سوريا.. عن أي عنف يتحدثون؟

عالية منصور21 سبتمبر 2022Last Update :
سوريا.. عن أي عنف يتحدثون؟
عالية منصور

قبل أيام صدر تقرير جديد للأمم المتحدة حذر من عودة الصراع المسلح إلى سوريا، وقال رئيس لجنة التحقيق الدولية المستقلة، التابعة للأمم المتحدة، باولو سيرجيو بينييرو، إن السوريين «يواجهون اليوم صعوبات متزايدة لا تطاق، ويعيشون بين أنقاض هذا الصراع الطويل»، مؤكدا أن سوريا «لا تستطيع تحمل العودة إلى القتال على نطاق أوسع، لكن هذا هو ما قد تكون في طريقها إليه». وقال: «كان لدينا اعتقاد في وقت ما بأن الحرب انتهت تماماً في سوريا»، لكن الانتهاكات الموثقة تثبت عكس ذلك.

بدورها اعتبرت نجاة رشدي، نائبة المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، بأن العملية السياسية المرجوة، وفقاً لقرار مجلس الأمن 2254، «لن تتقدم بشكل حقيقي أو مستدام ما لم يتراجع العنف».

قد يكون التقرير والتحذير من عودة العنف إلى سوريا مفاجئا لغير السوريين، الا أن السوريين يدركون جيدا أن العنف لم يتوقف في بلادهم وإن اختلفت أساليبه، فبينما كانت لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة تحذر من عودة العنف، كانت صحيفة سورية معارضة تكشف عن جريمة جديدة وقعت في سجن حلب المركزي هذه المرة بحق معتقلين، حيث نشر موقع «زمان الوصل» صورا لضحايا مجزرة ارتكبها النظام السوري بحق المدنيين العزل في سجن حلب المركزي.

وإلى جانب الفظائع- الصور، نشرت الصحيفة شهادتين، الأولى لضابط (لم تذكر اسمه) كان يخدم في السجن طوال فترة حصاره من طرف المعارضة ويتولى مهمة تصوير الجثث وتوثيقها قبل انشقاقه، والأخرى لسجين سابق كان شاهدا على تلك المجازر.

ونقلت عن الضابط قوله إنه وثق مقتل نحو 800 سجين، تمت تصفيتهم إما تحت التعذيب، أو رميا بالرصاص، إضافة إلى نحو 400 معتقل ماتوا بسبب الجوع والمرض.

صور جديدة أعادت للأذهان صور قيصر الشهيرة، وإن كان العالم قد نسي هذه الصور إلا أن السوريين لم يفعلوا، وها هي عائلات جديدة تبحث عن مصير أبنائها المعتقلين بين صور الجثث، كما فعلوا كذلك الأمر نفسه قبل أسابيع عندما ظهرت فيديوهات مجزرة حي التضامن في دمشق.

بدورها نقلت صحيفة «لوموند»الفرنسيةعن تقرير لمنظمة هيومان رايتس ووتش أن «نحو 19في المائةمن السوريين ممن تتراوح أعمارهم بين عامين و17 عاما يعانون من إعاقة جسدية أو ذهنية، بسبب الحرب في سوريا بشكل رئيسي، وأشار التقرير إلى أن معظم الذين شملهم هذا التقرير ولدوا بعد بداية عام 2011 (وهو العام الذي انطلقت فيه الثورة السورية) أو قبلها بقليل، ولم يعيشوا مرحلة بلا نزاع أو نزوح.

وإن كان تقرير الأمم المتحدة قد تحدث عن الاعتقال التعسفي والتعذيب ومصادرة الأملاك والإخفاء القسري وانعدام الأمن إلى غيرها من الجرائم التي لم يتوقف نظام الأسد عن ارتكابها يوما، إلا أن التقرير تحدث أيضا عن انتهاكات فصائل وقوى معارضة، من هيئة تحرير الشام (النصرة سابقا)، إلى الجسم المدعو «الجيش الوطني السوري»والذي وثق التقرير قيامه بجرائم تشبه ما يقوم به النظام من اعتقال تعسفي واغتصاب وقتل تحت التعذيب واستيلاء على ممتلكات، إضافة إلى استهداف ناشطات وناشطين في مجال حقوق المرأة. ولم يغفل التقرير أيضا الانتهاكات التي تقوم بها قوات سوريا الديمقراطية من الاعتقالات التعسفية حتى بحق الأطفال أو إقحام أطفال في القتال إضافة إلى تقييد الحريات والفظائع التي تمارس بمخيم الهول.

وعلى سبيل المثال، وبعد صدور التقرير الأممي بساعات، ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بخبر مقتل طفل عراقي لجأ مع والدته إلى سوريا، هذه المرة تضاربت الروايات حول إن كان القاتل عنصرا في ما يسمى «الجيش الوطني»، أم أن من يؤويه هو قيادي في أحد فصائل «الجيش الوطني»بعد أن كان معتقلا لدى «قسد»وتم الإفراج عنه مؤخرا، ولكن المؤكد أنه قام باختطاف الطفل واغتصابه ومن ثم قتله ورمي جثته.

فعن أي عنف يتحدثون؟ وأي عنف يتخوفون من عودته؟ فالعنف هو السائد في سوريا مهما حاول المحرضون إعادة السوريين الذين هربوا من الجحيم إلى الجحيم؟ وهل بقي أمام السوريين إلا المخاطرة للهرب مرة جديدة، فإما يصلون سالمين إلى وجهتهم وإما يموتون غرقا في البحار أو جوعا وعطشا في الغابات؟

وكيف لثورة انتصرت يوما على النظام أخلاقيا قبل أي انتصار آخر، يوم رفعت صوت العدالة والحرية والمساواة بوجه القتل والقمع والطائفية أن يمثلها اليوم حفنة لا تقل فسادا وإجراما عن نظام الأسد؟ وكيف لها أن تنتصر اليوم؟

قد تكون المقتلة السورية بحق هي أكثر الفظائع الوحشية التي مرت بها البشرية منذ الهولوكوست النازي، ومأساة السوريين، إنهم شهدوا كل شيء خلال العقد الماضي وتقلبوا في كل شيء، فمن ثورة عظيمة أعادت لكلمة الحرية معناها الحقيقي الذي حرموا منه نصف قرن من الزمن، إلى صراع إقليمي دولي داخلي عابر لكل المبادئ الإنسانية والقانونية، إلى قتل عبثي على كل شيء على الطائفة والرأي والموقف السياسي، ومع ذلك ما يزال بعض السوريين يحلمون بأن يستعيدوا وطنهم يوما ما، ولكن هذا اليوم لن يأتي إلا بعد تخلصهم من بشار الأسد وأشباهه في كل المناطق السورية.

Source المجلة
Comments

Sorry Comments are closed

    عاجل