“حرب تصفية الحسابات” بين إيران وإسرائيل.. أين تقف تركيا؟

موقف أنقرة حتى الآن يميل في الظاهر إلى رؤية الجانب الإسرائيلي

فريق التحرير25 يونيو 2022آخر تحديث :
التوتر الإيراني الإسرائيلي يختبر علاقات تركيا بالطرفين

تحول الموقف التركي بشأن التهديدات الإيرانية وما يقابلها من تحذيرات ووعيد إسرائيلي إلى جزء رئيسي مما يصفها المراقبون بـ”حرب تصفية الحسابات”، والتي يبدو أنها دخلت في مرحلة جديدة، تُنذر بـ”تصعيد قادم”.

منذ مطلع العام الحالي طرأ تحول على صعيد العلاقات التركية – الإسرائيلية، لتغدو الأجواء بينهما “أكثر إيجابية”، بعد توتر دام لسنوات، في حين تعرف العلاقة بين أنقرة وطهران على أنها “تسير ضمن حدود رسمت لتكون بعيدة عن التصعيد أيضا”، رغم حالة التنافس التي انعكست على أكثر من ملف.

وفي الوقت الحالي ومع تصاعد التوتر بين إسرائيل وإيران باتت تركيا بشكل غير مباشر أحد الأطراف التي تقف بينهما “وفي المنتصف”، الأمر الذي يثير التساؤلات عن الآلية التي ستمضي بموجبها، سواء لتحقيق التوازن في العلاقة معهما، أو إن كانت ستصطف إلى جانب طرف ضد طرف آخر.

وكان وزير الخارجية الإسرائيلي قد وصل إلى أنقرة، الخميس، والتقى نظيره التركي، مولود جاويش أوغلو، في تطورٍ تزامن معه إعلان السلطات التركية القبض على خلية من خمسة إيرانيين، مشتبه بها بسعيها لتنفيذ هجمات ضد مواطنين إسرائيليين.

وذلك ما كان قد سبقه بأسبوع واحد فقط تحذيرات أطلقتها إسرائيل لمواطنيها المقيمين في تركيا بضرورة مغادرة البلاد بـ”أسرع وقت”، على خليفة “التهديدات الإيرانية”، في موقف اعتبرته طهران على لسان الناطق باسم خارجيتها، سعيد خطيب زادة بأنه “مثير للسخرية”.

وبينما تؤكد إسرائيل أن التهديدات ضد مواطنيها في تركيا “قائمة حتى الآن” تنفي إيران ذلك، وتتهم الأولى بأنها تسعى لـ”تخريب علاقتها مع تركيا”، بحسب كلمات خطيب زادة، يوم الجمعة.

لكنه وفي ذات الوقت تابع بحسب ما نقلت وكالة “فارس”: “لا يتوقع من تركيا أن تلتزم الصمت إزاء هذه الادعاءات المثيرة للتفرقة. لقد أظهر هذا الكيان مرارا كيف لا يمكن الوثوق به”.

في المقابل يبدو أن موقف أنقرة وحتى الآن يميل في الظاهر إلى رؤية الجانب الإسرائيلي، وهو ما عكسته العمليات التي نفذتها المخابرات التركية ضد خلايا الاغتيال الإيرانية من جهة، أو عبر التصريحات الرسمية لمسؤوليها.

وفي الوقت الذي أعلن فيه جاويش أوغلو، الخميس، الشروع في إجراءات رفع التمثيل الدبلوماسي مع إسرائيل إلى مستوى سفير، أشار إلى أن بلاده تتعاون مع إسرائيل بملف الأمن، مضيفا: “كنا على تواصل وثيق مع لابيد بخصوص تهديدات إرهابية ضد مواطني إسرائيل في بلادنا”.

واستطرد: “مؤسساتنا واصلت تبادل المعلومات الاستخباراتية فيما بينها، كما تباحث الرئيس (الإسرائيلي إسحاق) هرتسوغ مع الرئيس رجب طيب إردوغان بشأن هذه القضية”، مؤكدا: “لا يمكننا السماح بوقوع أحداث من هذا النوع في بلادنا، ولن نسمح بتصفية الحسابات داخل بلادنا، كما لا يمكننا السماح بوقوع هجمات إرهابية”.

“مؤشرات تنسيق”
وهذه ليست المرة الأولى التي تعلن فيه تركيا إلقاء القبض أو إحباط عمليات لاستهداف مواطنين إسرائيليين على أراضيها.

وعلى مدى الأشهر الماضية كانت قد كشفت سلسلة من العمليات، أبرزها تلك التي حصلت، في شهر فبراير الماضي، حيث أحبطت أجهزة الأمن التركية محاولة “خلية إيرانية” اغتيال رجل أعمال إسرائيلي يملك شركة أمنية ويعيش في تركيا، يدعى “يائير غيلر”.

وذكرت صحيفة “صباح” المقربة من الحكومة التركية، حينها، أن الخلية مكونة من تسعة أشخاص، وقد ألقي القبض عليها، بعدما وصلت معلومات إلى فرع المخابرات في إسطنبول، عن خطة اغتيال رجل الأعمال، وبعد أشهر من المتابعة التقنية والفيزيائية.

فيما يتعلق بالحادثة الأخيرة فقد ذكرت صحيفة “حرييت” المقربة من الحكومة، الجمعة، أن الخلية الإيرانية كانت بصدد استهداف “زوجة دبلوماسي إسرائيلي متقاعد”، وأنه “جاء إلى تركيا كسائح”.

وأورد تقرير الصحيفة أن العملية حصلت في 15 من يونيو الحالي، وأن الإيرانيين الذين ألقي القبض عليهم قدموا إلى تركيا “قائلين إنهم طلاب وسائحون ورجال أعمال”.

وفي وقت وصلت فيه تحذيرات إسرائيل لمواطنيها في تركيا إلى مستوى “الدرجة الرابعة”، أشارت الصحيفة إلى أن المخابرات التركية ساعدت عددا من السياح الإسرائيليين لمغادرة إسطنبول عبر المطار، “مباشرة ودون أخذ أمتعتهم”.

وتابعت: “بعد ذلك اتصل إسحاق هرتسوغ بإردوغان وشكره على العملية في التاسع عشر من يونيو الحالي”.

أين تقف أنقرة؟
ويعتبر ما سبق مؤشرا على التنسيق الأمني والاستخباراتي المباشر بين تركيا وإسرائيل، وهو ما يؤكده أيضا مسؤولو البلدين، في أوقات متفرقة.

وتوجه وزير الخارجية الإسرائيلي لابيد بالشكر للحكومة التركية، الخميس، على “نشاطها الاحترافي والمنسق” في إحباط ما أسماها “بالمؤامرة” ضد مواطنين إسرائيليين في إسطنبول.

وأضاف: “نحن ممتنون للحكومة التركية، على هذا النشاط الاحترافي والمنسق”.

ورغم ذلك إلا أن المحلل السياسي الإسرائيلي، يوني بن مناحيم يرى أن “تركيا ستحافظ على موقف حيادي ولن تتدخل في المشاكل بين إسرائيل وإيران”.

ويرتبط ذلك، وفق مناحيم بأن “أنقرة تعي أن النظام الإيراني لا يريد أي هدنة مع إسرائيل ولديه طموحات بتدمير إسرائيل وتحقيق الامتداد الإقليمي في الدول السنية”.

وبالتالي فإن الصراع “ليس آنيا أو قصيرا”، وأنه “من مصلحة تركيا أن تحافظ على علاقات طيبة مع إسرائيل من جهة وإيران من جهة أخرى”.

ويضيف المحلل السياسي لموقع “الحرة”: “بحسب المعلومات الإسرائيلية هناك ثلاث خلايا إيرانية في تركيا لم يتم اعتقالها بعد، وهي تحاول اختطاف الإسرائيليين وقتلهم”.

ويشير إلى أن “إسرائيل متشجعة جدا من الموقف التركي، وخاصة أن المخابرات التركية عملت مع الموساد الإسرائيلي لإلقاء القبض على الإيرانيين”.

بدوره اعتبر الكاتب التركي والباحث في مركز “سيتا” المقرب من الحكومة، برهان الدين دوران أن “تطبيع أنقرة مع إسرائيل ودول الخليج ليس ضد أطراف ثالثة (مثل إيران)”.

ويقول: “تركيا لا تريد تكتلا في المنطقة على أساس انقسامات أيديولوجية أو طائفية، وأيضا هي لا تريد أن تصبح أي قوة إقليمية تهديدا للآخرين”.

وترى تركيا أن أي جهد إقليمي جديد “مشابها لعهد ترامب سيوسع مناطق الصراع”.

ويضيف دوران: “لذلك تطمح أنقرة إلى أن تكون عامل توازن يضمن الأمن والاستقرار في المنطقة”، مشيرا إلى أن العملية الأخيرة للمخابرات والتي كشفت خلية شبكات التجسس “لا تكتفي فقط بإرسال رسالة قوية إلى طهران، بل تعلن للعواصم ذات الصلة بأنها لا تستطيع أن ترى تركيا كمنطقة عمليات بأي شكل من الأشكال”.

“التوازن خلل”
خلال السنوات الماضية من الفوضى التي شهدها التوازن الإقليمي في الشرق الأوسط، اتسمت العلاقة بين تركيا وإيران، وهما دولتان متجاورتان بالتعاون وتبادل المصالح المشتركة.

وكان لكل من أنقرة وطهران مواقف داعمة ومتناغمة مع الأخرى، في تصالح وضع في خانة “البراغماتية” التي اتبعها الطرفان.

وعلى الطرف المقابل، كان هناك ملفات تنافسية عدة بين أنقرة وطهران، لذلك تم وصفهما بـ “الأعداء والأصدقاء” في آن واحد.

وتقاطعت هذه الملفات في كل من سوريا منذ انطلاقة الثورة السورية فيها، وفي العراق أيضا، بالإضافة إلى أذربيجان التي تربطها مع إيران حدود طويلة.

وإضافة إلى الملفات المذكورة كان هناك “صدام خفي”، وارتبط بالعمليات التي اتجهت خلايا إيرانية لتنفيذها في المدن التركية، مستهدفة بها خطف معارضين، الأمر الذي قوبل بذات السياق من الجانب التركي، بمعنى “الإحباط بالرد الاستخباراتي”.

الأكاديمي والباحث السياسي التركي، مهند حافظ أوغلو اعتبر أن اتخاذ تركيا موقف “المتوازن” بين إيران وإسرائيل، سيخل بأمنها، بقوله: “التوازن خلل، وبذلك لن يكون على حساب الأمن والأمان للمقيمين أو السياح. هذا عنصر أساسي ويعدد سمعة تركيا أمنيا”.

ويضيف الباحث لموقع “الحرة”: “في السابق حاولت تركيا أن تظل متوازنة مع كل دول المنطقة، وعلى رأسها إيران التي تشترك معها بحدود طويلة”.

لكن هذه الرؤية تغيّرت في الفترة الأخيرة، خصوصا أن “إيران باتت تضع تركيا كعدو في العديد من القضايا”، وفق حافظ أوغلو.

ويوضح الباحث: “القضية ليست محاباة لإسرائيل على حساب إيران، بل ترتبط بسلوك الأخيرة، الذي بات يتجاوز القانون الدولي”، وأنه يبدو أن “تركيا وبعد ترتيب أوراق سياستها الخارجية باتت تقف ضمن التكتل الإقليمي الجديد، الذي تعتبر إسرائيل ضمنه”.

وتخوض إيران واسرائيل “حرب ظل” منذ أعوام، لكن التوتر بينهما تصاعد إثر سلسلة حوادث نسبتها طهران إلى إسرائيل.

وخلال الأسبوعين الماضيين فقط، هزت إيران سلسلة من الاغتيالات. وهذه الشخصيات تنوعت ما بين ضباط في “الحرس الثوري”، وآخرين من المرتبطين بالبرنامج النووي.

وتشي حوادث التصعيد هذه، والوتيرة المتسارعة للهجمات بـ”تحول بات ملاحظا في استراتيجية إسرائيل”، من خلال تنفيذ عمليات ضرب أكبر في الداخل الإيراني.

وذلك ما يخالف استراتيجية الطرف الأخير، الذي يعتمد ومنذ سنوات على الرد بساحات أخرى، مثل سوريا ولبنان والعراق والخليج، فيما يتجه الحديث اليوم إلى تركيا.

ووفق ما قالت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” الجمعة فقد التقى وزير الخارجية الإسرائيلي، يائير لابيد في أثناء وجوده في أنقرة مع حقان فيدان، رئيس جهاز المخابرات التركي، وأن “الرجلين ناقشا جهود إحباط خطط الهجوم الإيرانية”.

المصدر الحرة
التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل