اجتمع رؤساء الدول الثلاث الضامنة لما يسمى “مسار أستانا” تركيا وروسيا وإيران في طهران، وحظيت هذه القمة باهتمام إعلامي كبير، طبعا ليس بسبب الاهتمام بسوريا فجأة وإنما بسبب حضور الرئيس بوتين لها في أول لقاء بين الرئيس الروسي خارج موسكو منذ بدء حربه على أوكرانيا ودولة عضو في حلف الناتو وهي تركيا، وهو ما اعتبر فرصة للمفاوضات حول تصدير القمح الأوكراني الذي يفوق على 22 مليون طن من القمح تمنع روسيا تصديره من الموانئ الأوكرانية وهو ما سينعكس كأزمة غذاء عالمية خاصة على دول الشرق الأوسط وأفريقيا التي تعاني من نقص الحبوب منذ بدء الحرب على أوكرانيا.
بالعودة إلى سوريا في القمة كانت مثيرا ولافتاً ما جاء في البيان الختامي عن “وحدة الأراضي” السورية وعن “محاربة الإرهاب في سوريا” فالكل يستخدم سوريا أرضا لمحاربة الإرهاب لكن الكل يفهم الإرهاب كما يرغبه ويعنيه، فروسيا كما إيران تعتبر كل من عارض نظام الأسد إرهابيا وجب قصفه وقتله كما فعلت منذ تدخلها العسكري في سوريا عام 2015 كما مارست إيران حملة أمنية شرسة لتساعد نظام الأسد في اعتقال المعارضين وتعذيبهم حتى الموت مع بدء الثورة السورية عام 2011 حيث أعارت نظام الأسد خبرتها في قمع الثورة الخضراء في إيران عام 2008 والتي زجت خلالها إيران ميليشيات موالية لها على الأرض من اعتقال المعارضين وسحلهم في الشوارع وقتلهم ومن ثم اتهام مجموعات مسلحة بالقيام بذلك كي تضيع المسؤولية القانونية كليا وكي تشيع الرعب والخوف في نفوس المتظاهرين السلميين، وقد طبق الأسد هذه الاستراتيجية بحرفيتها مع ما يسمى ميليشيا الدفاع الوطني والشبيحة وغيرهم من الميليشيات الحكومية التي أبدعت في إدخال الرعب لدى المتظاهرين السلميين السوريين ومن ثم القيام بقتلهم وتعذيبهم مسكونة بحقد طائفي لا حدود له، ومتحركة على مبدأ اللامسؤولية القانونية الكاملة على كل ما تفعله عبر القتل والتعذيب لأي مشارك في هذه المظاهرات دون محاسبة أو عقاب، فقد أصبح القتل مشروعا تماما بل وتشجعه الحكومة وتكافئ من يقوم به ضد هؤلاء “الإرهابيين” وربما ما ظهر في فيديو مجزرة التضامن عينة بسيطة جدا مما مارسته هذه الميليشيات من عام 2011 وحتى عام 2015 وربما بشكل أقل بعد ذلك.
أما تركيا فمفهومها للإرهاب مختلف كليا إذ هي تعني قسد أو ما يطلق عليها قوات سوريا الديمقراطية التي هي النسخة السورية الحرفية من حزب العمال الكردستاني في سوريا والتي تهدف إلى بناء حكم ذاتي لها مستقل في سوريا وتخاف اليوم من العملية العسكرية التركية التي تحدث عنها الرئيس التركي مرارا مما دفعها للتحالف مع نظام الأسد ضد تركيا، ولذلك كان طريفا أن يتحدث البيان عن مكافحة الإرهاب لكن دون تحديد ما هو الإرهاب حقاً خاصة أن معظم الشعب السوري بما فيهم المعارضة السورية تعتبر أن الحكومة السورية هي التي تمارس إرهاب الدولة على مستويات لم يسبق لها مثيل من خلال قصف البراميل المتفجرة والقصف العشوائي والاعتقال والتعذيب حتى الموت إلى غير ذلك مما وثقته كل التقارير الدولية كتقارير الأمم المتحدة وتقارير المنظمات الدولية ولذلك كيف يقوم الرؤساء الثلاث بإصدار بيان يعرفون تماما أن تطبيقه يجري على عكسه وأن كل طرف على الأرض ينفذ وفقا لما يريد وفق معادلة تغيير الحسابات على أرض الواقع، برأيي هذا أكبر دليل على فشل هذه القمة حيث يستمر هذا المسار في تكرار الكذب حول سوريا دون أن يكون هناك توجه لقبول ما يرغب به الشعب السوري من حقه في تغيير حكومته واختيار رئيسه عبر انتخابات نزيهة وديمقراطية وهو ما يؤكد مجددا ما رددته البيانات الدولية الجوفاء منذ سنين حول “الحل السياسي” في سوريا وحول “وحدة الأراضي السورية” بينما التقسيم هو الحل والخيار الوحيد على الأرض.
Sorry Comments are closed