* عمر إدلبي
أن تعجز منظمة الأمم المتحدة عن وقف مقتلة الشعب السوري على يد الأسد وعصابته شيء، وأن تدفع له أموالاً تمكنه بطريقة أو بأخرى من تمويل مجازره شيء آخر يدعو للاشمئزاز، ويحق للشعب السوري دون أدنى شك أن يتهم المنظمة الأممية بعد تأكيد هذه الفضيحة بالتواطؤ على دمه الذي يسفك بغزارة منذ أكثر من خمس سنوات، فيما لا يسمع ولا يرى من هذه المنظمة التي أنشأت أصلاً بهدف حفظ السلم والأمن الدولي إلا قلق أمينها العام، ولا غرابة أن يقول السوريون: ماذا نتذكر منك يا سفرجل الأمم المتحدة؟!
الفضيحة المدوية التي نشرت “الغارديان” فصولها منذ أيام لا يمكن تجاوزها ولا تبريرها بضعف بنيوي يعتري المنظمة الأممية الأم، وأداء وكالاتها الفرعية التي بدت متساهلة حتى أقصى درجات الهوان أمام تعنت نظام الأسد الذي لا يزال يتمتع بشرعية تمثيله الشعب المقتول على أيدي قواته وميليشياته الطائفية، ويحظى بفرص الظهور على منابرها لتسويق أكاذيبه عن حقيقة مجازره بحق الشعب السوري.
“الغارديان” أكدت في تحقيقها أن وكالتين تابعتين للأمم المتحدة قدمتا دعماً لجمعية الأمانة “الخيرية”، وهي منظمة ترأسها زوجة الأسد، أسماء الأخرس، بقيمة تزيد عن 8 مليون دولار، رغم أن زوجة الأسد تخضع لكل من عقوبات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
كما دفعت “اليونيسيف” وفق تحقيق “الغارديان” مبلغاً يقدر بحوالي 268 ألف دولار لجمعية البستان، التي يملكها ويديرها رامي مخلوف، وهو ابن خالة الأسد، وارتبطت جمعيته “الخيرية” بعدة ميليشيات موالية للنظام نفذت مجازر طائفية الطابع بحق السوريين الثائرين، ومخلوف هذا يخضع أيضاً للعقوبات الأمريكية والأوربية.
وما يحيّر العقول أن الصمت مطبقٌ في أورقة المنظمة الأممية على ما تسرب من معلومات تؤكد أن عشرات الملايين من الدولارات التي دفعتها منظمة الأمم المتحدة عبر وكالاتها إلى مؤسسات تابعة لنظام الأسد هي أموال قدمها متبرعون بهدف مساعدة الشعب السوري المنكوب بجرائم هذا النظام، وأن مؤسسات النظام التي تلقت هذه الأموال مشمولة بعقوبات أممية وأوربية وأمريكية تمنع بشكل واضح وصريح لا لبس فيه أي تعامل معها، مالياً كان أم سياسياً.
ومع ذلك دفعت المنظمة الأممية تلك الأموال لها بسخاء ملفت، بل إن حجم الأموال المبالغ فيه جداً، الذي تلقته بعض مؤسسات نظام الأسد لقاء خدمات الاتصالات وإقامة وتنقل موظفي الأمم المتحدة يشي بفساد كبير، ليس مستغرباً أبداً، لا على نظام الأسد الفاسد ولا على آليات عمل المنظمات الدولية التي لطالما عصفت بها فضائح شبهات الفساد، لكنه فضيحة بكل المقاييس في ظل حالة العقوبات المشار إليها.
صمت المنظمة الدولية عن الفضيحة هذه يشبه دون شك صمتها وتغاضيها المخزي على استمرار قتل نظام الأسد وتهجيره لشعبه، والفصل الأخير من مهزلة التواطؤ هذه جرت أحداثه في مدينة “داريا” التي تم تهجير أهلها بقوة القتل والتدمير، والتجويع، ولن ينسى السوريون وأهل داريا أن الأمم المتحدة وموظفوها وأمينها العام واكبوا هذه الجريمة خلال سنوات حصار “الجوع أو الركوع” بابتسامات تبادلوها مع مسؤولي نظام الأسد في عشرات اللقاءات، التي لم تقدم للمحاصرين شيئاً يقيهم الموت بآلاف البراميل المتفجرة والأسلحة المحرمة دولياً .. وأخيراً سلاح التجويع.
دور الأمم المتحدة المشين في مصائب السوريين لا يقف عند حدود الصمت، بل تعداه إلى رعاية اتفاقات تهجير المدنيين السوريين من أماكن سكناهم إلى مصائر مجهولة مفجعة تحت ضغط إجرام قوات الأسد وميليشياته الطائفية، كما حصل في رعاية الأمم المتحدة لاتفاق تهجير سكان أحياء حمص القديمة في صيف العام 2014، ومؤخراً في تهجير سكان داريا.
أما الانتقاد الخجول الذي صدر من المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا ستافان دي ميستورا لما أسماه “إستراتيجية إخلاء مدن محاصرة في سوريا على غرار داريا”، كما قال يوم الخميس الماضي، ومحاولة يان إيغلاند الذي يرأس مجموعة العمل حول المساعدات الإنسانية في اليوم نفسه تبرئة الأمم المتحدة من هذه الجريمة بذريعة أنها ليست طرفاً في الاتفاق الذي أفضى لتهجير سكان المدينة، فإن كلا التصريحين جاءا متأخرين ولا قيمة لهما، بل هما تصريحان مضللان ويفتقران للمصداقية، حيث تؤكد مصادر الثوار في داريا أن الأمم المتحدة كانت على اطلاع بشكل مستمر على تفاصيل المفاوضات التي أدت إلى عملية التهجير في درايا، فيما لا يمكن للأمم المتحدة إنكار دورها مطلقاً في اتفاق تهجير سكان حمص القديمة.
ماذا سيحفظ السوريون في ذاكرتهم عن دور الأمم المتحدة ومنظماتها في مأساتهم القاتلة؟
السؤال ليس من الصعب الإجابة عليه، والأمم المتحدة نفسها لا تعير كثير اهتمام لموقف السوريين منها، فمواقفها المخزية الضعيفة والعاجزة في مجازر رواندا والبوسنة والهرسك وبورما وغيرها من المجازر لا يغطي شمسها الحارقة بغربال بيانات القلق والإدانات الخجولة.
ولا يلام السوريون إن نظروا للأمم المتحدة على أنها شريك في قتلهم وتهجريهم، ولا ينتظر العالم من أطفال سوريا أن يكونوا أفراداً طبيعيين في المجتمع البشري، قد يدفعهم الحقد على موقف العالم المتخاذل من مقتلتهم إلى دروب التطرف والانتقام، وهو ما لا نرجوه لأجيالنا القادمة، رغم كل ما قد يبرره من معاناة قاسية واجهوها طيلة السنوات الماضية، وربما القادمة.
* نقلاً عن: “مدونات الجزيرة”
Sorry Comments are closed