تعمل إيران منذ تدخلها في سوريا عام 2012، على السيطرة على العديد من المفاصل السورية، ولكنها تتميز بعملها في جميع الدول التي دخلت إليها، في السيطرة على المجتمعات من خلال عمليات التشيع وتجنيد المقاتلين والعملاء، وإيجاد قاعدة اجتماعية لها، وهذا ما يصعب مواجهته عسكرياً من قبل أي جهة كانت، على خلاف إنشاء القواعد العسكرية.
وللجنوب السوري، وخاصة محافظة درعا أهمية كبيرة بالنسبة لإيران من نواح مختلفة، فهي تعتبرها مصدر الشر الأول في سوريا، كما أنها مهمة من الناحية الجيوسياسية، لقربها من الحدود مع إسرائيل، ولكونها البوابة الكبرى المطلة على الأردن والسعودية ودول الخليج العربي.
لذلك، فالسيطرة عليها تمكن إيران من امتلاك العديد من أوراق الضغط في المنطقة، فمن الناحية السياسية والأمنية تضغط على إسرائيل كتهديد أمني، كما تشكل ضغط أمنياً على الأردن ودول مجلس التعاون الخليجي، من خلال إغراق هذه الدول بالمخدرات كما يجري الآن.
مثلث الموت
القاعدة العسكرية واللوجستية الأولى التي شكلتها إيران بشكل رسمي في جنوب سوريا، في العام 2014، في منطقة مثلث الموت بين درعا والقنيطرة، حيث أسسها وأشرف عليها قائد فيلق القدس آنذاك قاسم سليماني، وذلك خلال احتدام المعارك بين النظام والمعارضة المسلحة.
كما كانت هذه القاعدة منطلقاً للتخطيط لمعظم العمليات الإيرانية في محافظتي درعا والقنيطرة، خلال السنوات التالية لتأسيسها، وتعتبر مكملاً لمقر المستشارين الإيرانيين في ملعب البانوراما في مدينة درعا، والتي لا تزال الميليشيات الإيرانية تتخذها مقراً حتى اليوم.
وعملت إيران منذ ذلك الوقت في أكثر من اتجاه، الأول اتجاه أمني وعسكري من خلال إنشاء مقرات يقع معظمها في القطع العسكرية الرسمية، وتمتد حتى الحدود مع الأردن وإسرائيل، والاتجاه الآخر هو تجنيد المقاتلين وبلغت عملية التجنيد ذروتها بعد تسوية تموز 2018، حيث تمكنت من تجنيد نحو 3000 مقاتل معظمهم من مقاتلي فصائل المعارضة المنحلة، كما نجحت بإنشاء أحد أبرز شبكات تصنيع وتجارة المخدرات في المنطقة على الإطلاق، من خلال إنشاء معامل لتصنيع مادتي الحشيش والكبتاغون، وإنشاء شبكة من طرق التهريب نحو الأردن ودول الخليج.
عمليات التشيع وشراء العقارات
قالت صحيفة الشرق الأوسط، في 15 تشرين الثاني/نوفمبر الفائت نقلاً عن تقرير للاستخبارات الإسرائيلية إن “النشاط الإيراني آخذ في الاتساع حالياً خصوصاً في منطقتي جنوب وشرق سوريا، وكذلك قرب الحدود مع لبنان، حيث تقوم جهات بشراء بيوت وأراضٍ بأعداد هائلة، ويأتون بسكان جدد من إيران أو من مجموعات سكانية شيعية أخرى من عدة بلدان في المنطقة، مثل العراق وأفغانستان واليمن، وغيرها، كما يستغلون الفاقة والضائقة المالية للسكان المحليين فينشئون الجمعيات الخيرية لإغراء السكان”.
وأشار التقرير أن “جهات إيرانية، أرسلت في الشهور الأخيرة، حقائب مليئة بالدولارات إلى عدة جهات في البلدات السورية الجنوبية، في منطقتي حوران والجولان، بغرض تجنيدها لأهدافها السياسية والعقائدية، وهذه الأموال وصلت إلى عدد من قادة المجتمع في مدينة السويداء، أبناء الطائفة العربية الدرزية، الذين عرف بعضهم بتأييدهم للنظام وراح يبدي تحولاً نحو إيران وحزب الله اللبناني. كما وصلت الأموال إلى قادة بلدة قرفا التي نجحت إيران في تحويلها من المذهب السني إلى المذهب الشيعي، وإلى جهات أخرى تسعى لتجنيدها أو تشييعها واستخدامها في تسهيل مهمات حزب الله”.
