عندما تم الإعلان عن ما يسمى “اللجنة الدستورية” من قبل الأمين العام للأمم المتحدة في بيان له بأن أعلن “موافقة حكومة الجمهورية العربية السورية وهيئة المفاوضات السورية على إنشاء لجنة دستورية ذات مصداقية ومتوازنة وشاملة تسهلها الأمم المتحدة في جنيف” عام 2019، كان الأمين العام مدركا تماما أن روسيا باتت تمتلك الملف السوري كليا وأن فكرة الرئيس الروسي بوتين التي دعا لها سوريين من كل حدب وصوب في سوتشي وانبثقت عنها فكرة اللجنة الدستورية اعتقد حينذاك أن روسيا ربما ترغب بحل سياسي ولكن بطريقة مختلفة هذه المرة وليس عبر مسار جنيف وقرارات الأمم المتحدة وإنما عبر لجنة غريبة الفكرة والأطوار والتشكيل، فمشى الأمين العام بالفكرة وأعلن استضافة جنيف لاجتماعات هذه اللجنة التي لا شرعية سياسية أو قانونية لها، لكنها الفكرة الوحيدة التي يبدو أن روسيا مستعدة لدعمها اليوم.
أضاف حينذاك الأمين العام “أعتقد اعتقادا راسخا أن إطلاق اللجنة الدستورية التي يقودها سوريون يمكن ويجب أن تكون بداية المسار السياسي للخروج من المأساة نحو حل يتماشى مع القرار 2254 (2015) الذي يلبي التطلعات المشروعة لجميع السوريين ويستند إلى التزام قوي بسيادة البلد واستقلاله ووحدته وسلامة أراضيه”.
بعد ثلاث سنوات وستة اجتماعات للجنة الدستورية لم تتمخض الاجتماعات عن أي نتائج تذكر أو أي أثر يذكر على الحياة العامة للسوريين الذين تدهور وضعهم الأمني والسياسي والاقتصادي بل زاد سوءاً على يد النظام الذي أصبح مقتنعا أن لا ضغوط حقيقية عليه وأن لعبة “اللجنة الدستورية” يمكن أن يلعبها باحتراف عبر كسب الوقت وإفراغها من معناها وبالنهاية السماح لبعض شبيحة النظام بالسفر إلى جنيف والسياحة هناك من فترة لفترة والتبضع أو التسوق هناك كما أظهرت صور وفد النظام في مطار جنيف.
اللجنة الدستورية هي تفريغ كامل لبيان جنيف المؤرخ في 30 من حزيران/يوينو 2012 والذي ينص صراحة على أن بيان جنيف يجب أن يكون أساس أي عملية انتقال سياسي بقيادة سوريّة وفي ظل عملية يمتلك السوريون زمامها، من أجل إنهاء النزاع وحدد قرار مجلس الأمن المذكور العملية السياسية بوصفها عبارة عن ثلاث مراحل رئيسية يجب أن تتم في فترة مدتها ستة أشهر حددها كالتالي:
- حكما ذا مصداقية يشمل الجميع ولا يقوم على الطائفية.
- حدد جدولا زمنيا وعملية لصياغة دستور جديد.
- انتخابات حرة ونزيهة تجرى، عملا بالدستور الجديد، في غضون 18 شهرا تحت إشراف الأمم المتحدة، بما يستجيب لمتطلبات الحوكمة وأعلى المعايير الدولية من حيث الشفافية والمساءلة، وتشمل جميع السوريين الذين تحق لهم المشاركة، بمن فيهم أولئك الذين يعيشون في المهجر، على النحو المنصوص عليه في بيان الفريق الدولي المؤرخ في 14 من تشرين الثاني/نوفمبر 2015.
فتشكيل اللجنة الدستورية لا تنسجم مع روح قرار مجلس الأمن ونصه الذي عبر بوضوح أن تشكيل هيئة حكم انتقالية يعتبر نقطة البداية لتشكيل دستور جديد ومن ثم إجراء انتخابات انتقالية، وهو ما يدركه تماما الأمين العام ومبعوثه الأممي بيدرسون لكنهم يريدون التغطية على ذلك ببيانات سياسية فقدت قيمتها تماما بعد مرور ثلاث سنوات على اجتماعات اللجنة الدستورية هذه.
لقد حان الوقت لإنهاء هذه المبادرة والانتقال بشكل جدي إلى صلب القرار 2254 حيث لا معنى في الاستكمال في الفشل نفسه ويجب أن تعلن المعارضة هذا بوضوح وعدم التعلل بأنها العملية السياسية الوحيدة الآن، هي تغطية لعملية سياسية غير موجودة وبالتالي فاللجنة نفسها ستكون أداة للتلاعب من قبل النظام إلى ما لانهاية حتى يعيد ترتيب أوراقه داخليا والقضاء النهائي على ما بقي من جيوب المعارضة.
يجب التأكيد بصراحة أن نص قرار مجلس الأمن ركز على تشكيل حكم انتقالي قبل تشكيل لجنة دستورية وليس العكس، ولا يمكن بكل الشرائع الدستورية في كل دول العالم صياغة دستور قبل أن يتحدد شكل النظام السياسي الذي سيعبر عنه هذا الدستور.
عذراً التعليقات مغلقة