يتساءل مواطن متألم ما الذي قدمته” 18″ جولة مضت وخمس سنوات ونصف من مفاوضات “أستانا” (نور سلطان) التي بدأت أولى محطاتها في “23” من كانون الثاني من عام “2017” لا بل ما الذي حققته قبلها “جنيف” وقراراتها وانعكس واقعا ملموسا على الأرض، خفف من معاناة السوريين، أو أوقف الأذى والقتل والتشريد عنهم، وجعل عندهم بصيص أمل ولو صغيراً لتحقق ذلك.. !؟
الأستانا وبجميع جولاتها ماهي إلا خمس سنوات من مفاوضات ومباحثات عبثية تقوم بها وللأسف شخصيات معارضة مغمورة ضائعة، لانعرف حقيقة ماذا تشكل من ثقل عسكري أو سياسي على الساحة السورية، ومن ذا الذي فوضها واختار شخصياتها من الشعب للتفاوض مع النظام المجرم، بوجود الإيرانيين القتلة وضامن أشد أجراما وإرهابا من الاثنين وهو الضامن الروسي، الذي لايزال يغير بصواريخ الموت، ويستهدف الحجر والبشر لا بل وحتى لم تسلم من صواريخه قطعان الأغنام ومداجن الدجاج!
خمس سنوات بدأت معها مطالب وفود المعارضة الفذة في أولى جولاتها والتي أراد فيها حينها “محمد علوش” ووفده المصون من “روسيا” وجوب إعلان وقف إطلاق النار على الأراضي السورية، فردت عليه موسكو بأنها وجهت طلبا صارما للنظام بوقف الأعمال القتالية في “وادي بردى”، بـريف دمشق فضاع وسقط بعد أيام وادي بردى بيد النظام الطائفي المجرم.!
المستهجن والمضحك المبكي في هذه المفاوضات وما أزال أذكر جيدا، تأكيد وفد المعارضة الذي ترأسه “محمد علوش” في الجولات الأولى من المفاوضات ومازال يؤكده في الجولة” 18″ خليفته “أحمد طعمة” على ضرورة وأولوية تثبيت “وقف إطلاق النار”، وإدخال المساعدات الإنسانية والإفراج عن المعتقلين، لأن هذه التطورات ستشكل وفقا لقولهم ورقة قوية للدفع بالعملية السياسية الجادة لانتقال سياسي حقيقي وفق المرجعيات الدولية، وبيان”جنيف رقم1” وقرارات مجلس الأمن، ولكن وفد المعارضة ولمراهقتهم السياسية وضيق أفقهم غاب عنهم ونسوا أو تناسوا أن الروس والنظام يتلاعبون بهم وبطلباتهم وأمانيهم و(أذن من طين وأخرى من عجين).
خمس سنوات من المفاوضات وفي الجولة الثالثة منها، كان أبرز ما فيها أن “موسكو” قدمت اقتراحات لوضع “دستور” للبلاد، وكأننا في الثورة وبعد تقديم “مليون شهيد” خرجنا من أجل دستور لايُحترم فيه دستور جديد ولا قديم، من قبل هذه السلطة الفاشستية الأسدية المجرمة التي ستتلاعب بأي دستور خلال دقائق من قبل مجلس المصفقين ليتناسب مع مقاسات فرعون العصر، كما حدث سابقا في عام 2000 عندما عدلت فقرات الدستور ليتولى الوارث غير الشرعي مقاليد حكم سوريا…!!
“5” سنوات من المفاوضات وفي جولتها “الرابعة” التي انطلقت في 4 من أيار 2017 وبجهود وفود المعارضة المنبطحة التي لجمت البنادق في هذه الجولة وأصمتتها، فقد كان أبرز ما نتج عن هذه المفاوضات هو الاتفاق على مناطق “خفض التوتر” التي تشمل كامل محافظة “إدلب” والريف الشمالي الشرقي لللاذقية وأرياف محافظة حلب، وأجزاء من محافظات حماة وحمص ودرعا والقنيطرة، ومنطقة الغوطة الشرقية بريف دمشق فقضم النظام على إثر ذلك مناطق تخفيف التصعيد تلك الواحدة تلو الأخرى، أمام مرأى ومسمع وفد المعارضة المصون حتى وصلنا إلى إدلب آخر مناطق تخفيف التصعيد .
خمس سنوات من جولات “أستانا” ولاتزال الوفود المسماة بالمعارضة دون كلل أو ملل جاهزة بحقائبها لتهرول لاهثة لحضور هذه المفاوضات مع أكبر عدو للسوريين (الروس والنظام) والتي لم تأت إلا بالويل على سوريا وشعبها.
5 سنوات من مفاوضات “أستانا” ولم يع من يحضرها من “أشباه” المعارضة السورية أن “روسيا” اتخذت من هذا المسار، ميداناً وساحة سياسية “لتصفية” الثورة السورية وإنهائها، وإعادة تعويم النظام المجرم على مراحل، وتكريس الاحتلال الروسي العسكري المباشر لسوريا، حيث باتت “موسكو” و”إيران” هما المتحكمان في مفاصل القرار السياسي والعسكري السوري، بعد أن تحول النظام إلى مجرد واجهة منحت للروس “مشروعية” البقاء طويلاً في بلادنا وشرقي المتوسط من خلال منحهم “قاعدة طرطوس” البحرية وقاعدة حميميم” الجوية بلا أي مقابل لعقود عديدة من الزمن!
بعد خمس سنوات من المفاوضات في أستانا “العار” لم يع وفد المعارضة أن “الدب” الروسي ولحنكته السياسية، ولإيصال النتائج إلى ما يحب ويشتهي قد بدأ “مسار أستانا” بمحادثات متعلقة بالجانب العسكري الميداني، قبل أن يحولها إلى مسار عسكري أمني سياسي، متأملاً من خلالها أن يجعل مسار أستانا منافسا قويا لمسار جنيف..! .
5 سنوات والمضحك أن المبعوث الرئاسي الروسي إلى سوريا، ألكسندر لافرنتييف، في كل تصريحاته السابقة والحالية، ما يزال يكرر على أسماعنا وأسماع الوفد الناري المفاوص قائلا إننا سنناقش القضايا في هذه الجولة التي تهم مختلف جوانب القضية والتسوية السورية”، وسنركز على الأوضاع الميدانية وتحقيق وقف إطلاق النار، مشيراً إلى أن روسيا تعمل مع تركيا “لتصحيح الوضع في الشمال والشمال الغربي، وخاصة في منطقة خفض التصعيد في إدلب”.
5 سنوات من مباحثات الأستانا والبيان الختامي وكما يقال قد حفظناه بصما، وأصبحت مخرجاته أسطوانة مشروخة مجترة تؤرق مسامعنا، وهو ليس بأكثر من نسخ ولصق ولكن ربما والحق يقال بحبر وكاتب جديد..! وبالتأكيد وبكل جولاته قد تضمن مايلي:
_ التأكيد على محاربة الإرهاب (البريء منه النظام وموسكو) بكل أشكاله مع المخططات الانفصالية التي تشكل تهديدا للأمن القومي لدول الجوار.!
_ سيادة ووحدة الأراضي السورية المنصوص عليها في مبادئ الأمم المتحدة، والتشديد على ضرورة احترام وتطبيق هذه المبادئ من قبل الجميع”.
_ مواصلة التعاون بهدف استئصال تنظيمات “داعش” و”جبهة النصرة” هيئة تحرير الشام من سوريا..!
ولكن الجديد حقا في المخرجات والبيان الختامي لهذه الجولة أن الروسي أضاف إدانة الغارات الإسرائيلية التي تشنها إسرائيل على نظام الأسد.
ختاما.. لا أستطيع إلا القول إن وفد المعارضة عاد سابقا من الجولات” 17″ السابقة من الأستانا “بسواد الوجه” الذي تعود عليه و”بخفي حنين” وسيعود وبكل تأكيد من جولته “السابعة والعشرين” القادمة والتي أخشى في قادم المؤتمرات أن يعود وفد المعارضة إلى إسطنبول “بسواد أكثر للوجه” ولكن “حافيا” دون “خفي حنين”.!
Sorry Comments are closed