يهتف آلاف الأحرار في كافة مناطق الشمال السوري، بصوت واحد، “الشعب يريد إسقاط النظام”، معيدين إلى الأذهان شعارات الثورة السورية وزخمها في الأيام الأولى، وذلك بعد شعورهم بالخطر على هذه الثورة التي ضحوا من أجلها بكلّ ما يملكون على مدى سنواتها الإحدى عشر الماضية.
ورصدت شبكة “آرام” 34 نقطة تظاهر في جمعة تحت اسم “لن نصالح”، وكانت المظاهرات حاشدة في مدينة إدلب، ومناطق شمالها وغربها “أطمة، سرمدا، حارم، تل الكرامة، كفريا، كفرلوسين، جسر الشغور، دركوش، الدانا، سلقين” وأمام النقطة التركية في بلدة المسطومة، إضافة إلى بلدات دارة عزة، الأتارب، الجينة وابين سمعان غرب حلب، وهي خاضعة لنفوذ هيئة تحرير الشام.
وفي ريف حلب الشرقي الواقع تحت نفوذ الجيش الوطني السوري، تجمّع الآلاف في مدن جرابلس والباب وبزاعة، وفي ريفها الشمالي، شهدت مدن أعزاز صوران، كلجبرين، دابق، تركمان بارح، الزيادية، أخترين، الراعي، مارع، عفرين، راجو، جنديرس، معبطلي، إضافة إلى مدينتي تل أبيض شمال الرقة ورأس العين شمال الحسكة، مظاهرات عارمة والتي تجددت في بعض المناطق مساء اليوم.
وبالتزامن مع المظاهرات على الأرض، تصدر وسم “لن نصالح” قائمة الترند على موقع تويتر بعد ساعات من إطلاقه، حيث تجاوز عدد التغريدات مساء الجمعة، الثلاثين ألف تغريدة، شارك فيها معظم السوريين الأحرار الرافضين للتطبيع مع نظام الأسد.
روح الثورة عام 2011
يعرب ناشطو الثورة عن مدى انبهارهم من عودة الزخم للمظاهرات وأهمية محافظة أبناء الثورة على مبادئهم وأهدافهم التي لا يتنازلون عنها، مؤكدين أنَّ معظم سكان الشمال السوري هم من المهجّرين الذي رفضوا إجراء التسوية مع ميليشيا الأسد، ويؤكد الناشط موفق أبو الفداء لـ”آرام”: هنا الناس لا يرضون العيش إلا بكرامة، لولا أنَّهم أحرار لبقيوا في منازلهم التي سيطر عليها النظام.
ويضيف الناشط المقيم في مدينة عفرين: “اليوم شعرت بالقوّة، المظاهرات أعادت لنا الأمل بأن ثورتنا ستنتصر، وأيقنت أنَّ الثورة لم تنطفئ فهي مشتعلة في قلوب الأحرار، ولكن ظروف الحياة كانت قد شغلتهم عنها، واليوم عندما رأوا الثورة يحدق بها الخطر خرجوا ليؤكدوا للعالم أجمع بأنَّنا نحن الأحرار مهما فعلتم بنا لن نستسلم ننتصر أو نموت بكرامة”.
كذلك، يرى الناشط أبو علاء الحمصي المقيم في مدينة إدلب، في حديثه مع “آرام” بأنَّ مظاهرات اليوم حملت روح مظاهرات العام 2011، وتفاجأ من حجم الحضور الذي يؤكد أنَّ الثورة كما قال الشهيد عبد الباسط الساروت: “لها حراسها”، وبالتالي هذا الشعب أثبت أنَّه حارس أمين لها.
بدوره، المنشد الحمصي المقيم في إدلب، حمزة الجوجة، شارك في أربع مظاهرات اليوم أنشد خلالها أناشيد الثورة السابقة، ويقول لـ”آرام”: منتصف الليلة الماضية تظاهر العشرات عند دوار الساعة في مدينة إدلب، وتجوّل المتظاهرون بعد منتصف الليل في شوارع عدة في المدينة استمرت المظاهرة لنحو ساعة.
ويردف: تم إطلاق دعوة للتظاهر بعد صلاة الجمعة في مدينة إدلب، والمشاركة كانت عظيمة إذ خرج نحو 300 شخص من مساجد إدلب وتوجهوا لساحة الساعة وعند النقطة التركية في بلدة المسطومة تجمع نحو 200 شخص، رافضين أيّة دعوات للتطبيع مع النظام، إضافة إلى مظاهرة عند دوار ساعة إدلب في الساعة السادسة مساء اليوم.
وفي مدينة الباب يقول الإعلامي مالك الخبي المهجّر من درعا، لـ”آرام” إنَّ الأعداد كانت كبيرة للمرة الأولى وهذا يدلّ على وعي الناس وتوجههم للمشاركة في الأحداث المصيرية، لافتاً إلى أنَّ الاحتجاجات السابقة في الأمور الخدمية كانت المشاركة فيها تقتصر على العشرات أمَّا اليوم فكانت المشاركة بالمئات وشملت جميع فئات المجتمع.
وفي ريف إدلب الشمالي، يوضح الناشط بسام الرحال المهجّر من حمص لـ”آرام”، أنَّ مظاهرات هذه الجمعة تختلف عن معظم المظاهرات السابقة خلال الفترة الماضية، وذلك لمشاركة معظم فئات الشعب في الشمال المحرر من رجال ونساء وحتى الأطفال، حيث “أكدنا خلالها أنّنا نحن أولياء الدم ولن نصالح أو نساوم على دماء شهدائنا الذين ضحوا بأرواحهم في سبيلها”.
شعارات الصرخة الأولى
يوضح الخبي، أنَّ الهتافات كانت كهتافات البداية للتذكير بمطلبنا الأول، ومنها الهتاف الشهير “يا درعا نحن معاكي للموت”، حيث شهدت المظاهرة تضامناً مع مدينة طفس غرب درعا التي يحاصرها النظام ويقصفها منذ 27 تموز/يوليو الفائت.
ويضيف: “رسالتنا واضحة وصريحة لوزير الخارجية التركية، ولكل جهة فرضت نفسها كراعي لقرار الثورة السورية، خرجنا بالثورة قبل 11 سنة، فقدنا مليون شهيد ومئات الآلاف من المعتقلين والمفقودين وهُجّرنا من أرضنا وبيوتنا كي لا نصالح نظام الأسد”.
كما يشير الجوجة، إلى أنَّ أبرز الشعارات التي هتفوا بها اليوم كانت في أيام الثورة الأولى وشعارات رافضة للتطبيع مع النظام هي: “سوريا لينا وماهي لبيت الأسد، يا الله مالنا غيرك يا الله، عاشت سوريا ويسقط الأسد، ما منصالح”، مضيفاً: “وجهنا رسائل عبر الإعلاميين الذين غطوا المظاهرات حول موقفنا الثابت من النظام”.
وفي ذات السياق، يدعو الصحفي سعيد اليوسف، إلى تخليد يوم “جمعة لن نصالح (12 آب 2022)، في تاريخ الثورة السورية العظيمة، ويقول لـ”آرام”، إنَّه ليس فقط يوم يشبه الأيام الأولى للثورة، بل أيضاً جاء في وقت معظم العالم -أصدقاء وأعداء- يراهنون فيه على ضعف الثورة وانحسار مطالبها ووهن نفسية الثوّار بعد 11 سنة من تعرّضهم لمختلف أنواع القصف والضغوط، فهو يوم علامته جدّاً فارقة في تاريخ الثورة، لا مهادنة فيه ولا انبطاح، يقول فيه الثوّار كلمتهم للصديق الحليف قبل العدو.
ويعتقد الرحال أنَّ أيّ جهة سياسية كانت أم عسكرية توافق على طرح المصالحة مع النظام، فإنَّها لا تمثل إلا نفسها، مؤكداً على أنَّ الشارع الثوري والمشاركين بمظاهرات اليوم هم من يقررون مصيرهم، بعيداً عن سياسيات الدول ومصالحها.
ودعا الناشط جميع فئات الشعب السوري إلى الوقوف وقفة رجل واحد، أمام أيّ قرار أو خطوة من شأنها أن تدعم نظام الأسد في بقائه في الحكم، مشدداً على أهمية التحرك سياسياً وميداناً وعدم الرضوخ لأيّ إملاءات خارجية من أي دولة كانت.
يذكر أنَّ الشبكة السورية لحقوق الإنسان، وثقت في الذكرى الحادية عشرة لانطلاق الثورة، منتصف آذار/مارس 2022، مقتل 228647 مدنياً بينهم 14664 بسبب التعذيب، واعتقال تعسفي/ إخفاء قسري لـ 151462 شخصاً، وتشريد قرابة 14 مليون سوري.
عذراً التعليقات مغلقة