الحوار الوطني المزعوم.. وﻻدة متعسرة ومستقبل غامض مظلم 2/1

سامح سلامة15 يوليو 2022آخر تحديث :
سامح سلامة

● أهداف الحوار

لقد خلق الله تعالى كافة البشر وأوجد الاختلافات العديدة فيما بينهم، بالشكل والفكر أو المضمون، ويختلف الناس في عقولهم وإدراكهم، وبمدى قدرتهم على التأثير بمن هم حولهم، وهذه الاختلافات لها آثار سلبية وأخرى إيجابية، حيث إنها قد تسبب النزاعات لأولئك الذين يفتقدون روح المشاركة وتبادل الآراء واحترام الرأي المغاير، وتحدث تنمية المجتمع بيد أولئك الذين يحترمون الآخر مهما كان مختلفاً عنهم.
هنالك طرق كثيرة تمكن الناس من تبادل الأفكار وتوظيفها بالشكل المناسب، ومنها الحوار بحيث إنه نوع من أنواع الحديث بين شخصين أو أكثر، يتداولون الكلام فيما بينهم بشكل متبادل دون أن يؤثر كلّ طرف على الآخر.

تلقى “الكومبارس” حمدين صباحي قبل أيام من شهر رمضان الماضي، مكالمة تليفونية تدعوه لزيارة في مكتب أحد كبار المسؤولين بجهاز المخابرات العامة لدردشة، بحسب مصدر سياسي قريب من صباحي تحدث مع «مدى مصر»، شملت الدردشة مطالبة بتحرك سياسي من صباحي وغيره من السياسيين لدعم موقف الدولة في مسعى لطمأنة الرأي العام بخصوص الأوضاع الاقتصادية.

لكن صباحي، كما ذكرت مدى مصر، أخبر محدثيه أنه لم يعد لديه مصداقية كافية في الشارع ليوجه أي حديث، بالنظر إلى أن حسام مؤنس، المسجون على ذمة القضية المعروفة إعلاميًا بـ«خلية الأمل» منذ ما يقرب من ثلاث سنوات، هو من أقرب السياسيين له، وذكر المصدر أن صباحي لم يستطيع اشتراط خروج حسام أو غيره مقابل ظهوره في المجال العام.

لكن في إفطار الأسرة المصرية وجدنا مشهد 30 يونيو، يتكرر في 26 أبريل الماضي، بنفس الشخوص التي عفى عليها الزمن ولا تستدعى إلا لتبيض وجه النظام، وبعدها بيوم تم الإفراج عن مؤنس. تباعًا، تم أيضًا الإفراج عن عدد من المحبوسين على ذمة قضايا سياسية، ومحسوبين على مشهد 30 يونيو.

في آخر الشهر نفسه، أعلن قائد الانقلاب ورأس النظام عبدالفتاح السيسي تكليف إدارة مؤتمر الشباب بالدعوة إلى حوار سياسي يضم كل من وضعتهم السلطة في خانة الخصوم بعد عام 2014. لم يقف الأمر عند صباحي وحده، ومن ورائه ممثلو الحركة المدنية، وإنما امتد إلى الإسلاميين وجماعة الإخوان المسلمين نفسها.

أثار تكليف السيسي بعقد حوار وطني عدة أسئلة مشروعة حول سبب إطلاق الفكرة الآن؟ ومَن سيكون طرفًا في هذا الحوار؟ وما الهدف المرجو منها؟

فهل يعاد للأذهان عهد حسني مبارك الذي جمع المعارضة المستأنسة والإسلاميين في المشهد السياسي للحفاظ على شكل النظام داخلياً وخارجياً بحيث يترك مساحة لكلاً منهم يتحرك فيه دون أن يسبب قلق للسلطة.

لكن النظام الحالي يختلف عن نظام مبارك من حيث الشخوص وآليات العمل، فنظام مبارك ومن حوله كانوا أكثر خبرة وحنكة سياسية من النظام الحالي الذي يتسم بغلق جميع الأفواه والمنافذ ولا يسمح لأحد أن يخالفه أو ينتقده حتى من داخله من باب استكمال المشهد السياسي، لذا وجدنا النظام الحالي يستدعي أصحاب مشهد 30 يونيو ليصنع منهم حوارا هو أقرب إلى حوار الطرشان أو أقله أن النظام يحاور نفسه، وهذا ما وضح من اختياره المنسق العام للحوار، وكذلك مجلس أمناء الحوار.

وبالرغم من وجود صباحي، على رأس المدعوين للحوار والمتفاوضين بشأن من سيحضر جلساته ومن سيديرها ويضع جدول أعمالها، إلا أن تلك المفاوضات ما زالت متعثرة ولم تسفر عن شئ.

وكانت أحزاب الحركة المدنية السبعة؛ الكرامة، و التحالف الشعبي الاشتراكي، والمحافظين، والدستور، والوفاق القومي، والاشتراكي المصري، والعيش والحرية (تحت التأسيس) وإلى جانبهم عدد من الشخصيات العامة، قد أعلنت في 8 مايو الماضي قبولهم مبدأ الحوار السياسي مع السلطة، على أن يتضمن عددًا من الضوابط الإجرائية والموضوعية، التي اعتبروها ضمانة لأن يكون حوارًا جادًا وحقيقيًا، لا مجرد تجميل للواجهة.

لم يستجب القائمون على الحوار لأيٍ من هذه الضوابط، وهو ما ظهر في إصدار الأكاديمية الوطنية للتدريب (الجهة المنظمة لمؤتمر الشباب) بيان، في 10 مايو، أعلنت خلاله توليها مسؤولية إدارة الحوار الوطني، وهو ما رفضته الحركة المدنية. واعتبرت الحركة أن البيان يخالف ما توافق عليه صباحي مع ممثلي السلطة بشأن تشكيل أمانة فنية للإعداد للحوار وإدارته وصياغة مخرجاته من عشرة من كبار الخبراء الوطنيين المشهود لهم بالكفاءة والنزاهة والتجرد، يتم اختيارهم مناصفة من السلطة والمعارضة. ردت الأكاديمية ببيان ثانٍ تعلن فيه اختيار رئيس الهيئة العامة للاستعلامات ونقيب الصحفيين، ضياء رشوان، منسقًا عامًا للحوار الوطني، وكذلك قرارها باختيار الأمين العام للمجلس الأعلى للإعلام، محمود فوزي، رئيسًا للجنة الفنية للحوار، وهو ما اعتبرته الحركة المدنية استمرارًا للنهج الأحادي التي تتبناه السلطة.

وبحسب عضو الحركة وأستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، مصطفى كامل السيد، فقد اتفق صباحي مع الداعين للحوار على اختيار عضو المجلس الرئاسي الاستشاري لكبار العلماء ورائد زراعة الكلى، محمد غنيم، ليكون أمينًا عامًا وقائدًا للحوار، يساعده مجلس أمناء يتم اختياره من عدد متساوٍ من ممثلي المعارضة والسلطة، «وتركنا للسلطة تسمية المنسق العام، فاختارت السلطة ضياء رشوان وتجاهلت باقي الاتفاقات»

وقد استمر هذا النهج عندما أعلنت الجهة التي أطلقت على نفسها اسم «إدارة الحوار الوطني» في 26 يونيو الجاري، تشكيل مجلس أمناء الحوار من 19 عضوًا، قالت إنها اختارتهم بعد مشاورات أجراها رشوان مع القوى السياسية، وهو ما اعتبره عضو بالحركة المدنية، طلب عدم ذكر اسمه، تعبيرًا عن الحد الأقصى لما تستطيع السلطة استيعابه من ممثلي المعارضة، موضحًا أن الحركة المدنية رشحت خمسة أسماء لعضوية مجلس الأمناء، لكن السلطة لم تختر منهم سوى عبد العظيم حماد، رئيس تحرير جريدة الأهرام الأسبق، وكمال زايد، رجل الأعمال، مضيفًا: «لا يمكننا الاعتراض في النهاية، لكن تمنينا تمثيل أكثر لأصحاب المواقف الصريحة». بحسب مدي مصر.

وعلى حين غرة وبينما يواصل صباحي التفاوض مع القائمين على الترتيب لجلسات الحوار من ممثلي أحد الأجهزة السيادية، خرج رئيس حزب المحافظين، أكمل قرطام، ليعلن عبر أحد المواقع الإخبارية المحسوبة على أحد الأجهزة الأمنية عن تأسيس ما أطلق عليه التيار الحر، برئاسة المرشح الرئاسي الأسبق، عمرو موسى، رئيس لجنة الخمسين التي قامت بصياغة دستور 2014 -الموصوف من السيسي لاحقًا بـ«دستور حسن النوايا»- وعضوية عدد من رجال الأعمال والسياسيين المتبنين للفكر الليبرالي.