وتعتبر بلدة قرفا مركز عمليات إيران من أجل نشر التشيع، حيث يتواجد فيها أبرز دعاة التشيع من أبنائها، مثل بدران الكايد، وإليان الكايد، والذين وصلا لمرتبة السيد الدينية عند الطائفة الشيعية، بالإضافة لزيدان الغزالي.
من جهة ثانية، تقوم إيران بشراء العقارات، وذلك بالاعتماد على وكلاء محليين من أبناء هذه المناطق كـ “الغزالي”، وفي سبيل تحقيق هذا الهدف وللتغطية على بعض الأعمال قامت بافتتاح جمعية الزهراء في مدينة درعا في صيف عام 2018، بحضور ممثل للمرشد الخامنئي، وتسلم رئاسة الجمعية محمد الصيدلي، وهو من شيعة محافظة درعا.
وتركز إيران من خلال وكلائها، حسب معلومات خاصة بتجمع أحرار حوران، بشراء عقارات في مدينة درعا نفسها “المحطة”، وعلى الطريق الدولي أتستراد دمشق – عمّان، في معظم المناطق، خاصة المناطق المحيطة بالجامعات الخاصة، قرب جباب وغباغب، حيث تتواجد مناطق عسكرية للميليشيات الإيرانية.
مجموعات أمنية سرية وتواجد علني!
تؤكد معلومات حصل عليها تجمع أحرار حوران، قيام القيادي في حزب الله المعروف بالحاج ولاء “لبناني الجنسية” بتشكيل عدة مجموعات في مناطق متفرقة في درعا والقنيطرة في العام 2018، تعمل على تسهيل عمل حزب الله الأمني، وتشرف على تجارة المخدرات.
وقام الحاج ولاء بتوزيع هذه المجموعات في مناطق مختلفة من الناحية الجغرافية، ومن أبرز المناطق التي تتواجد فيها المجموعات، درعا البلد، حوش حماد، مسيكة في اللجاة، غصم في ريف درعا الشرقي، المليحة الغربية في ريف درعا الشرقي، تل مسحرة، خان أرنبة في القنيطرة، اللواء 121 في القنيطرة.
وتركز هذه المجموعات على متابعة كل المعارضين للتواجد الإيراني، ومعارضي النظام السوري، وتحديدهم كأهداف للاغتيال بالتنسيق مع مكتب أمن الفرقة الرابعة برئاسة العقيد “محمد عيسى”، والذي يتولى بدوره تنفيذ عمليات الاغتيال من خلال مجموعات متخصصة، من بين عناصرها، عناصر سابقون في تنظيم داعش.
كما تتولى هذه المجموعات عمليات ترفيق شحنات المخدرات في المناطق التي تتواجد فيها عند مرورها وتأمين وصولها إلى مناطقها المحددة بالتنسيق مع مجموعات أخرى.
وتتواجد إيران في ريف درعا الشمالي بشكل رسمي، ففي تاريخ 7 تموز/ يوليو 2020 وقعت اتفاقية عسكرية بين النظام السوري وإيران لتعزيز التعاون العسكري تتضمن تطوير أنظمة صواريخ للدفاع الجوي الإيراني ونشرها في سوريا، خاصّة بعد الاستهداف المتكرر لمواقع عسكرية إيرانية في الأراضي السورية.
وبموجب هذه الاتفاقية، تم نشر بطاريات صواريخ للدفاع الجوي في فوج عسكري سوري قرب بلدة جباب شمالي محافظة درعا، والتي تبعد عن الحدود الأردنية نحو 80 كم، والذي يعرف بالفوج رقم (89)، ويشرف على هذه الصواريخ ضباط وعناصر من الحرس الثوري الإيراني، والذين يعملون بشكل مستقل عن السوريين في الفوج.
وتشير المعلومات التي حصل عليها تجمع أحرار حوران، أن تصريحات الروس عن انسحاب الميليشيات الإيرانية عن الحدود الأردنية والإسرائيلية مسافة 80 كم، هي معلومات عارية عن الصحة، وكل ما تم هو سحب قسم من العناصر من غير السوريين، فيما توزع آخرون ليذوبوا في القطعات العسكرية التابعة للنظام السوري كلما اقتربت هذه القطعات من الحدود، ولتظهر علناً في القطعات التي تبعد عن الحدود نحو 80 كم.
تشير المعطيات على الأرض، أن لإيران سيطرة مهمة في الجنوب وخاصة في درعا، كما تشير المعلومات الخاصة بتجمع أحرار حوران، أنه من المستحيل في ظل الظروف الراهنة أن تنسحب إيران من الجنوب أو توقف أو تحد من نشاطاتها، فالظروف الدولية والإقليمية ملائمة لتحويل الجنوب السوري إلى ضاحية جنوبية جديدة.
Sorry Comments are closed