بعد أن حمل شعلة أولمبياد 2016، يلمع نجم الشاب السوري اللاجئ من دير الزور، إبراهيم الحسين، مرة أخرى قبيل أولمبياد طوكيو، ويتجهز السبّاح للمشاركة آملا في الوصول إلى الدوري النهائي “ليس من أجله ولكن من أجل 82 مليون لاجئ بمن فيهم لاجئون من ذوي الاحتياجات الخاصة.”
ويتوجه الرياضي السبّاح إبراهيم الحسين (33 عاما) إلى طوكيو للمشاركة ضمن الفريق البارالمبي للاجئين (فريق اللاجئين من ذوي الاحتياجات الخاصة) متسلحا بالإصرار والإرادة.
كان إبراهيم، ابن مدينة دير الزور في سوريا، يهوى السباحة ويمارسها منذ سن الخامسة. لكن، تغيّرت حياته بالكامل بعدما اندلعت الحرب في سوريا عام 2011.
ففي عام 2012 تعرّض لحادث أفقده قدمه اليمنى، أثناء محاولته إسعاف صديق له أصيب بالنيران. فانفجرت قنبلة وأصابت أصدقاء آخرين له إصابات خطيرة. بسبب الحرب لم يكن من السهل الحصول على علاج طبي جيد في سوريا، والشخص الذي ساعده في تنظيف جروحه كان طبيب أسنان.
يقول إبراهيم لأخبار الأمم المتحدة: “في البداية لم أتقبل الموقف.. ولكن قلت لنفسي إذا بقيت هكذا فستكون حياتي محطمة.”
أصيب إبراهيم بالإحباط والاكتئاب، فقرر بعدها بثلاثة أشهر المغادرة بحثا عن الأمان وعن علاج أفضل.
التوجه إلى تركيا ثم اليونان
تمكن إبراهيم من عبور نهر الفرات على متن طوافة بمساعدة صديق، وبعد وصوله إلى إسطنبول وجد أشخاصا أسخياء قدموا له الطعام والمساعدة. وفي أحد المستشفيات حصل على قدم صناعية، لكن لم تكن ذات جودة، إذ كانت أجزاء الساق تتفكك بين فترة وأخرى.
وفي عام 2014، قرر إبراهيم مغادرة تركيا، فعبر بحر إيجة باتجاه اليونان على قارب مطاطي.
ويصف إبراهيم اليونان بأنها وطنه، فقد وجد أشخاصا قدموا له يد العون وساعدوه على التغلب على الصعوبات: “اليونان هي بمثابة وطن. عندما خرجت من سوريا، كنت أبحث عن علاج وأبحث عن وطن وأبحث عن أهل، وعندما وصلت إلى اليونان وجدت وطنا ووجدت أشخاصا يحبونني وعالجوني ووجدت أشخاصا بمثابة أهل، قاموا باحتضاني.”
تعرف إبراهيم في أثينا على رجل سوري، علم بقصته وكان يعرف طبيبا يونانيا مختصا بالأطراف الصناعية. وقام الطبيب، آنجيلوس كرونوبولوس، بمساعدة اللاجئ المصاب دون مقابل.
العودة للرياضة
لم تكن العودة إلى الرياضة سهلة. فقد بحث إبراهيم في النوادي الرياضية عن مكان ليتدرب به، ولكن في أيار/مايو 2014 قبِله أحد النوادي كلاعب كرة سلة على كرسي متحرك. وفي عام 2015 وجد نادٍ آخر فيه بركة سباحة يمكنه التدرب بها.
بعدها بستة أشهر، شارك إبراهيم بإحدى البطولات في أثينا وربح المركز الأول وبعدها ربح ميداليات أخرى في بطولات وطنية أخرى. وفي عام 2016، طلبت مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين منه أن يحمل شعلة الأولمبياد عبر مركز إيواء اللاجئين في أثينا كممثل للاجئين من جميع أنحاء العالم. وبعدها طُلب منه أن يشارك في أول فريق بارالمبي للاجئين في أولمبياد ريو بالبرازيل.
يقول إبراهيم: “الشخص سيصل في يوم من الأيام إلى حلمه وهدفه مهما كانت الظروف التي مر بها صعبة وقاسية. كان الأمر بالنسبة لي درس حياة.”
وأكد أنه في المرة السابقة قبل أن يذهب إلى ريو لم يكن يتبع برنامجا غذائيا، لكن في الوقت الحالي ومن ضمن استعداداته للمشاركة في طوكيو، بدأ باتباع برنامج غذائي للمحافظة على الوزن المثالي بالنسبة له.
الشخص سيصل في يوم من الأيام إلى حلمه وهدفه مهما كانت الظروف التي مر بها صعبة وقاسية. كان الأمر بالنسبة لي درس حياة
وأضاف يقول: “من الأمور الأخرى، عندما ذهبت إلى البرازيل لم أكوّن علاقة صداقة مع لاعبين ورياضيين من دول أخرى. سأسعى هذه المرة إلى إقامة علاقات مع لاعبين آخرين ورؤساء اتحادات آخرين كي تتكون علاقة مستمرة، بعد أن بدأت في تأسيس فريق اللاجئين لكرة السلة فأنا بحاجة إلى العلاقات.”
