تستضيف طهران الثلاثاء الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان في أول لقاء يجمعهم منذ ثلاث سنوات. يأتي هذا اللقاء في إطار “عملية أستانا للسلام” التي تهدف إلى إنهاء النزاع السوري.
وكان لكل من روسيا وإيران وتركيا دورا فعالا في النزاع السوري منذ اندلاعه في العام 2011. وأدى دعم موسكو وطهران لبشار الأسد إلى تغيير المعادلة على الأرض لصالح قوات نظام الأسد، بينما كانت تركيا تدعم فصائل معارضة للنظام.
وستتيح اللقاءات الثنائية التي ستعقد في طهران، ويجمع أحدها بين بوتين وأردوغان للمرة الأولى منذ غزو أوكرانيا في شباط/فبراير، فرصة البحث في ملفات شائكة مثل تداعيات هذه الحرب والاتفاق النووي الإيراني.
من جهته أكد الكرملين لدى الإعلان عن القمة هذا الشهر أنها ستكون مخصصة للملف السوري.
وعن توقيت عقد هذه القمة يقول المحلل الروسي الخبير في الشرق الأوسط فلاديمير سوتنيكوف لوكالة الأنباء الفرنسية أنه “لم يُحدّد بالصدفة”. ويضيف “بينما تنفّذ روسيا ‘عمليتها الخاصة’ في أوكرانيا، تريد تركيا أيضا شن ‘عملية خاصة’ في سوريا”، معتبرا ذلك “المسألة الأساسية في القمة” على حد قوله.
ومنذ شهرين، يلوح إردوغان بشن عملية عسكرية ضد مناطق تسيطر عليها مليشيا قوات سوريا الديمقراطية التي يشكل المقاتلون الأكراد عمودها الفقري، تنطلق من الحدود التركية لتصل إلى منطقتي منبج وتل رفعت في ريف محافظة حلب شمال سوريا.
وتسيطر تركيا وفصائل سورية موالية لها منذ 2016 على مناطق حدودية متاخمة في الشمال. وتخشى أنقرة من وجود قوي للمليشيات الكردية عند حدودها مع سوريا، ما قد يعزّز موقع حزب العمال الكردستاني المتمرد في تركيا والذي تصنفه كمنظمة إرهابية.
وبحسب الباحث في الشؤون التركية في معهد كارنيغي – أوروبا سنان أولغن، “لا تريد السلطات التركية أن تخوض العملية من دون ضوء أخضر من روسيا (…)، لأن المنطقتين المستهدفتين تقعان تحت إشرافها، كما تريد تركيا التمكن من استخدام المجال الجوي”.
وبدورها تحضر إيران في منطقة العملية المزمعة “من خلال مجموعات شيعية مسلّحة”، وفق أولغن الذي يشدّد على أن ذلك يدفع إردوغان للسعي إلى “نيل الضوء الأخضر” منها أيضا.
“بازار بين القوى الكبرى”
وتبدو العملية معقدة إذ سبق لموسكو أن أعربت عن أملها في أن “تُحجِم” أنقرة عن شنّ الهجوم، بينما حذّر وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان من أن عملية مماثلة قد تؤدي إلى “زعزعة أمن المنطقة”.
وكانت مليشيا قوات سوريا الديمقراطية حثّت الجمعة موسكو وطهران على منع أنقرة من تنفيذ تهديداتها. وأبدى قائدها مظلوم عبدي ثقته بأن “روسيا وإيران لن توافقا على مطالب تركيا”، آملا في ألا تكون سوريا “محط بازارات بين القوى الكبرى”.
ويرى الباحث في معهد “نيولاينز” نيكولاس هيراس أن “إيران وروسيا لا تريدان عملية عسكرية تركية أخرى شمال سوريا”، مشيرا إلى غاية “تجهيز إيران لحضور في حلب ومحيطها، ما يثير قلق تركيا، وروسيا (…) تتراجع في سوريا لصالح إيران”.
وتطرقت تقارير في الآونة الأخيرة إلى احتمال خفض روسيا حضورها العسكري في سوريا لانشغالها في أوكرانيا، وأن يتم تعويض ذلك بتعزيز الوجود الإيراني. وكانت روسيا دخلت منذ العام 2015 على خط النزاع في سوريا عسكريا. وتؤكد إيران تواجد أفراد من قواتها في مهام “استشارية”، وتدعم حزب الله اللبناني الذي يقاتل إلى جانب قوات النظام.
ووفق المحلل السياسي الإيراني أحمد زيد أبادي، تريد إيران وروسيا وتركيا التنسيق “على الأقل من أجل عدم زيادة التوترات بينها”. إلا أنه يحذّر من أن التفاهم ليس محسوما “إذ لكل من هذه الدول رؤيتها الخاصة بشأن سوريا، وفي أعقاب الحرب في أوكرانيا، أعتقد أن تباينات جديدة نشأت بينها”.
وساطة تركية في أوكرانيا
وتعتبر الحرب الأوكرانية نقطة التجاذب الأساسية حاليا بين روسيا من جهة، والدول الغربية من جهة أخرى، خصوصا الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي الذي تنتمي إليه تركيا.
ويأتي اللقاء الثلاثي بعد أيام من جولة الرئيس الأمريكي جو بايدن في الشرق الأوسط. ويقول سوتنيكوف إن لقاءات طهران ستشمل “العملية الروسية في أوكرانيا التي غيّرت الوضع الجيوسياسي في العالم”، مذكّرا بأن “للرئيس التركي علاقات شراكة مع روسيا وأوكرانيا، ولهذا يؤدي دور الوسيط في هذا النزاع”. مضيفا “بالنسبة إلى روسيا، الحفاظ على الشراكة مع تركيا مهم جدا”.
وكانت إسطنبول استضافت الأربعاء مباحثات بين موسكو وكييف لكسر الجمود في تصدير الحبوب من أوكرانيا الذي تسبب في ارتفاع أسعار المواد الغذائية عالميا، لا سيما في ظل تزايد أسعار الطاقة بسبب العقوبات التي يفرضها الغرب على روسيا ردا على الغزو.
وفيما يتعلق بالجانب الروسي – الإيراني، يتوقع زيد أبادي أن يجري الجانبان “مباحثات معمّقة وجادة ” بشأن الجهود المتعثّرة لإحياء الاتفاق النووي الذي انسحبت منه الولايات المتحدة أحاديا العام 2018، مرجحا أن “تشجّع” موسكو طهران على إحياء الاتفاق “رغبة منها في تفادي التصعيد بين إيران ودول المنطقة، وبالتالي مع الغرب”.
وللتذكير تشارك روسيا في مباحثات بدأت قبل أكثر من عام بين إيران والقوى الكبرى لإحياء الاتفاق الذي أتاح رفع عقوبات دولية عن الجمهورية الإسلامية مقابل تقييد برنامجها النووي. ويحتمل أيضا أن يبحثا في “طبيعة التعاون العسكري (…) بما يشمل شراء الطائرات المسيّرة”، وفق زيد أبادي.
وكان البيت الأبيض قد كشف مؤخرا أن روسيا تعتزم الحصول على طائرات مسيّرة إيرانية لاستخدامها في أوكرانيا. ورفض الكرملين التعليق على هذه المعلومات، بينما اعتبر وزير الخارجية الإيراني الجمعة أن “لا أساس” لهذه المزاعم.
عذراً التعليقات مغلقة