يعود المواطنون في الشمال السوري من الأسواق “خائبين” لعجزهم عن شراء أبسط المواد الأساسية لتحضير مائدة رمضان، إذ ارتفعت الأسعار بنسبة 50 بالمئة مع بداية الشهر المبارك، وسط غياب لدور التموين من قبل الحكومات في المنطقة.
ويؤكد عدد من السكان في مناطق إدلب وحلب لموقع “أورينت” أنَّ سعر السلع الغذائية ارتفع بشكل جنوني مع بداية رمضان، ما أثّر على المواطن الذي لا يتناسب دخله مع ارتفاع الأسعار، ولسان حالهم يقول: “الله يفرجها، تعبنا من كلّ شيء، قهر وذل وتهجير وغلاء فاحش”.
وفي محاولة ليكون المواطن صاحب القرار مع عجز الحكومات، أطلق نشطاء حملة “هيا معاً نحو مجتمع محاسب ومراقب” لمقاطعة شراء المواد الغذائية والسلع الاستهلاكية في الشمال السوري لمدة أسبوع، اعتباراً من اليوم الثلاثاء، احتجاجاً على عدم خفض الأسعار.
تكاليف وجبة الفطور
يوضح بسام الرحال، أحد سكان ريف إدلب الشمالي، لـ”أورينت” أنَّ سعر كيلو البندورة بلغ 23 ليرة تركية بعد أن كان بـ 13 ليرة تركية، والخيار وصل الكيلو إلى 22 ليرة بعد أن كان بـ 15 ليرة، وجُرْزة البقدونس التي كانت تُباع بليرتين أصبحت بسبع ليرات، بينما البطاطا يُباع الكيلوغرام بثماني ليرات، وكيلو الكوسا أو الباذنجان بـ 22 ليرة، وأسعار الفاكهة تتراوح بين 15 ليرة لكيلو الموز و10 ليرات لكيلو التفاح أو البرتقال.
ويشير الرحال، إلى أنَّ العائلة تحتاج مئة ليرة تركية يومياً لإعداد وجبة الفطور وهذا يُعدّ “مبلغاً كبيراً” بالنسبة لمستوى الدخل المادي لمعظم العائلات، لذلك يُطالب بتكوين لجان مراقبة للأسعار تُلزم التجار وبائعي الخضار بتوحيد التسعيرة ومعاقبة المخالفين الذين يرفعون الأسعار مستغلّين حاجة الناس للغذاء في هذا الشهر الكريم.
الفواكه أرخص من الخضار
ينوّه أحد سكان مدينة الباب، إلى أنَّه اضطر في وجبة فطوره لاستخدام الكيوي بدلاً من الخيار في السلطة، ويقول مالك خبي المُهجّر من درعا لـ”أورينت”: إنَّ أسعار الفواكه تُعتبر أرخص من الخضار التي ارتفعت بمثابة الضعف مقارنةً بأسعار قبل رمضان، حيث بلغ سعر كيلو الخيار في الثالث من رمضان 30 ليرة تركية والفليفلة 40 ليرة تركية، بينما كيلو الكيوي 15 ليرة تركية، مشيراً إلى أنَّ سعر كيلو شيش الدجاج 50 ليرة تركية وكيلو لحم الغنم 100 ليرة تركية.
ويلفت خبي، إلى أنَّ أسعار الخضار مرتفعة كونها مستوردة من الخارج، كما أنَّ البقدونس المحلي ارتفع من ليرتين إلى سبع ليرات، وفي سؤاله لأحد البائعين لم يُحدّد له الجواب هل الاستغلال من التجار في تركيا أم من التجار في الداخل، مع العلم أنَّ سعر صرف العملات لم يطرأ عليه أيّ تغيير، ولا يوجد أيّ زيادة في رسوم الجمارك، ما يؤكد “استغلال المواطن بشكل صريح”، وسط غياب دور التموين في المنطقة.
بدوره، يذكر أحد المواطنين في مدينة مارع، أسعار بعض السلع لـ”أورينت”، ومنها: 13 ليرة تركية لكلّ من “كيلو السكر، 100 غرام شاي، كيلو الأرز”، فيما بلغ كيلو السمنة النباتية 37 ليرة، ولتر الزيت النباتي 40 ليرة، وكيلو التمر 35 ليرة، بينما في وجبة السحور، يبلغ كيلو الجبنة حسب نوعها بين الـ55 و65 ليرة، وكيلو اللبنة 40 ليرة، وكيلو الحليب 7,5 ليرة، وعلبة اللبن 10 ليرات، إضافة إلى ارتفاع أسطوانة الغاز إلى 200 ليرة واشتراك الكهرباء إلى 250 ليرة تركية.
عزوف عن الشراء
“الأسعار بالنّار لا يوجد سلعة تُشتَرى”، جملة يختصر فيها سامر الحمصي، الوضع الحالي في مدينة أعزاز، مضيفاً لـ”أورينت”: “عند سؤال البائع عن أيّ سعر يتراجع الزبون عن الشراء، فأيّ سلعة كانت بـ 15 ليرة تركية (مثل علبة المتة) أصبحت بعشرين ليرة تركية، وأول يوم رمضان صرفت أكثر من 200 ليرة لوجبة فطور مع زوجتي، منها 140 ليرة للخضار والفاكهة، وكيلو مشبك بـ 30 ليرة، ورغيف خبز الصائم بعشر ليرات، وصحن فتة حمص 20 ليرة، و5 ليرات لشراب السوس و15 ليرة لشراب الجلاب”.
وقبل رمضان كان هناك جولات تموينية لكنّها في الواقع “لا تعدو عن دور التصوير الإعلامي”، وفق الحمصي، قائلاً: “لا يوجد تحديد للأسعار ولا رقابة، فالبيع كيفي لكلّ بائع، ويفترض أن يكون هناك لجان تموين، وكـ مثال: اشترى صديقي علبة أربعة لترات زيت بـ 175 ليرة، وأنا اشتريتها نفسها من محل آخر بـ 145 ليرة”، وتكمن المشكلة بدخل المواطن الذي لا يتجاوز 75 دولاراً شهرياً للموظفين و30 ليرة تركية ليومية العامل، إضافة إلى الضغط بشراء المواد من قبل الفرق الإنسانية التي توزع وجبات إفطار، ما يجعل السلع ترتفع أيضاً.
وفي مدينة جرابلس، يُفيد أبو البراء الحمصي، بأنَّ الغلاء بدأ عقب الحرب الروسية-الأوكرانية، لذلك تُعدّ “السبب الرئيسي” في ارتفاع أسعار المواد الغذائية بنسبة تتراوح بين الـ30 و50 بالمئة، وتطرّق في حديثه لـ”أورينت” إلى امتناع الكثير من الناس عن شراء بعض المواد مقابل توفير مبلغ من المال لشراء المواد الأكثر ضرورة، مشيراً إلى الخوف من ارتفاع أسعار الألبسة مع موسم عيد الفطر، فكلّ طفل يُكلِّف لباسه بين 300 و400 ليرة تركية، ما يصعب على المواطن تأمينها لأطفاله.
كذلك الأمر في بقية المناطق، حيث يعتبر الأهالي الحكومة السورية المؤقتة “شريكة برفع الأسعار”، لا سيّما مدينة عفرين التي شهدت الأسبوع الماضي احتجاجات شعبية ضد سياسة شركة الكهرباء والغلاء، وطالب الأهالي بمحاربة الفساد وضبط الأسعار.
دور الحكومة المؤقتة
وزير المالية في الحكومة السورية المؤقتة، عبد الحكيم المصري، يوضح لـ”أورينت” أنَّ دور الوزارة يتمثل: بمنع الاحتكار، وفتح باب استيراد المواد بشكل حرّ، إضافة إلى دورها بفحص المواد وتاريخ صنعها لضبط المواد منتهية الصلاحية، مشيراً إلى أنَّ مديريات التموين متواجدة في كلّ منطقة بريف حلب، وتطلب من التجار وضع أسعار مناسبة دون تحديدها للسعر، إذ يجب أن تصل المادة للمستهلك بربح معقول للتاجر، وعلى المستهلك أن يتقدّم بشكوى حال وجد احتكار لدى أيّ تاجر.
ويؤكد المصري، أنَّ ارتفاع الأسعار “عالمي، وزادت حدّته بعد العدوان الروسي لأوكرانيا”، حيث ارتفع سعر النفط وهناك تضخم غذائي عالمي، وفي رمضان ترتفع الأسعار عادةً لزيادة الطلب على المواد الغذائية ولاحقاً لألبسة العيد، وأيضاً استمرار طقس الشتاء تسبّب بتأخر نزول المنتجات المحلية إلى الأسواق، فمعظم المواد الغذائية مستوردة من الخارج.
ويوضح الوزير، أنَّ الحكومة المؤقتة تعمل على دعم الخبز حسب الطاقة الإنتاجية، حيث تُباع ربطة الخبز المدعومة من قبلها بوزن 600 غرام بليرة تركية واحدة، وسعر طن الطحين 285 دولاراً يوزّع على الأفران التي تشرف عليها المجالس المحلية.
ويكشف عن توزيع لمادة العلف مجاناً على مربّي المواشي، الشهر القادم، ما سينعكس إيجاباً على أسعار اللحوم ومشتقات الحليب، مضيفاً: أنَّ “الواردات تكون بكميات كبيرة حيث دخل كمية سكر قدرها عشرة آلاف طن الشهر الماضي”.
دور حكومة إدلب
ينظر المواطن في إدلب للحكومة على أنَّها مشاركة برفع الأسعار، ويقول أحدهم لـ”أورينت”: “لو خفّضت الحكومة تكلفة الضرائب على البضائع المستوردة من المعابر، لكانت الأسعار أقل ممَّا هي عليه اليوم، ويتساءل الأهالي لماذا لا تدعم سلعة أو سلعتين من إيرادات المعابر التي تُقدَّر بالملايين لتخفيف العبء عن المواطن”.
وحول دور المسؤولين في حكومة الإنقاذ، وآخرها إجراء المدير العام للتجارة والتموين في الحكومة، خالد الخضر، جولة تفقدية لأسواق مدينة إدلب، في الثالث من الشهر الجاري، بعد ورود شكاوي بغلاء المواد الغذائية والخضار، أكد أهالٍ من إدلب لـ”أورينت” أنَّه “لا توجد دوريات تموينية فعلية”، معتبرين ما يُنشر على إعلام الحكومة الرسمي “تبريراً لا أكثر”.
وطالب الخضر، في تسجيل مصور، المواطنين في إدلب بعدم شراء مواد تفوق حاجة الأسرة، قائلاً: “مع بداية شهر رمضان يحدث طفرة بالأسعار على الطبق الرمضاني، بدورنا نُسيّر دوريات تموين على مدى 24 ساعة لمعالجة أيّ ظاهرة سلبية، وأيّ مواطن يواجه مشكلة بالأسعار يتقدّم إلينا بشكوى لمعالجتها مباشرةً”.
وسبق أن عزت حكومة الإنقاذ في بيان لها في 12 مارس/آذار الماضي، سبب ارتفاع الأسعار في إدلب، إلى “أزمة اقتصادية عالمية بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، وتوقف تصدير بعض السلع من قبل الدول المنتجة”، مشيرة إلى عملها على توفير المواد الأولية لكافة الفعاليات الخدمية والزراعية والصناعية، مع اتخاذ إجراءات بالإمكانيات المتاحة لتوفير الأمن الغذائي والحدّ من ظاهرة الاحتكار.
تحذير من الارتفاع الكبير
في هذا السياق، حذّر فريق “منسقو استجابة سوريا” من الارتفاع الكبير الذي طرأ على الأسعار في مناطق الشمال السوري منذ بدء شهر رمضان، واصفاً الغلاء في بيان له أمس الاثنين، بـ “وباء جديد يُصيب المنطقة”، حيث تتطلب الأوضاع الحالية زيادة الرقابة على الأسعار وتحسين الأوضاع الإنسانية للمدنيين، وصنّف الارتفاع الملحوظ في الأسعار كالتالي:
“الغذاء بنسبة 33.4 %، الحبوب بنسبة 29.2 %، القمح بنسبة 42.3 %، الزيوت النباتية بنسبة 62%، أسعار الألبان بنسبة 17.9 %، أسعار السكر بنسبة 54%، أسعار اللحوم بأنواعها بنسبة 34%، أسعار الخضار والفاكهة بنسبة 48%”، لافتاً إلى تزامن ارتفاع الأسعار مع العجز الواضح في عمليات الاستجابة الإنسانية من قبل المنظمات المحلية، حيث انخفضت الاستجابة بنسبة 34% عن رمضان الماضي.
Sorry Comments are closed