فريق اللاجئين لكرة السلة هو فريق أسسه إبراهيم الحسين ليعطي للاجئين من جميع أنحاء العالم فرصة للعب هذه الرياضة، تماما كالفرصة التي أتيحت له.
يقول إبراهيم: “إذا سألتِ هل تستطيع الانقطاع عن الطعام سأقول لكِ نعم أقدر على الانقطاع عن الطعام، وإذا سألتِ هل يمكنك الانقطاع عن الرياضة، فسأقول لكِ هذا مستحيل.”
وأشار إلى أن الرياضة بالنسبة له هي أهم أمر بالحياة لأنها تنسيه كل الصعوبات، كصعوبة اللجوء وحقيقة أنه لم ير أيا من أفراد أسرته منذ 10 سنوات.
مساعدة اللاجئين
التقى إبراهيم الحسين بالعديد من الأشخاص الذي قدموا له يد المساعدة. وهو يسعى الآن إلى رد الجميل ومساعدة اللاجئين بقدر المستطاع.
يقول: “أنا لم أعد للرياضة من أجل اسم إبراهيم الحسين، أنا عدت كي أساعد اللاجئين من ذوي الإعاقة سواء بعلاجهم أو بتأمين احتياجاتهم التي يحتاجون إليها من كراسي أو عكازات وغيره.”
وقال إنه لا يريد أن يمر أي لاجئ من ذوي الاحتياجات الخاصة بنفس المرحلة الصعبة القاسية التي مر بها، سواء في تركيا أو عند وصوله إلى اليونان.
وأضاف يقول: “لدي مشكلة واحدة، للأسف هناك فئة لا أقدر على مساعدتها وهي الأفغان والإيرانيون والأفارقة بسبب حاجز اللغة. أنا منزعج ولكن لا أعرف ما هي الطريقة التي أساعدهم بها.”
وتابع يقول: ” اللاجئ من ذوي الاحتياجات الخاصة هو أكثر فئة مهمشة من بين اللاجئين. لذلك أحاول المساعدة وتأمين الاحتياجات.”
أمنيته بأن يكبر فريق اللاجئين
عندما توجه إبراهيم إلى ريو كان الفريق البارالمبي للاجئين يتكون من شخصين، والآن يذهب إلى طوكيو مع فريق من ستة أشخاص.
يتمنى إبراهيم أن يكبر فريق اللاجئين أولومبيا وبراملبيا، مؤكدا التواصل مع أكثر من 50 رياضيا لاجئا من ذوي الاحتياجات الخاصة ويقول “هم أبطال يلعبون في أنديتهم ولكنهم يحتاجون إلى الفرصة والدفعة البسيطة.”
ويصر على وصف الفريق بـ “عائلة فريق اللاجئين” المكونة من عدة جنسيات وليس من جنسية واحدة. “هذا هو الحب الحقيقي أن تجمعي عدة جنسيات في منزل واحد وفي عائلة واحدة وتحت علم واحد وتحت شعار واحد، هذا بالنسبة لي كشخص هو أعظم إنجاز حققته الرياضة.”
وإضافة إلى أمنيته بأن يكبر الفريق، يتمنى إبراهيم أن يفتتح في اليونان أول مكتب في العالم لفريق اللاجئين.
وفي طوكيو، سيبذل كل ما في وسعه لتجاوز دوري المجموعات ودوري 16 والوصول إلى الدوري النهائي: “آمل في الوصول إلى الدوري النهائي وسأبذل كل ما أملك من قوة، ليس من أجلي بل من أجل 82 مليون لاجئ، مليونان منهم من ذوي الاحتياجات الخاصة.”
نكران الذات
حصل إبراهيم على عدة شهادات وميداليات من بينها جائزة الشجاعة عام 2016 من الأكاديمية الرياضية الأميركية، وجائزة من الاتحاد الرياضي اليوناني، مشيرا إلى أنه أول لاعب على مر التاريخ كلاجئ وصل إلى اليونان وحقق الإنجازات.
والآن يتمنى أن يبذل كل ما في وسعه لمساعدة الرياضيين اللاجئين حتى وإن كانوا ينافسونه، “سأساعدهم بكل ما أملك من قوة.”
أما فيما يتعلق بصديقه الذي حاول إسعافه في سوريا وعلى إثر ذلك انفجرت القنبلة في قدمه، فيقول إبراهيم إن صديقه ظل على قيد الحياة، بل تزوج وأنجب ثلاثة أطفال، “هذا ما يجعلني من أسعد الناس بهذه الحياة. قدمي لم تذهب سدى، فهناك ثلاثة أطفال، وهذا أعطاني فرحا. كل شيء كنت أتمناه سابقا حققته بنسبة 95-97 في المائة.”
Sorry Comments are closed