سقطت اليوم ورقة التوت عن جميع المسلحين في الشمال السوري، ولن تغني ادعاءات الوطنية أو الاسلامية في إخفاء حقيقتهم أمام الناس.
وأمام عدم الوصول للحد الأدنى من الأهداف التي دفعت السوريين للتظاهر في آذار 2011 ضد نظام الأسد، وفي ظل ضعف وتراجع واختناق كل المحور المناصر للنظام ولقوى الأمر الواقع، فالثورة لازالت موجودة، ولن تتوقف حتى تحقق حدا معقولا من أهدافها في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.
Sorry Comments are closed