تتوالى زيارات قياديين من “مجلس سورية الديمقراطية” والمعروف بـ”مسد”، وهو المظلة السياسية لـ”قوات سورية الديمقراطية” (قسد)، إلى العاصمة الروسية موسكو، بحثاً كما يبدو عن حلول للأوضاع في الشمال الشرقي من سورية، في ظلّ تهديدات تركية لم تنقطع.
وقال “مسد” في بيان صحافي، يوم الثلاثاء الفائت، إن وفداً منه ترأسته رئيسة الهيئة التنفيذية لمجلس سورية الديمقراطية، إلهام أحمد، “التقى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، ونائبه لشؤون الشرق الأوسط ميخائيل بوغدانوف، وعددا من كبار المسؤولين عن الملف السوري في الخارجية الروسية، حيث تم بحث سبل حل الأزمة السورية والملفات الثنائية التي تهم الجانبين لدفع التسوية السورية عموماً”. وأضاف البيان: “تركز اللقاء على الكثير من النقاط المشتركة، أهمها الحوار السوري-السوري، ودعم موسكو وتشجيعها للحوار بين مسد والسلطة في دمشق”.
من جهتها، قالت الخارجية الروسية في بيان إنه “جرى بحث الوضع في سورية مع التركيز على الوضع في شمال شرقي البلاد”. وأضاف البيان: “أُعير اهتمام خاص لمهمة تفعيل التسوية السياسية في سورية على أساس قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، وإعادة تأهيل اقتصاد الدولة ومجالها الاجتماعي، وعودة اللاجئين والنازحين، وتقديم المساعدات الإنسانية للمحتاجين إليها”.
وأشارت الخارجية الروسية إلى أن “الجانب الروسي أكد استعداده لمواصلة الجهود للمساعدة في توصل السوريين لاتفاقات بمختلف الصيغ من أجل استعادة سيادة ووحدة أراضي سورية بالكامل بأسرع ما يمكن، وضمان الحقوق المشروعة لكافة المجموعات الإثنية والدينية في البلاد”.
من جهته، وصف سيهانوك ديبو، عضو المجلس الرئاسي في “مسد” وهو من أعضاء وفد المجلس الذي زار موسكو، الزيارة بـ”الإيجابية”. وأوضح في حديث مع “العربي الجديد”، أنها “كانت استجابة لدعوة من وزارة الخارجية الروسية لوفد مشترك من مجلس سورية الديمقراطية والإدارة الذاتية”. وأشار إلى أنه “تطرقنا إلى عدد من المواضيع بشكل مباشر، وخاصة لجهة الأخذ بشكل متطور لمبدأ اللامركزية بما يناسب التنوع السكاني في سورية وهذه نقطة مهمة”.
وأضاف: “نجد أن الإدارة الذاتية المعمول بها في الشمال الشرقي من سورية نموذج متطور معالج لكل القضايا، وفي مقدمتها القضية الديمقراطية، وهي أحد أهم مفاتيح حل القضية الكردية في سورية، حلاً عادلاً ودستورياً”. وأشار إلى أنه تم خلال الاجتماع “التأكيد على دور روسي فاعل لرعاية حوار مباشر بين مسد والسلطة في دمشق”، موضحاً أن الاجتماع “تطرق إلى المساعدات الدولية الإنسانية كي لا تستثنى أي منطقة من هذه المساعدات”، مضيفاً: “اقترحنا فتح معبر اليعربية بين سورية والعراق لإدخال مساعدات دولية لنحو خمسة ملايين مدني يعيشون في منطقة شرقي نهر الفرات”.
وكان الجانب الروسي رفض إعادة فتح معبر اليعربية الحدودي أمام تدفق المساعدات الدولية منتصف العام الحالي، وهو ما أدى إلى تراجع المستوى المعيشي في الشمال الشرقي من سورية.
