يدفع طول أمد التهجير في الشمال السوري وزيادة صعوبات الأوضاع الإنسانية التي تواجهها شريحة واسعة من سكان المنطقة، خصوصاً أولئك الذين يقطنون في المخيمات، والمرتبطة بتردي الحال الاقتصادية وارتفاع أسعار الأغذية والمحروقات وقلة فرص العمل وانتشار البطالة والفقر، الى مناشدة عدد من سكان مخيمات منطقة حربنوش شمال إدلب تحديداً المنظمات الإنسانية تقديم مساعدات عاجلة وملحة لهم.
يشتكي تامر الحسين، في حديثه لـ”العربي الجديد”، عدم تلقي مخيم المعصرة الذي يعيش فيه في حربنوش ويضم 176 عائلة، أية مساعدة إنسانية منذ عام ونصف العام. ويكشف أن ما زاد الوضع سوءاً اضطرار السكان لشراء صهاريج لمياه الشرب في الأشهر التسعة الأخيرة، ويقول: “نحتاج إلى كل أنواع المساعدات الإنسانية، خصوصاً مياه الشرب ومواد التدفئة، وإنشاء مدرسة لتعليم الأطفال. كما يجب استبدال الخيم المهترئة وتوفير سلال لمواد الغذاء والتنظيف، لأنّ معظم قاطني المخيم تحت خط الفقر”.
وليس حال مخيم المخزومي الذي يضم 85 عائلة نزحت من منطقة جبل شحشبو في ريف حماه الشمالي، أفضل من مخيم المعصرة، كما يؤكد مديره فيصل الحسين الذي يتحدث لـ”العربي الجديد” عن محاولته تأمين مساعدات إنسانية بعد حجبها بالكامل عن المخيم قبل ستة أشهر. ويقول: “بالكاد استطاعت غالبية عائلات المخيم تأمين معيشتها بالاعتماد على السلة الغذائية التي لم تتردد بعضها حتى في بيعها لشراء احتياجات أخرى. وقد زارت منظمة ميرسي كور مخيمات منطقة حربنوش، وأجرت تقييماً لاحتياجاتها، لكنّ الدعم لم يشمل مخيمنا. ثم لم تعرض أيّ منظمة أخرى تقديم مساعدات رغم الحاجة الماسة لسلال الغذاء ومواد التدفئة خلال فصل الشتاء”.
أيضاً، يتحدث أحمد، مدير مخيم الثانوية في المنطقة ذاتها، والذي نزحت إليه 153 عائلة عام 2019 عن عدم تلقي المخيم مساعدات غذائية منذ ستة أشهر، مشيراً إلى أن معظم سكان المخيم من الطبقة الفقيرة، بينهم 40 عائلة لأرامل و10 عائلات تضم أفراداً من ذوي الإعاقة. ويقول لـ”العربي الجديد”: “طالبنا مديرية التنمية المشرفة على مخيمات المنطقة بتقييم الوضع. ونفذ ممثلوها زيارات ميدانية، وقدموا وعوداً بالاستجابة لمطالب الناس التي لم تعد تحتمل قلة المساعدات في ظل استمرار تدهور حالها يوماً بعد يوم”.
فعلياً، يتلقى عدد معين من المخيمات دعماً شهرياً بسلال مواد غذاء وتنظيف ومياه وخبز، فيما يشمل ذلك باقي المخيمات كل عدة أشهر، ما ينعكس سلباً على قاطنيها غير القادرين على التعامل مع ارتفاع الأسعار. وقد عملت ثلاث منظمات هي “شفق” و”غل” و”نسائم الخير” في منطقة حربنوش، لكن المخيمات التي تضم أضعاف عدد سكان المنطقة يتلقون دعماً محدوداً جداً. وأنهت منظمة “نسائم الخير” عملها في المنطقة أخيراً وسلمت ملفاتها لمنظمة “ميرسي كور”، وكذلك منظمة “شفق” التي انتقلت ملفاتها إلى منظمة “آي إي دي”. وستدعم المنظمتان الجديدتان المخيمات السابقة نفسها، علماً أن حوالى 4.7 ملايين شخص يعيشون في شمال غربي سورية (محافظة إدلب وأجزاء من محافظات اللاذقية وحماة وحلب)، بينهم حوالى 1.7 مليون نازح ومهجر قسري من مناطق مختلفة يتوزعون على أكثر من 1489 مخيماً. أما في مناطق “درع الفرات” و”غصن الزيتون” فيعيش أكثر من 600 ألف نازح، غالبيتهم في خيم سقفها من نايلون.
ويؤكد ماهر نجم الذي يعمل في مشروع “سبل العيش” بمنظمة “شفق”، عزم المنظمة على إطلاق مشروع لتوفير خبز مجاني لشريحة واسعة من مخيمات منطقة حربنوش وتنفيذ مشاريع أخرى لتأمين المياه واحتياجات أخرى. لكنّه يستدرك بأنّ “الاحتياجات كثيرة، ولا يمكن أن تؤمنها منظمة واحدة أو اثنتان”.
ويوضح محمد حلاج، منسق “فريق منسقو الاستجابة الإنسانية” لـ”العربي الجديد” أن “نسبة العجز في تلبية احتياجات الأمن الغذائي وسبل العيش بلغت 57 في المائة، في حين لم يحصل المانحون على معلومات لتغطية الاحتياجات، ما يحرم أكثر من 744 مخيماً من مساعدات غذائية في شكل ثابت. وقد خفضت المساعدات الممنوحة ضمن السلة الغذائية في برنامج الأغذية العالمي، ما انعكس سلباً على نسبة الاستجابة. أما نسبة العجز في توفير احتياجات المياه في المخيمات فتبلغ 76 في المائة، وفي الصحة 78 في المائة. وقد بلغ عدد الإصابات بفيروس كورونا 4713 في المخيمات في سبتمبر/ أيلول الماضي”.
وكان برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة خفّض محتويات السلة الغذائية التي تقدّم للنازحين في مناطق شمال غربي سورية قبل نحو شهرين، ما زاد الأعباء على أهالي المنطقة الذين يعانون من تردي الحالة المعيشية وغلاء الأسعار وانتشار البطالة، ومن التأثيرات السلبية لانتشار جائحة كورونا الذي تسبب في عشرات الإصابات والوفيات يومياً.
وحذّر برنامج الأغذية العالمي من أنّ انعدام الأمن الغذائي في سورية بلغ أعلى مستوى منذ بدء الصراع عام 2011. وأوضح أنّ حوالى 12.4 مليون شخص في سورية لا يعرفون من أين ستأتي وجباتهم الغذائية.
Sorry Comments are closed