“حرب صامتة” في محافظة حمص.. انتهاكات بلا ضجيج وصوت لا يصل

فريق التحرير16 أبريل 2022آخر تحديث :
صور تظهر شوارع مدينة تلبيسة شمالي حمص وهي خالية من المارة مع إغلاق كافة المحال التجارية، الجمعة 27 مارس 2020، تصوير: تيسير زيدان، حرية برس

“لا شيء يشبه الحياة هنا، نعيش في جحيم بكل ما تعنيه الكلمة من معنى”، بهذه الكلمات وصف أحد سكان ريف حمص الشمالي الواقع الذي تعيشه المنطقة بعد مرور أربع سنوات على توقيع “اتفاق التسوية”، وتهجير عشرات الآلاف من سكان الريف إلى مناطق الشمال السوري.

يعاني سكان حمص – كبرى المحافظات السورية – لا سيما في الريف الشمالي من انتهاكات كثيرة من جانب نظام الأسد بالدرجة الأولى، ثم الميليشيات الإيرانية التي تتغلغل في المنطقة بطرق متعددة، وتخوض حرباً غير معلنة ضد المدنيين هناك.

ربما ينطبق واقع ريف حمص الشمالي على بقية مناطق “التسويات” في سوريا، مثل درعا، والغوطة الشرقية بريف دمشق، لكن ما يزيد من معاناة المدنيين في الريف، غياب المنبر أو الجهة الإعلامية التي تنقل مآسيهم، وتفضح الانتهاكات الممارسة عليهم بشكل يومي، لذلك سيبحث هذا التقرير في أسباب عدم إنشاء جسم إعلامي يعنى بهذه المهمة، وأهمية الخطوة، والعوائق المحتملة.

انتهاكات بلا ضجيج

لم تكد الحافلات الخضراء تنتهي من نقل المهجرين قسرياً من ريف حمص الشمالي نحو الشمال السوري، في ربيع عام 2018، حتى بدأت العمليات الانتقامية من قبل الجهات الأمنية التابعة للنظام بحق الكثير ممن بقي هناك.

يقول أحمد جمال (اسم مستعار) القاطن في ريف حمص الشمالي، إن المدنيين بشكل عام يعانون من انتهاكات يومية، أبرزها الابتزاز والتهديد بالاعتقال مقابل الحصول على مبالغ مالية، إذ يتم استدعاء الشخص إلى الفروع الأمنية بمدينة حمص، من باب الضغط عليه، وإجباره على دفع المال، مقابل العودة إلى أهله سالماً.

ويؤكد “جمال” أن مدن وبلدات ريف حمص الشمالي تشهد موتاً بطيئاً، وقتلاً لكافة أشكال الحياة، لا سيما أن فرص العمل شبه معدومة، وحالة الفقر أصابت أكثر من 97 في المئة من سكان المنطقة، في ظل صعود أشخاص استفادوا من علاقتهم مع ضباط في نظام الأسد، لتمرير مشاريعهم التجارية، وضمان استمراريتها.

ويضيف: “القهر يعمّ مختلف المناطق في الريف، خلال السنوات الأربع الماضية عانينا من ظلم وتسلط الفروع الأمنية وما زلنا نعاني، وأنا كنت شاهداً على عمليات دهم لمنازل في المنطقة، وسرقة سيارات ودراجات نارية وأجهزة محمولة وأموال، وذهب للنساء، بحجة دعم الضحايا للجيش الحر سابقاً والوقوف إلى جانبه”.

وأشار إلى أن الاحتياجات الأساسية شبه مفقودة في ريف حمص الشمالي، حيث لا يتوفر التيار الكهربائي سوى نصف ساعة كل خمس ساعات، كما أن الإنترنت محصور في شركات الاتصال المقربة من النظام، المعروفة بسوء خدمتها.

صوت لا يصل

يضع الآلاف في حمص وريفها آمالهم على الصحفيين والناشطين المنحدرين من المحافظة، والمهجرين إلى الشمال السوري أو إلى خارج البلاد، لنقل صوتهم ومعاناتهم اليومية، وفضح الانتهاكات التي يتعرضون لها من قبل النظام وميليشياته.

وكما هو معروف، فإن الإعلام من الأسلحة الفعالة في الوقت الحالي، وقد أسهمت الصفحات والمواقع المحلية في محافظة درعا على سبيل المثال، في دعم صمود المدنيين هناك، وكشف مخططات الميليشيات الإيرانية الرامية إلى اغتيال العاملين في فصائل المعارضة سابقاً.