وزارت إلهام أحمد في الآونة الأخيرة، العاصمة الروسية أكثر من مرة، في سياق سعي “قسد” لترسيخ العلاقة مع الجانب الروسي لتفادي “الغضب” التركي، في حال قررت أنقرة ترجمة تهديداتها إلى عمل عسكري واسع النطاق من شأنه هذه المرة الذهاب بعيداً في عمق الجغرافيا السورية. ومنذ أكثر من شهر وأنقرة تلوّح بإجراءات عقابية ضد “قسد” التي يشكل مقاتلون أكراد عمادها الرئيسي في غربي الفرات وشرقه، ولكن الجانب الروسي يرفض حتى اللحظة أي محاولة تركية لتغيير خريطة السيطرة الحالية في الشمال الشرقي من سورية، وهو ما دفع أنقرة للتريّث قبل القيام بعمل عسكري جديد ضد “قسد”. ويبدو أن هذه القوات تخشى من اتفاق روسي تركي في اجتماع مرتقب في العاصمة التركية أنقرة من المفترض أن يناقش مجمل الأوضاع في الشمال السوري.
وكانت إلهام أحمد أكدت أخيراً أن “مسد” رفض مقترحاً روسياً بإدخال ٣ آلاف عنصر من قوات النظام إلى منطقة عين العرب (كوباني) في ريف حلب الشمالي الشرقي في منطقة شرقي نهر الفرات، لتجنيبها الغزو التركي.
ويؤكد الاندفاع الكردي باتجاه موسكو الخشية من تخلٍ أميركي مفاجئ عن الأكراد يجبرهم على عقد اتفاق مع النظام السوري لا يحقق الحد الأدنى من مطالبهم، وأهمها الاعتراف بـ”الإدارة الذاتية” ذات الطابع الكردي في شمال شرقي سورية، واعتبار “قسد” جزءاً من المنظومة العسكرية للنظام، أي بقاؤها اللاعب الرئيسي في منطقة شرقي نهر الفرات. لكن النظام السوري أفشل جولات حوار عدة جرت خلال العام الفائت مع الإدارة الذاتية برعاية من الجانب الروسي، جراء مطالبته باستعادة الشمال الشرقي من سورية من دون شروط، وهو ما يرفضه الأكراد المتمسكون بمكاسب حقّقوها خلال سنوات الحرب في سورية بدعم سياسي وعسكري من التحالف الدولي ضد الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة، الذي لا يزال يعتبر “قسد” ذراعه البرية في الحرب ضد تنظيم “داعش” في سورية.
وتدفع روسيا باتجاه مفاوضات بين النظام السوري والإدارة الذاتية مرة أخرى، مستغلة التهديدات التركية التي من شأنها إجبار هذه الإدارة على تقديم تنازلات كبيرة تسمح للنظام باستعادة الثروات في منطقة شرقي نهر الفرات.
من جانبه، اعتبر الكاتب المتخصص بالشأن الروسي، طه عبد الواحد، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “قسد تحاول عبر الزيارات إلى موسكو، خلق توازن تستفيد منه لاحقاً في حال تخلت عنها الإدارة الأميركية”، مشيراً إلى أن “موسكو مستفيدة من هذا التوجه لدى قسد”. وتابع عبد الواحد: “يعمل الروس بصورة رئيسية على تحقيق هدف واحد عبر هذه العلاقة، وهو التوصل إلى اتفاق مصالحة واضح بين قسد والنظام، تحت شعار استعادة السيادة، ما يعني استعادة النظام السيطرة على الشمال الشرقي من سورية، ولو شكلياً، مقابل بقاء السيطرة الفعلية لقسد”. وأضاف “تجني موسكو العديد من الفوائد الإضافية من خلال علاقتها مع قسد، فهذه العلاقة تخولها لعب دور الوسيط بين الأكراد وتركيا، وهذا أمر يسهم في تعزيز موقف الروس ونفوذهم في شمال شرق سورية”.
Sorry Comments are closed