ظهور التيار الحر بدا كمنافس للحركة المدنية. لكن لا يزال قرطام و السادات أو غيرهما، أعضاءً في الحركة المدنية.

والفرق الأبرز بين الحركة المدنية والتيار الحر يتعلق بدعوة قرطام والمنضمين لتياره الجديد مثل السادات لعودة الإخوان المسلمين والمصريين الموجودين في الخارج للمشهد السياسي، وإعلانه عن استعداد حزبه للدفع بمنافس للسيسي في الانتخابات الرئاسية المقرر عقدها في 2024. وبالفعل، أعلن رشوان من خلال برنامجه المسائي على قناة فضائية مملوكة لأحد المقربين للدولة عن انضمام عمرو حمزاوي، أستاذ العلوم السياسية، الذي غادر مصر سريعًا في صيف 2013 بعد أنباء عن احتمال اعتقاله في أعقاب وصفه لبيان 3 يوليو بأنه بيان انقلاب عسكري، ومصطفي حجي، المقيم في قطر حاليًا، للحوار».

موقف قرطام يعتبره “مدحت الزاهد” “رئيس حزب التحالف الشعبي” وجهة نظر منفردة له والمنضمين لتياره، ولا تمثل الحركة المدنية، في الوقت الذي يعتبره أحد المصادر السياسية المقربة من السلطة، تحرك يعطي مجال ومرونة للسلطة إذا لم تسير مفاوضاتها مع صباحي على ما يرام، وكذلك إذا توصلت لاتفاق مع الإخوان بمساعدة الخليجيين.

لكن الملفت في الأمر أن السيسي ولا أي من معاونوه أفصح عن الهدف من الحوار، لكن المدعوين، من ناحيتهم، يرون أن الهدف لا يتجاوز امتصاص غضب المواطنين من الظروف الاقتصادية، وفتح مساحات للتفاهم بين المعارضة والسلطة.

كان طلب المعارضة المُعلن الوحيد هو الإفراج عن القابعين خلف أسوار السجون دون تهمة، لكن كما يقول عضو لجنة العفو الرئاسي والحركة المدنية، كمال أبو عيطة، في حديثه لـ«مدى مصر» أنه يسير بوتيرة غير مستقرة، بسبب وجود وجهتي نظر من الجهات المعنية بالدولة، الأولى تتبنى قضية الإفراج عن المحبوسين، والثانية تريد الاستمرار في التوسع في الاشتباه والقبض على المواطنين.

وتتحدث بعض المصادر السياسية، المطلعة على المفاوضات التي تتم بين السلطة والمعارضين، أن هناك وعودًا بتعديل قوانين الانتخابات والمشاركة في تشكيل حكومة وإجراء انتخابات برلمانية مبكرة العام المقبل، ولكن تظل هذه الوعود مرهونة بقدرة المعارضة على ضبط لغتها والقبول بالمهمة التي تكلفهم بها السلطة في الاصطفاف معها بشأن تخفيف آثار الأزمة الاقتصادية.

لذا فقد تجبر السلطة على وقف بعض المشاريع العملاقة، ووقف خطتها التوسعية في بناء مدن جديدة، وتأجيل افتتاح العاصمة الإدارية، و تأجيل تنفيذ بعض القرارات مثل الخاصة برسوم التصالح في مخالفات البناء، وتحريك دعم الخبز وغيره، بسبب ارتفاع الأسعار. ولكنها تريد أن يأتي ذلك وكأنه استجابة لمطالب المتحاورين معها وليس بسبب فشل سياستها.

ويقول أحد المشاركين في المفاوضات أن بعض الأجهزة الأمنية تطالبهم بالتوسع في المطالب لإثبات الجدية أمام الرأي العام، بينما تطالبهم أجهزة أمنية أخرى بعدم الانجراف في مطالبات مبالغ فيها لعدم إحراج الدولة.

وبحسب نفس المصدر، كان مسؤول مقرب من السيسي قد تواصل مع صباحي وشخصيتين سياسيتين أخريين، وأخبرهم أنه إذا أرادت المعارضة منح الحوار الوطني فرصة حقيقية، فعليهم أن يكونوا «واقعيين» بشأن ما يمكن توقعه. وطلب المسؤول وقف أي خطابات حادة، مشيرًا إلى مقابلة أحمد طنطاوي، رئيس حزب الكرامة والبرلماني السابق، مع قناة «بي بي سي»، ووصفها بأنها استفزازية. وقال أيضًا إن المعارضة بحاجة إلى فهم أن الخطابات الحادة تلك تقلل من ثقة الدولة في قدرة المعارضة على مواجهة التحديات التي تواجه البلاد.

وبحسب مصدر من المجلس القومي لحقوق الإنسان، فإن القائم الأساسي على تحريك مسار الحوار هو الدائرة الضيقة المحيطة بالسيسي من جهاز المخابرات العامة. وهو ما أشار إليه المصدر السياسي الأول، الذي تحدث عن مخاطبة صباحي، والتي جاءت من قبل المخابرات العامة، وليس من جهاز الأمن الوطني، الذي كان يمثل نقطة الاتصال الرئيسية معه.

وتتحدث مصادر على أن مشيرة خطاب الرئيس الحالي للمجلس القومي في لقاء لها مع عدد من المستشارين القريبين من السيسي على أن الغرب لا يفهم ما يجري داخل مصر، وهذا يدعو إلى «القيام بشيء ما» يمكن أن يسهم في التخاطب مع الغرب بلغته، وجاء اللقاء بعد عودتها من زيارة إلى العاصمة الأمريكية في خريف العام الماضي، بغرض كسب العقول والقلوب في الإدارة والكونجرس.

لكن كلامها لم يلقَ صدى مباشر من محدثيها، بحسب ذات المصدر، لذا قامت بكتابة مقترح تحرك، وطلبت عرضه على السيسي، ولم يأتِ أي رد لأسابيع وشهور، ثم فجأة تم الإعلان عن نية السيسي لإجراء حوار وطني وسط تكهنات عن أصل الفكرة وأهدافها.
-هوامش
▪أهداف الحوار يساعد الحوار على عرض الأفكار من قبل الطرفين والحجج والأدلة على صحة الطريق الذي يمشون به، فهو يدفع الشبهات ويجعل المحاور قادراً على عرض أسبابه وغاياته وتوضيح الشبهات.
يمكن المحاور من دعوة الطرف الآخر لأمر ما بشكل حضاري وفعّال، حيث إنه يقوم بعرض كل ما لديه بشكل مريح.
يمكن للحوار أن يقرب وجهات النظر، ويزيل الفجوات بين المتحاورين ويبعد التباغض والتناحر فيما بينهم.
إظهار الحقائق، وكشف جميع الأكاذيب والترهات.
ينشر المعارف والثقافات، ويعزز من كمية معلومات المتحاورين حول مواضع معينة.
نشر الألفة والمحبة بين البشر، وصنع العلاقات الجيدة والصداقات.
يعزز وجود الإنسان الروحي. تعدد الخيارات والحلول أمام المحاور، مما يسهل عليه عملية الفهم والاختيار السليم. خصائص الحوار الجيد هنالك العديد من الخصائص التي يجب أن تتوفر في الحوار حتى يكون حواراً فعّالاً وبنّاءً.

▪من خصائص الحوار الجيد ما يلي:
• أن يهدف إلى الوصول للحق وتجنب الوقوع بالباطل والتعصب.
• تحديد القضية التي سيتناولها الحوار، وتحديد الهدف الحقيقي منها، حتى لا يتداخل الحوار بمواضيع غير مناسبة، ويوصل الأطراف إلى التجادل العقيم وغير المجدي.
• تحديد الضوابط والأصول قبل البدء بالحوار.
• تحديد الأولويات والبدء بالأصول ثم التفرع في الحديث. آداب الحوار أن يخلو الحوار من التعصب لفكرة معينة، والسماح لجميع الأطراف بطرح أفكارهم بحرية وضمن أهداف معينة ومشتركة بينهم جميعاً.
• الحديث بأسلوب حسن، وبألفاظ حسنة بعيداً عن التجريح. عرض الدلائل الصحيحة والبعد عن الكذب والخداع.
• الثبات على المواقف، والابتعاد عن التناقض في الأفكار.
• أن يكون هدف كافة الأطراف الوصول للحق مهما اختلف عن معتقداتهم. التواضع واحترام الطرف الآخر.
• الاستماع الجيد وعدم مقاطعة الآخرين أثناء حديثهم. تهيئة الجو المناسب للحوار، كالهدوء.
• تحدي الطرف الآخر بواسطة الدلائل الواضحة والسليمة، والاعتراف بالخطأ في حال الاقتناع برأي الطرف الآخر.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل