مع ازدياد الوضع الاقتصادي لمعظم العائلات النازحة في الشمال السوري سوءاً، بادر فريق شبابي موجود في تركيا، لمساعدة الأشد احتياجاً من هذه العائلات عبر جمع تبرعات عينية ومالية لهم، إضافة إلى مساعدة سوريين في تركيا، وما يُميّز الفريق أنَّ أعضاءه ومعظم المتبرعين من ذوي الدخل المحدود، فكان لاسمه “مع بعض منقدر” نصيب.
مؤسس الفريق، الناشط الإغاثي عمار خيرا المعروف باسم عمار أبو أسامة، أوضح أنَّ العمل في البداية، عبارة عن شابين هو وصديقه الناشط أسامة البوشي، يساعدان المحتاجين عبر تأمين تبرعات من شباب مقربين، وحينذاك وجدا نتائج جيدة بسبب وجود ثقة كبيرة من المجتمع المحيط بهما من أقرباء وأصدقاء، وكان العمل الأولي هو تأمين دواء لرجل مسن وتطوّر بعدها لتأمين سلة غذائية، إضافة إلى عملهما بمساعدة المرضى للدخول إلى المشافي التركية لتلقي العلاج.
وقال “خيرا” لـ موقع تلفزيون سوريا: “منذ أن تهجّرت من حي برزة الدمشقي كنت أعمل لمساعدة المحتاجين، حسب قدرتي من دون فريق أو صديق، وتشجّعت كون المحتاجين أهلنا وجميعنا من طبقة فقيرة، نشعر ببعض وبحاجة لنكون مع بعض، واختيار اسم الفريق ناتج عن التواصل مع الناس، وفعلاً استطعنا تحقيق الهدف وتوسّع العمل لفريق (مع بعض منقدر) ليبلغ عدد أفراده حالياً عشرة متطوعين موجودين في تركيا”.
آلية عمل الفريق
بالنسبة للحالات الإنسانية في الداخل السوري، بيّن “أبو أسامة” أنَّهم يتواصلون مع أكثر من فريق إنساني في سوريا، والأكثر تلبيةً هي فرق “غيث إدلب” و”دعائم الخير” و”لؤلؤة الشمال” التطوعية إضافة إلى كثير من الفرق التي استجابت لطلبهم ولا يتسع المجال لذكرها.
أمّا طريقة الكشف عن الحالة والتأكد من صحتها، فهناك كثير ممن يتحايل للحصول على المساعدة، فالفريق يرسل مندوباً له في الداخل السوري ليقيّم الحالات، بعدها يتم نشر الحالة عبر مجموعة وصفحة للفريق وحسابات الأعضاء الشخصية على تطبيق “فيس بوك” وبعدها يتواصل المتبرعون ويتم إيصال المساعدة للشخص.
وبالنسبة لمساعدة سوريين في تركيا، فالفريق قدّم نحو 25 سلة غذائية بأماكن متفرقة لعوائل متضررة بجائحة “كورونا”، وتم تأمين فواتير لعائلات أيتام وأرامل ليس لهم معيل، وكانوا يعملون من أجل تأمين مصاريف المنزل وتوقف عملهم بسبب “كورونا” إضافة إلى تأمين أدوية وحليب أطفال واحتياجات أخرى.
وفي عيد الفطر تم توزيع نحو 170 قطعة ملابس للأطفال الأيتام والفقراء ومنهم أطفال بعد مراقبتهم وهم يتسولون في شوارع مدينة بورصة والتأكد من احتياجهم للمساعدة ولا يعملون لصالح أحد كما حال البعض ممن يأخذها كمصلحة، مع عدم ذهابهم للمدرسة بسبب إرسالهم من قبل ذويهم للتسول وجلب المال. ولفت “خيرا” إلى أنّهم لم يتمكنوا من مساعدة مماثلة في عيد الأضحى لقلة الدعم.
ووفق “خيرا”، فإنَّ الفريق في شهر أيلول/سبتمبر الماضي قدّم نحو 150 سلة غذائية وما يقارب 175 علبة حليب أطفال، موضحاً أنَّ الأولوية في التوزيع هي للأشد فقراً والأكثر حاجةً، وبالمرتبة الأولى يهتم بالمساعدة الطبية، ولديهم كفالات من متبرعين لمرضى محتاجين لأدوية دائمة بشكل شهري.
وأشار إلى تعاون قريب سيكون بين الفريق وبين جمعية “اللمة السورية”، وتتم حالياً التجهيزات لترتيبات جديدة واتفاقيات بين الطرفين، مضيفاً: “نرجو أن يعود ذلك بالنفع لصالح العائلات المهجّرة”.
كما أعلن الفريق في نهاية أكتوبر/تشرين الأول الفائت، عن بدء حملات إغاثية للمهجّرين في الشمال السوري عامة، وفي المخيمات المنسية خاصة، عبر جمع ملابس لتدفئة الأطفال والمحتاجين وتأمين مواد التدفئة وتبديل الخيام الممزقة التي لا تستطيع ردع مياه الأمطار.
ورسالة “خيرا” للشباب السوري في بلاد اللجوء: “يا إخوتي نحن على دراية بانعدام الثقة بكثير من الجمعيات والمنظمات، ولكن الأهالي المحتاجة لا ذنب لهم، فإن لم تكن لديكم ثقة بجهات معنية أو تطوعية فأرجو منكم أن تشكّلوا دائرة صغيرة من قبلكم، وتساهموا بالمساعدة بأنفسكم، ففضل الصدقة عظيم”.
ومن أعضاء الفريق، الشابة أمينة إسماعيل، وقالت لـ”تلفزيون سوريا”: “انضممت للفريق منذ سبعة أشهر، وتجربتي جميلة، فأنا سعيدة كوني ضمن فريق إنساني وطريقة عملنا مجالها ضيّق وصغير لقلّة عدد المتبرعين، ومن بينهم أشخاص من ذوي الدخل المحدود يساهمون في التبرعات، وذلك يجعلني أبكي أحياناً لتأثري بهم”.
ومن المساعدات أشخاص يطلبون ثياباً لأولادهم، فيساعدهم أناسٌ حالتهم المادية ليست ميسورة، لكنّهم بحال أفضل منهم، وأضافت: “هذا شيء يفرحني كثيراً خلال العمل”. وتفضّل “إسماعيل” العمل وراء اسم مستعار على “الفيس بوك”، كونها تريد أن تبقى وراء الكواليس لأنَّها ترى أنَّ ذلك أفضل لها.
شهادات من أشخاص تعاون معهم الفريق
من المساعدات لطلاب جامعيين كادت بهم الظروف المادية أن يتركوا دراستهم في الجامعة وخاصة في مناطق نظام الأسد، ومن بينهم الطالبة مريم المحمد (فضّلت الحديث معنا باسم مستعار)، قائلة: “أنا في السنة الثالثة حقوق، وكنت سأوقف الدراسة بسبب الوضع المادي، لكن عبر تصفحي للفيس بوك علّقت على منشور عن معاناة الطلاب، وكتبت: هذا وضعنا كلنا للأسف والأغلبية يتركون الجامعة لذات السبب”.
وأضافت الطالبة: “من حسن حظي تواصل معي الناشط عمار أبو أسامة عبر تطبيق المسنجر، وسألني لماذا ستتركين الجامعة فأخبرته، وبدروه قدّم لي المساعدة المادية لقسط الجامعة، له الشكر الجزيل ولفريق “مع بعض منقدر”، ولفتة جميلة منهم مساعدة الطلاب كي يحققوا طموحاتهم في بلد تنهدم فيه الأحلام”. حسب قولها.
من جهته، مندوب مكتب إغاثي لحي برزة الدمشقي في مدينة عفرين شمال حلب، حكمت عقاب أبو مالك، أكد لـ”تلفزيون سوريا” مساهمة فريق “مع بعض منقدر”، في توزيع ما يقارب ثمانين سلة غذائية، لعائلات وضعهم المادي يقدّر بـ”تحت الصفر”.
وأفاد بقوله: “تم التواصل مع أبي أسامة كوني على معرفة مسبقة به لمساعدة العائلات الموجودة في المنطقة والتي تخلّت عنها المنظمات الإغاثية، وهو بدوره تواصل مع بعض الأشخاص وتم تأمين السلل الغذائية، ووزّعت على مرحلتين، وكانت الثانية بحدود خمسين سلة وهي ضعف عدد المرحلة الأولى، كما ساعدني الفريق بتأمين مبلغ لإجراء عملية دسك رقبي + صفائح”.
إحدى المستفيدات من الفريق، السيّدة أم عبدو سليمان، وهي نازحة من مدينة حلب إلى مدينة عفرين شمالها، تحدثت لـ موقع تلفزيون سوريا عن تجربتها مع الفريق، الذي ساعدها في تأمين ثمن دواء شهرياً كونها تعاني من مرض الصرع الذي يرافقها منذ الطفولة، وإن لم تأخذ الدواء بوقته تتعرّض لنوبات اختلاج، وأوضحت أنَّها رأت منشوراً على “فيس بوك” يُظهر مساعدات للمحتاجين فتواصلت مع الفريق الذي استجاب لطلبها سريعاً وأرسلت إليه الوصفة الطبية للدواء.
ووصفت وضعها المادي بأنَّه لا يختلف كثيراً عن بقية النازحين، فزوجها اضطر للعمل في بيع الخضراوات لتأمين آجار المنزل ومصروف العائلة فلديهما خمسة أولاد، أصغرهم طفلة تحتاج لحليب، حيث وعد الفريق بتأمينه لها، كما ساعدها الفريق في تأمين مدفأة خلال الشتاء الماضي وجرة غاز وحطب، وحول تأمين مساعدات من جهة أخرى أشارت إلى أنّها لم تتلقَ مساعدات من جهة أخرى بعد.
يشار إلى أنَّ الفريق في شهر رمضان الفائت، شارك في حملات طعام لمئات الأشخاص الأشد حاجة بالتعاون مع فريق “غيث إدلب” الموجود في منطقة الدانا شمال إدلب، وتم توثيق هذه الحملات وعرضها من أجل حث الآخرين على المساهمة في التبرعات.
وفي عيد الفطر الماضي، عمل الفريق على حملة تحت اسم “ضحكتهم عيدنا” بالتعاون مع جمعية “بصمة خير” العاملة في بلدة أرمناز شمال إدلب، وتم رسم الابتسامة على وجوه نحو 300 طفل/ة في المخيمات عبر تقديم هدايا ومأكولات إضافة إلى إقامة مسابقة بسيطة تناسب أعمارهم، والفائز يأخذ ما يريده من هدايا ثم يلعب مع أصدقائه.
عذراً التعليقات مغلقة