تؤكّد التصفيات المتواصلة لقادة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في شمال غربي سورية أنه كلما لقي إرهابي مصرعه في هذه المناطق، زادت الحاجة إلى تضافر الجهود الدولية، من أجل حل سياسي في هذا البلد الذي أصبح مدمّرا ومنكوبا، وأكثر من نصف شعبه لاجئا في الخارج أو مشرّدا في الداخل، يعيش في ظروف قاسية غير إنسانية، لا تتحقّق فيها أبسط شروط وصول الطعام والماء الصالح للشراب إلى الغالبية العظمى، هذا عدا عن عدم توفر الصحة والتعليم والسكن في حدوده الدنيا لمئات الآلاف الذين يسكنون مخيمات عشوائية.
لا تتوقف عمليات اغتيال قادة التنظيمات الإرهابية في هذه المناطق، سواء من “داعش”، أو الذين يدورون في فلكه، مثل تنظيم “حرّاس الدين” القريب من القاعدة. ولا يتم عادة الإعلان إلا عن الرؤوس الكبيرة، وفي مقدّمة هؤلاء الزعيم الأول لداعش، أبو بكر البغدادي، الذي تم قتله في بلدة باريشا في محافظة إدلب في أكتوبر/ تشرين الأول 2019، ثم توالت العمليات ضد القيادات الأساسية للتنظيم، ومنها نائبه المدعو أبو إبراهيم القرشي في فبراير/ شباط الماضي في بلدة أطمة في محافظة إدلب، والأحدث بين سلسلة العمليات المهمة قتل أحد قادة “داعش” الخمسة حسب التوصيف الأميركي، المدعو ماهر العقال في الثاني عشر من شهر يوليو/ تموز الحالي في بلدة جنديرس بريف حلب، والتي يسيطر عليها أحد التنظيمات العسكرية في الجيش الوطني.
تمّت التصفيات في منطقة ذات صبغة واحدة في ريفي محافظتي إدلب وحلب، تقع تحت سيطرة الفصائل التي تحسب نفسها على الثورة السورية، وترفع شعارات مواجهة النظام، وما كانت لتحصل، لولا أن بعض هذه الفصائل يتعاون أمنيا مع الجهات الدولية ذات المصلحة في محاربة “داعش”، وفي مقدمتها الولايات المتحدة التي قامت بكل عمليات الاغتيال، وقد يكون التعاون بين هذه الأطراف وأميركا مباشرا، أو غير مباشر من خلال تركيا، ولكنه يؤدّي الغرض ذاته، ويترك النتائج السياسية نفسها، أن هذه المنطقة باتت بؤرة جاذبة للإرهاب، وما كان للبغدادي وغيره أن يقصدوها للاختباء او للنشاط، لولا أنهم لم يحصلوا على تغطيةٍ أمنيةٍ فيها، وأغلب أصابع الاتهام تتجه إلى هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقا)، فرع تنظيم القاعدة في سورية. وتسجل على هذا التنظيم التسهيلات التي يحصل عليها هؤلاء الإرهابيون، وكذلك يُنسب له التعاون الأمني مع الأجهزة الأجنبية التي تطارد هؤلاء المرتزقة الذين وجدوا في سورية ساحة مفتوحة للعمل الإرهابي منذ بدايات الثورة السورية، وكان لحضورهم ونشاطهم دور أساسي في تخريبها، وحرفها عن مسارها السلمي، من خلال تفريخ الفصائل التي ارتُكبت فظائع كثيرة، وتحولت إلى سلطة أمراء حربٍ تعيش على بيع الخدمات للدول الأجنبية الموجودة في سورية بلا استثناء.
وبغضّ النظر عن صحّة التهم الموجّهة إلى هيئة تحرير الشام وفصائل معارضة من عدمها، فإن تهمة الإرهاب لحقت بهذه المنطقة، وصارت، في نظر عدة أطراف دولية، بمثابة قاعدة خلفية يجد فيها الإرهابيون الحماية والإمكانية للنشاط وإعادة البناء. وهذا ما تؤكّد عليه عمليات التصفية المتواصلة لهؤلاء، ما يلقي مسؤوليةً على الأطراف الدولية المعنية بمحاربة الإرهاب، وبالقدر ذاته على الفصائل السورية الموجودة في هذه المنطقة. وعلى الحكومة السورية المؤقتة التي تتبع الائتلاف الوطني. وأهم ما في الأمر أن يدرك هؤلاء مدى الضرر اللاحق بالسوريين وأهل هذه المنطقة من جرّاء وجود هؤلاء الإرهابيين. ويكفي أن روسيا لا تكفّ عن استخدام هذه الورقة في المحافل الدولية، من أجل تعطيل كل الحلول السياسية وترويج النظام، بما في ذلك تحويل المساعدات الدولية له، بدلا من الإشراف الدولي على توزيعها. ومن هنا، تبقى مهمة تحصين هذه المناطق أمام الاختراقات الإرهابية أولوية.
عذراً التعليقات مغلقة