لا يكاد يمر أسبوع دون أن تُنشر أنباء من قبل الصفحات المحلية في دمشق وريفها ودرعا والسويداء ودير الزور وغيرها، عن مقتل أحد المدنيين في سجون النظام، أو تعرض بلدة ما لعمليات دهم واعتقال، على عكس مناطق حمص التي تفتقد للمنبر المكلف بنقل الصوت والصورة إلى بقية العالم.

وفي هذا السياق، قال مصدر محلي في ريف حمص الشمالي لموقع تلفزيون سوريا: “عدم سماع العالم لأخبار قتل واعتقال في ريف حمص، لا يعني أنها لا تقع، فقد سجلنا مقتل شبان تحت التعذيب في سجون النظام خلال العام الماضي، بعد عودتهم من الشمال السوري أو تركيا، أو بعد اعتقالهم لأشهر في سجن صيدنايا بحجة العمل سابقاً في صفوف الجيش الحر”.

وأضاف المصدر: “ما نحتاجه وندعو له، أن يعي الصحفيون خارج المحافظة (المهجرون) خطورة ما يجري في المنطقة من توسع إيراني، وقتل لأحلام المدنيين، ويبادروا على وجه السرعة إلى تشكيل منصة إعلامية لنقل الواقع والأحداث اليومية في المنطقة، مع التركيز على الجرائم المرتكبة بحق السكان”.

أسباب غياب “المنصة الإعلامية”

تحدث العديد من الصحفيين المنحدرين من حمص عن عقبات أمام تشكيل منصة إعلامية تعنى بالمحافظة، ويمكن تلخيصها بما يلي:

  • بعد التهجير من حمص سعى كل إعلامي إلى الاهتمام بعمله على المستوى الشخصي في محاولة لمقاومة ضغوط الحياة والخروج من الصدمة التي أحدثها التهجير.
  • شحّ المصادر في حمص وريفها بسبب التضييق الأمني وخوف الغالبية من التعاون مع وسائل الإعلام لما قد يسبب ذلك من اعتقال وإخفاء قسري.
  • عشرات الصحفيين المهجرين إلى خارج حمص يتفادون الحديث عن الواقع المأساوي في منطقتهم، بسبب وجود ذويهم هناك، حيث يتخوفون من عمليات انتقامية بحقهم.
  • انعدام الدعم المادي وعدم التصدي للكلفة المالية التي يتطلبها المشروع، من قبل الهيئات الممثلة لحمص أو رجال الأعمال والتجار الحماصنة في الخارج.
  • النزاعات التي قد تحدث بين الصحفيين أنفسهم وصعوبة التوافق على آلية عمل مشتركة ومشروع يوحّد الجميع.

وترى الصحفية عائشة صبري – عضو رابطة نشطاء الثورة في حمص- أن من أسباب عدم وجود منصة تنقل ما يجري في حمص، “تشرذم أبناء المحافظة وترك بعضهم لمجال الإعلام بعد التهجير واللجوء، أو انشغالهم بعمل خاص، إضافة إلى برود الهمّة والإرادة لتحقيق هذا الأمر، مع محاولات تفشيل للبعض تصل للتهديد بإفشال المشروع، والتعنت لآراء البعض، ورغم وجود محاولات سابقة لإطلاق مشروع إعلامي، إلا أنه ينتهي وهو في طور التأسيس، لذلك لم يتم تشكيل جسم موحّد للإعلام يوصل صوت عاصمة الثورة”.

وتقول “صبري” في حديث مع موقع تلفزيون سوريا، إنه “عند بداية الثورة تم تشكيل تنسيقيات لكل حي في مدينة حمص، أو لكل مدينة وقرية في الريف، وكان عمل التنسيقيات مميزاً رغم الإمكانيات الضعيفة على مستوى المعدات وخدمات الكهرباء والإنترنت، وله تأثير كبير في نقل الوقائع للإعلام المحلي والعربي والدولي، وفي حي الوعر مثلاً، تم إنشاء مركز حمص الإعلامي لكن توقف فيما بعد”.

عوائق ومشاريع لم تستمر

الصحفي المنحدر من حمص، باسل عز الدين، تحدث لموقع تلفزيون سوريا عن عدة مشاريع سابقة انتهى الأمر بإغلاقها بسبب غياب التمويل، مثل رابطة نشطاء حمص (عام 2014)، ونقابة إعلاميي حمص (2017)، حيث اشترط بعض الداعمين تمويل مشروع النقابة بشكل مشروط وتحقيق مكاسب سياسية على حسابه، وهو ما تم رفضه.

وأشار عز الدين إلى عمل عدة صحفيين في الشمال السوري ضمن ” رابطة نشطاء الثورة في حمص”، لكن دورها محدود حتى الآن لعدة أسباب، أبرزها ضعف الأحوال المادية، داعياً إلى توحد إعلاميي حمص ضمن جسم واحد، والتكاتف – رغم اختلاف وجهات النظر – من أجل إنجاز منصة تعطي حمص حقها وتنقل صوت أهلها.

من جهته أرجع عضو رابطة نشطاء الثورة في حمص، سليمان أبو ياسين، عدم نقل ما يجري في محافظة حمص بشكل عام، إلى تقصير الناشطين المنحدرين من المنطقة، كما أن كثيراً من أحياء حمص مدمّرة وشبه خالية من السكان، مثل البياضة ودير بعلبة وبابا عمرو والخالدية، ما يعني أنه لا توجد أحداث في تلك الأحياء لنقلها.

وأضاف “أبو ياسين” لموقع تلفزيون سوريا، أنه نوقشت سابقاً فكرة نقل أخبار ريف حمص الشمالي، لكن بعض الناشطين ترددوا، لاعتقادهم أن تسليط الضوء على المنطقة سيسبب ضرراً للأهالي.

رابطة بمهام محدودة.. ما المطلوب؟

تقول الصحفية عائشة صبري: لدينا حالياً رابطة نشطاء الثورة في حمص، وتضم 54 ناشطاً، هذه الرابطة أنشأها ناشطو حمص خلال فترة حصار الأحياء تحت اسم “تجمع ناشطون”، وعند وصولهم من الأحياء المحاصرة للريف الشمالي في حزيران 2014 تم التعديل من تجمع إلى رابطة، وقامت بحملات إعلامية ضخمة لكنها توقفت لفترة عام 2019، وبعد إعادة تفعيلها يسعى القائمون عليها حالياً لتوسعة عملها لتغطي احتياجات الحماصنة إعلامياً سواء بالداخل أو الخارج.

وتتابع: من آخر نشاطاتها، إطلاق حملة دماء منسية للتذكير بمجازر الأسد الميدانية في حمص وتحريض الثوار على القيام بواجبهم والثأر لهذه الدماء وإكمال الدرب الذي مشوا فيه، إضافة إلى التعريف بشخصيات لها أثر في الثورة وهذا أمر مهم جداً خاصة للجيل الجديد الذي يجهل تاريخها.

وتعتقد “صبري” أن المطلوب ليرى الجسم الإعلامي النور، أن “يتخلص الإعلامي من تعنته برأيه الشخصي وأن يقبل برأي الجماعة حتى وإن لم يعجبه في سبيل تحقيق الهدف المنشود، وأن يعطي الإعلامي بعضاً من وقته للعمل في هذا الجسم كلّ حسب استطاعته”.

وتابعت: “الكل يشتكي من التهميش على كافة المستويات وخاصة مهجّري ريف حمص الشمالي، فالخطوة الأولى هي العمل على إزالة هاجس التهميش من نفوس الإعلاميين، ووضع أولويات للعمل بشكل فعلي، وباعتقادي رابطة نشطاء حمص تعتبر الجسم الإعلامي الحالي لكنّها تحتاج للدعم حتى تمثل كافة شؤون الحماصنة ويكون لها منصة إلكترونية”.

الجدير بالذكر أن مناطق ريف حمص الشمالي خضعت لاتفاق التسوية مع روسيا ونظام الأسد في عام 2018، والذي تم على إثره تهجير عشرات الآلاف إلى الشمال السوري، فيما تعرض غالبية من بقي في المنطقة لمضايقات وانتهاكات واعتقالات وعمليات ابتزاز، وتوقيف الشبان لتجنيدهم في جيش النظام، فضلاً عن الاحتيال على التجار وسرقة أرباحهم، وبسبب ما سبق، يحاول المئات تأمين طرق للخروج من “الغابة” التي يتسيدها ضباط الأسد، والنجاة بأرواحهم وعائلاتهم وإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

المصدر تلفزيون سوريا
التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل