تعود مشكلة قلّة المياه التي تهدّد سكان مدينة الباب شرق محافظة حلب بالعطش، إلى الواجهة مجدداً مع غلاء جديد بأسعار المياه بسبب انخفاض منسوب الآبار التي كانت تغذّي المنطقة وريفها وارتفاع تكاليف نقلها شمالي سوريا.
ونظّم ناشطون وقفة احتجاجية عند دوار السنتر في مدينة الباب، تحت عنوان “الباب عطشى”، أمس الثلاثاء، لمطالبة القائمين على إدارة المنطقة بالنظر لارتفاع الأسعار وصعوبة تأمين ضخ المياه للأراضي الزراعية، إذ يُقدر أكثر من 4500 هكتار منها في طريقها للجفاف.
وتتفاقم المشكلة مع جفاف تسعة آبار من أصل 14 بئراً تغذي المنطقة بالمياه الجوفية، فبات سكان الباب البالغ عددهم أكثر من 300 ألف نسمة ومعظمهم من المهجّرين، يتخوفون من جفاف بقية الآبار، بعد انخفاض منسوب المياه فيها لأكثر من 60%، ما ينذر بكارثة إنسانية قد تحصل في المدينة، إن لم يكن هناك حلول جذرية وسريعة من الجهات المسؤولة.
ويؤكد الناشط المدني، عبد الله الراغب، لشبكة “آرام”، أنَّ السبب الرئيسي للغلاء هو جفاف قسم كبير من الآبار المحيطة بالباب نتيجة زيادة الاستهلاك، وسط عدم وجود بديل ونقص مياه الأمطار دون المعدل، ما أجبر سيارات نقل المياه تقطع مسافات أكبر لتأمين المياه، لافتاً إلى أنَّ سعر الخمسة براميل يتراوح اليوم من 50 إلى 60 ليرة تركية بينما كان قبل شهرين 35 ليرة تركية.
عودة حملة الباب عطشى
لتسليط الضوء من جديد على الكارثة الإنسانية التي ستحلّ بسكان المنطقة المهددة بالجفاف والعطش بسبب قطع المياه عنها من قبل نظام الأسد قبل خمس سنوات وتحوّل سكان المنطقة إلى الاعتماد على المياه الجوفية التي تم استنزافها خلال الفترة الماضية وهي غالباً غير صالحة للشرب، ما تسبب بتراجع منسوب المياه فيها بنسبة كبيرة. كما قال الراغب حول أسباب عودة نشاط الحملة الإعلامية.
بدوره، يوضح الناشط والمدون معتز ناصر، لشبكة “آرام” أنَّ نتائج حملة “الباب عطشى” منذ انطلاقها عام 2020 وتجدّدها العام الماضي واليوم، تتمثل بتحريك الموضوع وفرضه على طاولة المسؤولين، مضيفاً: “حسب ما لمسناه أنَّ الحملة فرضت على منظمات ومؤسسات دولية التحرُّك للملف، لكنَّها اصطدمت بتعنُّت نظام الأسد من جهة، وعدم مبالاة المسؤولين عن الملف (أتراكاً وسوريين)، الذين يحاولون احتواء المطالب الشعبية بالوعود الفارغة من جهة أخرى”.
الحلول وغياب دور المسؤولين
عجز المعنيون في المنطقة خلال السنوات الماضية، عن إيجاد أي حل وجميع الحلول التي كانت تعد إسعافية ومؤقتة، من بعض المنظمات وهي حلول لم تساهم بحلّ المشكلة بشكل جذري، كما أكد الراغب، مشيراً إلى أنَّ الأهالي يطالبون بحلول جذرية لأنَّ شح المياه وارتفاع سعرها أثقل كاهلهم في منطقة يعيش 80 بالمئة من سكانها تحت خط الفقر، وقد تدمّر قطاعها الزراعي بالكامل.
ويعتقد الناشط وهو أحد سكان مدينة الباب، أنَّ الحل الأول هو الضغط على النظام المجرم لإعادة ضخ المياه عبر محطة عين البيضاء الواقعة قرب بلدة “كويرس شرقي” بريف الباب، وهذا الأمر يحتاج تدخل دول ومنظمات دولية وإنسانية، لكن لم يحدث شيء من هذا القبيل.
والحل الثاني بحسب الراغب، فهو استجرار مياه نهر الفرات من مدينة جرابلس إلى مدينة الباب، وهو مشروع ضخم ومكلف وتعجز عنه المجالس المحلية على حدّ قولهم، علماً أنَّ هناك دراسة أجرتها “وحدة دعم الاستقرار” قدّرت كلفة المشروع بحوالي سبعة مليون دولار.
من جهته، معتز ناصر المقيم في مدينة الباب، يرى أنَّ حلّ مشكلة المياه هو حصراً بيد تركيا والمجالس المحلية التابعة لها، والحلّ الوحيد هو إعادة تغذية المنطقة بالمياه من نهر الفرات، بينما لا نملك كنشطاء إلا تسليط الضوء على معاناة أهلنا، مستدركاً: “لكن لم نجد آذاناً صاغية من أيّ جهة، ولا نتوقع في ظل فوضى التوصيف السياسي والقانوني الذي يمر به المحرر أن نجد أيّ تجاوب معنا”.
وفي هذا الصدد يضيف، أنَّ الأهالي متذمرون جداً من ملف الإدارة التركية للمنطقة، خاصة بما يتعلّق بملف الخدمات، ويطالبون بإعادة تغذية مدينتهم شرباً ورياً من الفرات بما يكفي المواطن بالحد الأدنى، فقطع المياه منذ خمس سنوات خلّف آثاراً بيئية واقتصادية خطيرة جداً على المجتمع المحلي.
وسبق أن أطلق ناشطون في عام 2020 فعالية لتوقيع عريضة احتجاجية لحملة “الباب عطشى”، ورفعت إلى مقر الأمم المتحدة في مدينة غازي عنتاب التركية للضغط على نظام الأسد وروسيا لإعادة ضخ المياه المقطوعة عن المدينة منذ سيطرة الجيش الوطني السوري عليها عبر عملية “درع الفرات” في 23 شباط/فبراير 2017.
وتجددت الحملة نهاية حزيران/يونيو 2021، واكتفى رئيس مجلس الباب المحلي حينها بالعمل على ضبط أسعار المياه والاستمرار بالحل الإسعافي عبر حفر مزيد من الآبار في منطقة الراعي بالرغم من خطورة هذا الحل على المياه الجوفية، وعدم كفايته لسد الاحتياجات.
وحذر فريق “منسقو استجابة سوريا” في 28 حزيران/ يونيو الماضي، كافة الجهات من استمرار أزمة المياه وخاصةً في ظل تفاقم الظروف المعيشية للأفراد وارتفاع أسعار مياه الشرب في العديد من المدن والأرياف، ووجود نسبة كبيرة من السكان لا يحصلون على مياه الشرب النظيفة بشكل منتظم، والتي ستشكل تهديداً فعلياً للاستقرار الاجتماعي والاقتصادي للسكان في أماكن وجودهم.
وطلب الفريق من كافة المنظمات العاملة في مناطق ريف حلب الشمالي/الشرقي، العمل على توحيد الجهود بشكل كامل والعمل على الحل الجذري لتلك القضية من خلال العمل على نقل مياه الشرب من مناطق نهر الفرات إلى تلك المناطق وإنشاء محطات لمعالجة المياه.
Sorry Comments are closed