لم يكن الانفتاح الأردني حول النظام السوري سابقة في المحيط العربي، فقد سبقته الإمارات والبحرين، لكن الجديد والمختلف في الانفتاح الأردني هو وجود استراتيجية ذات بعد إقليمي-دولي، بدأت بزيارة الملك عبدلله إلى واشنطن في تموز (يوليو) الماضي ثم زيارة إلى موسكو، قدم فيهما مخططا لتخفيف الضغوط السياسية والاقتصادية عن دمشق.
استكمل التحرك الأردني بتفاهمات مع الجانب السوري حول معبر نصيب ـ جابر الحدودي، وخط الغاز من مصر إلى الأردن فسوريا فلبنان، واجتماع رئيس الوزراء الأردني بشر الخصاونة بوفد من حكومة النظام السوري، ضم وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية ووزير الموارد المائية ووزير الزراعة والإصلاح الزراعي ووزير الكهرباء، وأخيرا توجت هذه التحركات باتصال هاتفي بين الملك والأسد.
هل تحركات الملك عبدلله هي تحركات أردنية بامتياز، أم أنها مدفوعة من قبل دول عربية، لا تريد الظهور في المشهد السوري في هذه المرحلة؟
يرتبط هذا السؤال بسؤال آخر، هل ثمة أسباب ملحة ومستعجلة تدفع عمان نحو دمشق، أم أنها الواقعية السياسية التي عبر عنها الملك بقوله إن النظام السوري باق، والمصلحة العربية تقتضي التعامل معه؟
بالنسبة لبقاء النظام السوري، فهذه مسألة ليست بجديدة، فالمتغيرات التي حدثت منذ نهاية 2015 وتوجت عام 2018 تؤكد أن النظام باق، ولا وجود لإرادة أمريكية بتغييره، وبالتالي لا معنى للواقعية السياسية الآن.
وبالنسبة للأوضاع الأمنية، فقد انتهت المخاوف الأردنية بعد عام 2018، وأصبحت الحدود أكثر أمنا بما لا يستدعي التواصل مع النظام السوري، أما الوجود الإيراني في الجنوب السوري، فهو لم ولن يشكل تهديدا للأردن.
دور عربي
ثمة مقاربة عربية ظهرت قبل نحو خمس سنوات مفادها أن ترك النظام السوري في عزلته سيدفعه أكثر نحو إيران، وسيجعل للأخيرة اليد الطولى في القرار السوري، فيما أن الانفتاح العربي على النظام السوري سيخفف من حدة اندفاعه نحو إيران.
لا يهم ما إذا كانت هذه المقاربة صحيحة أم لا، بمعنى يصعب التأكد من أنها هي المحرك العربي وراء الانفتاح على دمشق، لأن الدول العربية ما تزال تعيش حالة البداوة السياسية، فالنكاية والثأر محركان أساسيان في السياسة العربية، وليس المصالح الاستراتيجية بعيد المدى.
والدليل على ذلك، أن بعض الدول العربية بدأت انفتاحها على النظام السوري منذ ثلاثة أعوام، أو على الأقل خففت من لهجتها ضده نكاية بالعدو التركي، فبدأت ترسل مسؤولين إلى مناطق السيطرة الكردية.
المصالح الأردنية
بالنسبة للأردن الذي طالما اعتمد مقاربة الحياد الإيجابي، بدأ يعتقد مؤخرا أن البيئة المضطربة في سورية ولبنان، تشكل له فرصة للاستفادة الاقتصادية بشكل مباشرة وفرصة للاستفادة السياسية بشكل غير مباشر عبر تحول الأردن إلى وسيط بين دمشق وباقي العواصم الإقليمية والدولية.
سيستفيد الأردن من التجارة البينية مع سوريا، وسيستفيد من خط الترانزيت الرابط بين لبنان وسوريا مع دول الخليج، فضلا عن صفقات أخرى لم يظهر منها الآن سوى خط الغاز المصري.
لكن، الأردن لن يكتف بذلك، فهو يطمح إلى فتح خطوط التجارة مع تركيا عبر سوريا، وليس مصادفة أن تعود إدلب إلى الواجهة العسكرية مجددا في هذه الفترة، ويبدو أن ثمة تفاهم أردني ـ عربي مع النظام السوري، بضرورة فتح الطريق الدولي “M 5” الذي يصل غازي عينتاب التركية بمعبر نصيب الحدودي.
ولذلك، بدأت ضغوط النظام السوري وروسيا مؤخرا على تركيا من أجل تحقيق هذا الهدف وأهداف أخرى، ففيما تطالب أنقرة بإنشاء منطقة آمنة في محيط الطريق الدولي مع عدم الممانعة في فتحه، يصر النظام على إعادة السيطرة بشكل كامل عليه، حتى لا يكون للأتراك أية سيطرة مباشرة عليه، أما روسيا، فإن كانت تضغط على تركيا، فإن مقاربتها لأدلب أوسع من مقاربة النظام السوري.
ليس مصادفة أن تعود إدلب إلى الواجهة العسكرية مجددا في هذه الفترة، ويبدو أن ثمة تفاهم أردني ـ عربي مع النظام السوري، بضرورة فتح الطريق الدولي “M 5” الذي يصل غازي عينتاب التركية بمعبر نصيب الحدودي.
قد تنجح أنقرة في الوصول إلى تفاهمات مع موسكو مجددا حيال إدلب، لكن ما يلفت الانتباه أن النظام السوري يستغل الانفتاح العربي نحوه لتحقيق أهدافه الخاصة وليس أهداف الدول الأخرى، ومن هنا فإن المقاربة العربية بأن الانفتاح على النظام السوري سيدفعه إلى إجراء تغيير في سلوكه السياسي وتحالفاته الإقليمية هو مجرد وهم كبير.
لكن، من الواضح أن الخطوة الأردنية تجاه النظام السوري تحظى بتأييد معظم الدول العربية علنا أو سرا، مستغلين حالة التراخي الأميركي حيال الانفتاح السياسي والاقتصادي على دمشق، بعدما قررت إدارة بايدن اعتماد استراتيجية الإدارة من الخلف إزاء قضايا الشرق الأوسط، وفي مقدمتها الأزمة السورية.
Sorry Comments are closed