ينظم أولياء أمور قُصّر وقاصرات خطفتهم منظمة “الشبيبة الثورية” التابعة لقوات سورية الديمقراطية (قسد)، اعتصامات في محافظة الحسكة من أجل إيصال أصواتهم إلى المسؤولين في شمال شرقي سورية، ويطالبون فيها بعودة أبنائهم إلى صفوف الدراسة باعتبارها المكان الطبيعي لهم، وليس التجنيد الإجباري في صفوف “قسد”.
وفضت الشرطة المعروفة باسم “قوات الأسايش” بالقوة والتهديد ثلاثة اعتصامات سلمية رفع فيها الأهالي صور بناتهم وأبنائهم المخطوفين، ولافتات عكست استياءهم من الخطف والتجنيد، وكتبوا عليها: “التجنيد العسكري يبثّ الرعب في قلوب الأمهات”، “أين الأمم المتحدة من تجنيد القاصرات”، “الأكتاف الصغيرة فقط لحمل الحقيبة المدرسية”، “تجنيد القاصرات طريق قسري للتهجير”، “القاصرات شموع، لا تطفئوا شموعنا”. ودعا الأهالي الدول المعنية بالشأن السوري، وفي مقدمها الولايات المتحدة وروسيا، إلى الضغط على “قسد” للحدّ من هذه الممارسات.
ونظم الاعتصام الأول في مدينة عامودا، شمال الحسكة، في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، والثاني في مدينة القامشلي بمحافظة الحسكة في اليوم التالي، حيث لم تتدخل “قوات الأسايش”، ما سمح بنقل صحافيين وقائعه إلى وسائل إعلام عالمية. أما الاعتصام الثالث فحصل أمام مستشفى فرمان قرب مقر الأمم المتحدة بالقامشلي، في 7 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، والذي شهد تفريق المعتصمين بالقوة، واعتقال عدد منهم قبل أن يفرج عنهم، بحسب ما تبلغ الناشطة المدنية شمس عنتر “العربي الجديد”، وتقول: “اختفت ابنة أختي هدية عبد الرحيم عنتر (16 سنة)، وهي في الصف العاشر ثانوي، عندما كانت تحضر دورة لتعليم الكومبيوتر في مدينة عامودا، ولم تعد إلى المنزل منذ أكثر من أسبوعين، وسمعنا أنَّها مخطوفة مع اثنتين من صديقاتها، عادت إحداهن وتدعى إيان إدريس إبراهيم (15 عاماً)، بعد يومين إلى منزلها”.
وتوضح شمس، التي نظمت الاعتصامات في الحسكة، أنّ الشبيبة الثورية اختطفت الفتيات بالقوة بعدما وعدتهن عبر كلمات جميلة بتحقيق كل رغباتهن ونقلهن إلى مكان يعشن فيه بحرية كاملة ويخدمن وطنهن، ما يعني أنهن خضعن لغسل دماغ. ونحن نطالب بإعادتهن إلى منازلهن لأنهن قاصرات لا يزلن على مقاعد الدراسة”.
إحصاء المجندين القصر
وحول عدد القصر والقاصرات الذين خطفوا لتجنيدهم عسكرياً في ما يسمى وحدة “خدمة الدفاع الذاتي”، تؤكد شمس أن “لا إحصاءات دقيقة بسبب خوف الناس من الإفصاح عن أسماء أولادهم حرصاً عليهم. لكن العدد المؤكد حالياً يتجاوز 200، بحسب أحد العاملين في مكتب حماية الطفل، وحملة تجنيد الأطفال مستمرة”.
من جهته، يذكر المحامي فهد القاضي، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن “ظاهرة خطف قسد الأطفال وتجنيدهم لا تخفى على أحد، فوحدات حماية الشعب الكردي ووحدات حماية المرأة خطفت وجنّدت 244 طفلاً وطفلة عام 2017، بحسب التقرير السنوي للأمم المتحدة عن الأطفال في بلدان النزاعات المسلحة. وفي العام التالي، رصدت منصة إعلامية استقصائية مقتل 19 طفلاً تراوح أعمارهم بين 12 و17 عاماً على جبهات القتال ضمن صفوف قسد”.
ويضيف: “خطفت قسد عدة قاصرين وقاصرات تراوح أعمارهم بين 12 و16 عاماً من مناطق الحسكة وكوباني وحيي الأشرفية والشيخ مقصود بمدينة حلب خلال نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، واتسعت دائرة الخطف إلى بلدة أبو حمام، شرق دير الزور، في 7 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، وشملت الطفل حمد أحمد الزعلان (16 عاماً)، كما خطف الطفل ديار محمد حبش (15 عاماً)، في مدينة كوباني بمنطقة عين العرب في 9 ديسمبر الجاري”.
نقض الاتفاق الأممي
وكان تقرير أصدرته الأمم المتحدة في 20 إبريل/ نيسان 2020، قد أفاد بأن “قسد” وحزب العمال الكردستاني يواصلان تجنيد الأطفال لزجّهم في جبهات القتال، رغم الاتفاق الذي وقعه قائد “قسد” مظلوم عبدي مع مفوضة الأمم المتحدة لشؤون الأطفال والنزاع المسلح فرجينيا غامبا عام 2019، والذي قضى بإطلاق سراح الأطفال الذين جرى تجنيدهم. لكن القاضي يعتبر أن “قسد” تجاهلت كل التحذيرات الدولية والتقارير الصادرة عن لجنة التحقيق الدولية الخاصة بسورية، واستمرت في خطف الأطفال وتحويلهم إلى مجرمين في الصراعات الدائرة في البلاد.
وتشير الأمانة العامة للمجلس الوطني الكردي إلى أن “مسؤولين في منظمة الشبيبة الثورية أبلغوا عائلات المخطوفين هاتفياً بأنها تجند أبناءها في صفوف قواتها العسكرية، وتخضعهم لدورات تدريب عسكرية لمدة ستة أشهر لن تسمح خلالها بأن يتم التواصل معهم”.
ويكشف رئيس ممثلية المجلس الوطني الكردي في كردستان العراق نواف رشيد، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن “قسد عملت منذ أن تسلمت السلطة في شرق سورية على تطبيق قرارات أحادية تخالف القوانين الدولية ومعايير ممارسة السلطة، وبينها فرض التجنيد الإجباري وإلغاء الحياة السياسية، وحرق مكاتب المجلس الوطني الكردي، الذي يحاول اليوم فضح سلوك قسد وانتهاكاتها، ومساعدة عائلات القاصرين والقاصرات، ودعم حراكها السلمي للمطالبة بعودتهم”.
يضيف: “يطالب المجلس بإنهاء مسلسل خطف القاصرين والقاصرات من خلال عملية حوار حزب الاتحاد الديمقراطي ترعاها البعثة الأميركية في المنطقة. والمجلس الوطني الكردي مارس منذ تأسيسه في سورية السياسة وابتعد عن العنف، وهو حريص على المطالبة بحقوقه بأساليب حضارية وسلمية”.
على الصعيد الدولي، يوجّه المجلس رسائل إلى الأميركيين والدول المعنية بالشأن السوري، وشارك مسؤولوه في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة الأخيرة في مدينة نيويورك، حيث نقلوا كل الممارسات التي يعاني منها أهالي شمال شرقي سورية كي تضغط الدول على “قسد” لوقف الانتهاكات والممارسات التي لا تمَّت للإنسانية بصلة، “فالأطفال مكانهم المدرسة، وحملهم السلاح يخالف القوانين الدولية”.
Sorry Comments are closed