مع ساعات الصباح الباكر تجمع السورية سعدية الطفسي (أم خالد) ما تبقى في بيتها من خبز وخضار لتقتات عليها في عملها بالمزارع المجاورة لمخيم الزعتري للاجئين شرقي الأردن.
وتعمل أم خالد (52 عاما) بأجر يومي لا يتعدى 5 دنانير (7 دولارات)، لكنها مهمة متقطعة، وتقول “عندنا أعمل أنفق أجري على غذاء الأطفال وأدويتهم، وأعالج زوجي المقعد بسبب إصابة من بداية الحرب”.
وتعيل الطفسي أسرة من 8 أفراد تتلقى مساعدات غذائية بواقع 23 دينارا (32 دولارا) للفرد من برنامج الغذاء العالمي لا تكفي لسد احتياجاتها اليومية غالبا “فالمساعدات الدولية باتت شحيحة، ولم يعد العالم ينظر لمأساتنا” كما تقول.
وحالة عائلة الطفسي واحدة من قصص البؤس والشقاء التي يعيشها أبناء مخيم الزعتري الذي يحتضن نحو 80 ألف لاجئ سوري، ومع مرور 10 سنوات على إنشائه بدأت تتلاشى آمال ساكنيه بالعودة لوطنهم، مع طول أمد الأزمة وفقدان الأمن وتدمير المنازل والمدن في سوريا.
أقيم مخيم الزعتري في نهاية يوليو/تموز 2012، ويمتد على مساحة 5.3 كيلومترات مربعة، حيث يعيش اللاجئون في “كرفانات” بديلة عن الخيام، وهي عبارة عن بيوت صغيرة من الصفيح المقوى والحديد، ويعانون هنا من صعوبة الأوضاع المعيشية وارتفاع بأسعار السلع والمواد الغذائية وتراجع المساعدات الدولية، وفق حديثهم للجزيرة نت.
علاج مؤجل
إلى جانب عائلة الطفسي يعيش الخمسيني إياد الحوراني وحيدا في “كرفانه” مع إصابات بليغة بالرأس والكتف والقدمين منذ عام 2013، ويقول للجزيرة نت “عند وصولي للأردن تلقيت العلاج لمدة عامين في المستشفيات الحكومية، لكنني اليوم لا أقوى على الحركة، تركتني عائلتي وغادرت وبقيت وحيدا أعيش بمساعدة أهالي المخيم”.
ولا يزال الحوراني يتلقى العلاج في أحد المستشفيات التي تديرها منظمة دولية إغاثية، وكان من المنتظر خضوعه لجراحة في الرأس، لكن المنظمة الدولية التي يتعالج لديها اعتذرت عن العملية “بسبب تراجع الدعم المالي المقدم لها” كما قال.
في ركن آخر تقيم سميرة العمرو (أم أحمد) وتعيل أسرتها المكونة من 6 أفراد، بينهم طفلان مصابان بإعاقة عقلية وحركية.
وفي الشارع ذاته يعيل العشريني عمار البني عائلة مكونة من 17 فردا بعد أن قُتل والده واثنان من أشقائه وبقيت العائلة كلها برقبته، ويشتكي البني في حديثه للجزيرة نت من “شح المساعدات الغذائية والدوائية المقدمة للاجئين”.
واستقبل الأردن منذ بداية الحرب في سوريا نحو 1.3 مليون لاجئ سوري، منهم 670 ألف لاجئ مسجلون لدى مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، ويعيش نحو 20% منهم في مخيمات الزعتري والأزرق شمال وشرق الأردن، ويضم الأخير نحو 38 ألف لاجئ.
تراجع المساعدات
تتحدث وزارة التخطيط والتعاون الدولي الأردنية عن تراجع كبير في تمويل خطة الاستجابة الأردنية للأزمة السورية وبنسبة 90% على الأقل، وبلغ حجم التمويل الدولي للخطة 235 مليون دولار خلال النصف الأول من العام الحالي من أصل 2.28 مليار دولار، أي بنسبة 10.3% من الاحتياجات، وبعجز قدره 2.045 مليار دولار، وهو ما يعادل 89.7% من إجمالي حجم الخطة.
وزادت أزمة اللجوء السوري الأعباء المالية على الموازنة الأردنية، ورفعت الطلب على الخدمات العامة في مجالات التعليم والحماية والصحة، بما في ذلك توفير اللقاحات للاجئين ضد فيروس كورونا، وفق وزير التخطيط الأردني ناصر الشريدة.
وقال الشريدة للجزيرة نت إن الدعم الدولي لخطة الاستجابة الأردنية يمكن المملكة من الاستمرار بدورها الإنساني تجاه اللاجئين على أرضها نيابة عن المجتمع الدولي.
وتوزعت قيمة تمويل الخطة على 83.4 مليون دولار لبند دعم اللاجئين، ونحو 59.9 مليون دولار لدعم المجتمعات المستضيفة، فيما مولت الخطة بند الاستجابة لجائحة كورونا بنحو 4.7 ملايين دولار، والبنية التحتية وبناء القدرات المؤسسية بنحو 86.9 مليون دولار، في حين لم يمول بند دعم الخزينة بأي مخصصات، وفق بيانات الوزارة.
ووفق أرقام رسمية، فإن التكلفة الكلية المباشرة لاستضافة اللاجئين السوريين في الأردن خلال العقد الماضي بلغت نحو 15.8 مليار دولار، وسجل الدعم الدولي للاجئين السوريين تراجعا خلال السنوات الأخيرة، إذ تمت تلبية 62% من الاحتياجات في 2016، وانخفضت النسبة إلى 50% في 2019، وسجلت انخفاضا آخر عام 2021 لتبلغ النسبة 30.6% فقط.
توسع بالفقر
وبسبب تراجع الدعم الدولي وما رافقه من ارتفاع أسعار المواد الغذائية أصبح انعدام الأمن الغذائي والفقر يهددان نسبة عالية من اللاجئين والفئات الأكثر ضعفا منهم خاصة، وتكافح أكثر من 80% من الأسر اللاجئة لتتمكن من تلبية احتياجاتها المعيشية من غذاء ومسكن ونظافة وصحة، وذلك وفق دراسة لبرنامج الغذاء العالمي.
وأظهرت نتائج دراسة “مؤشر الأمن الغذائي” -التي أجراها برنامج الغذاء العالمي في الربع الأول من العام الحالي- أن 81% من اللاجئين في المجتمعات المحلية و90% من اللاجئين في المخيمات إما يعانون من انعدام الأمن الغذائي أو معرضون له، مما يعني أن المساعدات الغذائية التي يقدمها البرنامج في غاية الأهمية، لتمكينهم من توفير لقمة على مائدة الطعام.
وتعاني الأسر التي تعيلها نساء والأسر التي تضم أفرادا من ذوي الاحتياجات الخاصة من عدم توفر الغذاء بنسب متفاوتة، ويقدم البرنامج مساعداته الغذائية الشهرية لـ465 ألف لاجئ في الأردن، منهم 112 ألف لاجئ سوري يعيشون في المخيمات.
وكشفت نتائج دراسة “إطار تقييم الضعف لعام 2022 للاجئين بالأردن” -التي أجرتها مفوضية اللاجئين- أن 64% من اللاجئين يعيشون على أقل من 3 دنانير يوميا (4.2 دولارات)، وهو دون معدل خط الفقر الدولي المحدد بـ5.5 دولارات يوميا.
كما أن 90% من عائلات اللاجئين تستخدم إستراتيجية واحدة على الأقل للتكيف السلبي، مثل الحد من تناول الطعام أو شراء السلع المنزلية عن طريق الدين الآجل من أجل الاستمرار في حياتهم اليومية.
عذراً التعليقات مغلقة