سلطت وثائق حصرية حصل عليها موقع ميديا بارت (Mediapart) الفرنسي والصحيفة الإيطالية اليومية “دوماني” (Domani) الضوء على واحدة من أكبر عمليات ضبط عقار الكبتاغون المنتج في الشرق الأوسط تمت في ساليرنو الإيطالية، وأشارت إلى ما سمتها الصلات التي نشأت بين المجرمين الإيطاليين ومقربين من النظامين الليبي والسوري.
وأوضح موقع ميديا بارت -في مقال مشترك بين توماس ستاتيوس وسارا كريتا وجيوفاني تيزيان- أن ضبط الجمارك الإيطالية 14 طنا (850 مليون حبة) من عقار الكبتاغون المخدر -التي تقدر قيمتها بنحو 14 مليار يورو وكانت مخبأة في 4 حاويات قادمة من سوريا ومتجهة إلى ليبيا- تصدّر عناوين الصحف الإيطالية يوم الأول من يوليو/تموز 2020، وعدّته الصحافة أكبر عملية مصادرة لهذا المخدر الصناعي القريب من الأمفيتامين الذي قدم وقتها على أنه مخدر تنظيم الدولة الإسلامية الذي يأخذه المقاتلون قبل التوجه إلى الجبهة.
ومع أن وسائل الإعلام الإيطالية تسابقت لإظهار أن ضبط هذه المواد سيكون ضربة قاصمة لتنظيم الدولة الذي تقدمه العدالة على أنه الراعي الحقيقي للعملية فإن لوران لانييل -من مركز المراقبة الأوروبية للمخدرات والإدمان- وصف ما تتحدث عنه الصحف بأنه أسطورة وليس حقيقة، خاصة أن التحقيق أخذ منحى مختلفا تماما.
وبحسب مقال ميديا بارت، فقد تحول التحقيق إلى ألبرتو أماتو (46 عاما)، وهو صقلي مقرب من إحدى أقوى الجماعات الإجرامية في العالم، وأدين في قضية تتعلق باستيراد الكوكايين من البرازيل، كما حكم عليه بالسجن 10 سنوات في قضية حاويات الكبتاغون التي أرسلت إلى شركته المسجلة في سويسرا.
لكن -وفق المقال- فإن المحققين الإيطاليين اكتشفوا حقيقة أخرى خلف شبكة المافيا هذه حسب الوثائق الحصرية، إذ تشتبه الشرطة العابرة للحدود في أن خيوط هذه العملية لها نهايات ترتبط بمقربين من رئيس النظام السوري بشار الأسد، وكذلك ببعض أبناء الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي.
شخصيات مهمة في سوريا
وقد مكنت التحقيقات من التعرف على عدة شخصيات مهمة في سوريا في قلب هذا التهريب، إذ أوضح مصدر مطلع على الموضوع أن الحاويات غادرت ميناء اللاذقية في أقصى غرب سوريا يوم 6 يونيو/حزيران 2020، وهو ميناء يعرف بأنه أحد معاقل نظام الأسد، إذ يملك أنصاره أرصفة على مساحة 150 هكتارا، ويقومون بتسهيل عمليات التهريب، خاصة أنه من المستحيل تحميل مثل هذه الكمية من المخدرات دون تواطؤ محلي، حسبما يرى المحققون.
وبحسب ميديا بارت، فإن قليلين في ميناء اللاذقية من يوافقون على الحديث لأن “الناس خائفون، فهذه ليست عصابات، بل النظام السوري هنا هو من يقوم بالتهريب”، كما يوضح خبير في الملف.
ويقول باحثان من المعهد الأميركي للأبحاث الإستراتيجية إن مسؤولية التهريب تقع على عاتق شخصية رئيسية أخرى في نظام الأسد هي غسان بلال، وهو لواء في الفرقة الرابعة من الجيش و”جزار الغوطة” السابق الذي يعد أحد الأفراد الذين يوفرون المتطلبات اللوجستية للشبكة.
وبحسب الباحثين وتقارير نشرتها صحيفة نيويورك تايمز (The New York Times)، فإن الكبتاغون “تهربه الدولة” من خلال غسان بلال نفسه تحت قيادة ماهر شقيق رئيس النظام السوري بشار الأسد، غير أن عدم القدرة على إجراء تحقيق في الأمر داخل سوريا جعل المحققين الإيطاليين يتابعون ملف مواطن سوري آخر مقرب من عائلة الأسد يدعى طاهر ويكنى “أبو كريم”، وله سوابق في إيطاليا.
طاهر هذا -كما يقول الموقع- تشتبه الشرطة في علاقته بكميتين أخريين من الكبتاغون سبق أن ضبطتا في اليونان والسعودية تحملان بصماته.
وتعتقد الشرطة الإيطالية -رغم نفي المشتبه به المذكور آنفا أي علاقة له بحاويات الكبتاغون- أنه المحور الحقيقي لعمليتي التهريب، خاصة بعد اعتراف مشتبه به آخر يدعى ألبرتو أماتو أثناء توقيفه من قبل الشرطة بأن طاهر هو بالفعل من أرسل الحاويات التي تحتوي على المخدرات.
من ناحية أخرى، وجد المحققون الإيطاليون أن شخصا آخر يدعى علي أحمد -وهو مقرب من النظام الليبي والمالك الرسمي لمبنى في روما كان يقيم فيه معتصم القذافي خلال زياراته للعاصمة الإيطالية- ضمن الأشخاص الذي تربطهم علاقة وتواصل مباشر مع ألبرتو أماتو والعديد من شركائه، وقد تحدث معه عبر الهاتف 8 مرات على الأقل بعد أسابيع فقط من احتجاز الكبتاغون في ميناء ساليرنو.
وخلص المحققون إلى أن علي أحمد -الذي يتعذر تعقبه- على صلة بنحو 50 عملية من عمليات تحويل الأموال المشبوهة من إيطاليا إلى عدة حسابات في بريطانيا وليبيا ومالطا وروسيا بمبالغ تصل إلى عشرات الآلاف من اليوروهات، فيما يشتبه المحققون أنه خطة تعويض ذكية لإخفاء الوجهة النهائية للأموال.
عذراً التعليقات مغلقة