اللحظات الأخيرة – قصة: محمد علوان

محمد علوان11 ديسمبر 2021آخر تحديث :
محمد علوان
الرائد السوري محمد علوان

قصة قصيرة مستوحاة من الواقع، معظم تفاصيلها واقعية وأشخاصها حقيقيون، منهم من ارتقى شهيداً ومنهم مازال على قيد الحياة:

المكان: أحد معسكرات النظام في ريف دمشق جنوبي سوريا

الزمان: شهر تشرين الثاني/نوفمبر عام 2011

الحدث: ثلاثة ضباط في مكتب داخل المعسكر يخططون للانشقاق عن النظام السوري، ويتباحثون في كيفية السيطرة على مستودع الذخيرة ونقله إلى منطقة محررة في مدينة حمص، الهدوء يسيطر على المعسكر، فمعظم الجنود تمَّ سحبهم لقمع المظاهرات السلمية في محافظة درعا المجاورة ولم يبقَ في المعسكر إلا مجموعة صغيرة من الجنود للحراسة وثلاثة ضباط يحاولون استغلال الواقع للانشقاق والسيطرة على مستودع الأسلحة داخل المعسكر، فانشقاق الضباط بدأ يزداد في جميع أنحاء البلاد نتيجة استخدام النظام للأسلحة الثقيلة في قصف المظاهرات السلمية.

النقيب محمد (يبدأ الكلام): حان الوقت يا أخوتي للانشقاق عن هذا النظام المجرم، انظروا كيف يقتلون أهلنا كل يوم، يقصفونهم وكأنهم أعداء ويقتلون منهم العشرات لمجرد خروجهم في مظاهرات سلمية… ثم يسرد لهم أسماء عددٍ من الشهداء المدنيين والأطفال الذين ارتقوا نتيجة قصف النظام بالدبابات والصواريخ للأحياء المدنية في حمص.

النقيب أحمد: نعم صدقت علينا استغلال هذا الظرف وإعداد خطة كي نذهب إلى بلدنا وندافع عن أهلنا، يجب أن نصحب معنا سيارة محملة بالذخيرة والسلاح، فالثوار بحاجة إلى طلقة واحدة يصدون بها قطعان الشبيحة ويسرد النقيب أحمد بعض حالات اعتقال مخابرات النظام للحرائر…

الملازم باسم: هل أنتم جادون؟ كيف لنا أن نأخذ سيارة محملة بالذخيرة ونمررها على عشرات الحواجز من دمشق إلى حمص .. سنموت حتماً على الطريق.

النقيب محمد: أعدّت خطة لذلك

الملازم باسم “وعلامات الخوف بادية على وجهه”: ما هي الخطة؟

النقيب محمد: تواصلت مع الثوار في حمص لمرافقتنا بسيارتين مدنيتين، سيارة تسير أمامنا للاستطلاع وأخرى تشتبك مع أي قوة للنظام تحاول ملاحقة سيارة الأسلحة لتلهيهم عنها، وهم على أهبة الاستعداد.

الملازم باسم: أنت مجنون، سنموت جميعاً

النقيب أحمد: لنمت … نموت شهداء بإذن الله فداءً لأهلنا وديننا أفضل من البقاء مع هذه الحثالة المجرمة.

الملازم باسم: اتكلوا على الله

النقيب محمد: تتحدث وكأنك لست معنا

الملازم باسم: لا أعرف

النقيب أحمد موجهاً كلامه للملازم باسم: انظر كيف يقصفون أهلنا بلا رحمة ألم تشاهد كم يستشهد من الأطفال كل يوم، ألا تشعر بالعار لأنك مع من يقتل أهلك وأقرباءك.

الملازم باسم: “محاولاً تهويل الأمر”: ولكن كيف سنستطيع الاستيلاء على مستودع الأسلحة وعليه حراسة مشددة من عناصر معروفين أنهم على تواصل مع ضابط أمن المعسكر.

النقيب محمد: لقد رتبنا كل شيء، وعلينا فقط تحديد موعد تنفيذ العملية وأنت مهمتك فقط أن تؤمن لنا سيارة زيل لإخراج السلاح من الباب الرئيسي بحجة أنه إلى الخنازير في درعا وعلى مسافة قريبة سيتم إفراغه في سيارة أخرى.

الملازم باسم : أنا لست مرتاحاً، متى الموعد؟

النقيب أبو عامر يوم الخميس القادم بإذن الله الساعة 12 ليلاً.

لحظة التنفيذ:

الساعة التاسعة مساءً من يوم الخميس، في المكتب كل من النقيب محمد والنقيب أحمد منشغلين بتفقد بعض الأدوات…

النقيب محمد: أين باسم، لماذا لم يأتِ إلى هنا؟

النقيب أحمد: اتصلت به مراراً ولم يرد على مكالماتي!

محمد: أشعر أنه سيبلّغ عنا 

أحمد: لا مستحيل هو ابن جلدتنا ولن يفعل ذلك حتى لو أعدموه ولكنه خائف!

محمد: هل هيأت آلة القص والكبل الكهربائي لقص قفل المستودع؟

أحمد: كل شيء جاهز

محمد: سأعد الشاي وأضع به مادة التنويم ريثما تذهب وتطلب من جميع  الجنود المجيء ليشاركونا سهرتنا وتذرع بأي شيء..

أحمد “يضع إبريقاً كبيراً من الشاي على السخانة الكهربائية”: حسناً عددهم 13عسكرياً سأذهب لدعوتهم”، ثم يذهب أحمد باتجاه مهجع المجندين ويطلب منهم المجيء فيلبي جميع الجنود دعوته ثم يذهب إلى حارس مستودع الأسلحة فيرفص القدوم معه ويخبره أنه في حالة حراسة.

النقيب أحمد مخاطباً المجند: ولكن النقيب محمد هو من طلب مني دعوتك للسهر معنا.. الجميع هناك

المجند: يا سيدي لا أستطيع أن أترك نقطة حراستي

فكر النقيب أحمد بأنه إذا ألح على الجندي قد يزيد الشكوك لديه، فقال له: أحسنت، كنت فقط أختبر مدى جاهزيتك.

عاد إلى المكتب فوجد جميع العساكر يجلسون وهم منهمكين في الحديث مع بعضهم …

النقيب محمد همس لأحمد: أين حارس المستودع

النقيب أحمد: لم يقبل المجيء

النقيب محمد: لماذا، هل شعر بشيء؟

أحمد: لا أعلم ولكن إصراره على عدم المجيء جعلني غير مرتاح

النقيب محمد: سنقتله

أحمد: لا لا .. لن نبدأ عمليتنا بإراقة دم شخص قد يكون قتله بدون وجه حق.

محمد: ضع المادة المنومة في الشاي وصبه للعساكر

يبدأ النقيب أحمد بتوزيع كؤوس الشاي على الجميع وهو يتحدث إليهم  بكلام مسلي…

بعد ساعة يخلد جميع العساكر إلى نوم عميق… الساعة الثانية عشر ليلاً

محمد: لم يبقَ أمامنا حل إلا قتل حارس المستودع، وإلا فإننا لن نستطيع تنفيذ خطتنا المتفق عليها مع أخوتنا الثوار فهم في منطقة ليست بعيدة وينتظرون منا اتصال.

النقيب أحمد: لا والله لن نقتله… إنه من أبناء جلدتنا ونحن سنعرض أنفسنا للموت من أجل أهلنا، فكيف نبدأ العملية بقتل شخص لا حول له ولا قوة!

محمد: ما الحل إذاً، أين باسم لماذا لم يأتي… عليه أن يأتي هنا قبل بدء أي شيء.. اتصل به

النقيب أحمد يتصل بباسم، يرد الأخير ..

أحمد: أين أنت؟

باسم: في البيت

أحمد: لماذا لم تأت؟

باسم: أنا جاهز، في الوقت المحدد ستروني أمامكم

النقيب محمد “سمع رد  باسم”: كيف له بال على السهر في مثل هكذا ظرف!

النقيب أحمد: لا أعلم ولكن لم يعد أمامنا خيار آخر ويذهب إلى حارس المستودع، وينتزع منه بندقيته وهاتفه الجوال ويجبره على شرب الشاي لينام.. ثم يقومان بتحطيم قفل المستودع وبدء إخراج البنادق والرشاشات وصناديق الذخيرة.

النقيب محمد: اتصل بباسم

أحمد: يرن ويرن … وباسم لا يرد

الساعة الرابعة فجراً … أكثر من مئة مدرعة ومركبة ومئات العناصر من قوات النظام ومخابراته تحاوط المعسكر من كل الجهات… يتم اعتقال النقيب محمد والنقيب أحمد، وزجهما مدة أربع سنوات في السجن.

شخصيات القصة حقيقية:

النقيب أحمد: استشهد في إحدى المعارك بعد خروجه من المعتقل.

النقيب محمد: التحق بإحدى التشكيلات وما زال إلى اليوم حاملاً سلاحه.

الملازم الخائن باسم: قام النظام بمكافأته بنقله إلى أحد فروع المخابرات بعد أن أبلغ عن زملائه الضابطين.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل